تعتبر الغيرة إحدى المشاعر الإنسانية الطبيعية عند الطفل، فالقليل منها تشكل له دافعاً نحو التطور والمنافسة، لكن الكثير منها يفسد الحياة. ويعتبر السلوك العدواني والأنانية أثر من الآثار الناجمة عن الغيرة عند الأطفال وقد تصبح عادة تظهر بصورة مستمرة، وهنا تصبح مشكلة لا بد من الوقوف عند أسبابها وعلاجها..

كيف تتكون الغيرة؟

عندما يقترب موعد ولادة الطفل الثاني في الأسرة، يتم استبعاد الأول عن والدته خلال فترة مكوثها في المستشفى وعند عودتها إلى البيت تكون مُجهدة وترغب في الاستراحة، لكن الطفل يكون تواقاً لحنانها الذي افتقده خلال الفترة الماضية فلا تجد وقتاً لمنحه هذا الحنان، وبعد استراحتها تتوجه العناية إلى المولود الجديد، ويقل الوقت الذي تعطيه للطفل الكبير، ويصل الأهل والأصدقاء للتهنئة بالضيف الجديد الذي أعطي له كل الوقت وسلطت حوله الأضواء بعد حجبها عن أخيه، حيث يكون باستمرار في حضن والدته. فيذهب الأكبر إلى سريره مكسور الجناح وفي ذهنه أنه قد فقد حب أمه له، وبعد أن يكبر قليلاً يلاحظ أنه يُعاقب لأشياء يُسمح لأخيه الصغير أن يفعلها ولا يعرف سبباً لذلك أو أنه أصغرُ من أن يعرف السبب، ويتنامى لديه الشعور بالغيرة يوماً بعد يوم نتيجة المقارنة أو التفضيل.

أسباب الغيرة عند الأطفال

^ ضعف الثقة بالنفس: إن ضعف الثقة بين الطفل ومن حوله يشكل عاملاً مساعداً على ظهور الغيرة. كذلك ضعف ثقة الطفل بذاته وبقدراته يؤدي للشعور الشديد بالغيرة كونه ينظر إلى الآخرين دوماً بأنهم أفضل منه ولا يستطيع إدراك قدراته الشخصية التي يتميز بها عنهم. خاصة عندما يكون هذا الطفل معاقاً أو مريضاً وشاعراً بالاختلاف بينه وبين الأطفال الآخرين.

^ ولادة طفل جديد: يلاحظ أن الطفل في أول حياته يسترعي في العادة انتباه الجميع، ويشعر بأن كل شيء له، وكل انتباه موجه نحوه. لكن هذه العناية الكبيرة قد تتوقف عنه فجأة أو بالتدريج كلما كبر وقد تنتقل إلى المولود الجديد أو إلى شخص آخر في الأسرة. هذا التغيير قد يترتب عليه الميل إلى الانتقام أو الشروع في سلوكيات يترتب عنها جذب العناية والانتباه إليه مرة أخرى: كالبكاء أو التبول اللاإرادي أو التمارض … الخ.

^ تمييز معاملة بعض الأبناء عن البعض الأخر أو بين الذكور والإناث: مما يخلق الغرور عند بعض الأبناء، ويثير حفيظة وغيرة البعض الآخر. وقد تظهر أعراضه في صور أخرى في المستقبل. ومن أشكال التمييز أيضاً إعطاء امتيازات كثيرة للطفل عندما يكون مريضاً أو معاقاً مما يثير الغيرة في الأخ الصحيح وتمنيه المرض أحياناً وكراهيته للطفل المريض.

للتقليل من ظاهرة الغيرة على الوالدين اتباع ما يلي: التمهيد لاستقبال المولود الجديد، وخلق علاقة من الحب بين الأخوة، حتى إذا ما جاء المولود شعر أخوه أنه محبب إلى نفسه و ليس منافساً له، الاقتصاد في إظهار الحب والعطف للمولود الجديد خاصة أمام إخوته، التقليل من مدح بعض الأبناء أمام إخوانهم ويجب اعتبار كل طفل شخصية مستقلة ، لها مزاياها واستعداداتها الخاصة، المساواة في التعامل بين الذكور والإناث، لأن التفرقة تثير الغيرة وتؤدي إلى الشعور بكراهية البنات للجنس الآخر في المستقبل، عدم المبالغة في إغداق امتيازات كثيرة على الطفل المريض فتجعله يتمارض أكثر ويثير الغيرة في إخوته نحوه، الاستمرار في رعاية الطفل الأول ومحبته وتلبية حاجاته الضرورية، عدم إشعار الكبير بأن الوقت والاهتمام المعطى لأخيه الصغير يشكّل عائقاً أمام تحقيق رغباته، تكليف الطفل الأول بمجموعة من المهام التي يقوم بها تجاه أخيه الصغير، وحمايته وإعطائه بعض الهدايا، عدم المقارنة بين الأبناء على مختلف قدراتهم وميولهم وأعمارهم، ومراعاة حاجات كل منهم بما يتناسب وطبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها.

^ خلاصة القول: أنه يجب مراعاة الفروق الفردية الدائمة بين الأخوة مهما تكن وعدم استثارة المقارنات الفردية المؤدية إلى الغيرة، ولا يمنع ذلك بالطبع من إظهار النواحي الطيبة ونقاط القوة في كل منهم، ومحاولة تنميتها والعناية بها.

ويبقى حضن الأم الدافئ الحنون الذي لا يخذل الطفل مهما كبر هو ملاذه الأول والأخير والذي يتعامل مع مشكلاته النفسية والاجتماعية التي تواجهه، ويدعمه للتغلب على كل أشكال القلق والخوف وضعف الثقة بالنفس عنده، بما يزيد من فرص النجاح ويقلل من خبرات الفشل، وينمي القدرة على التعاون الاجتماعي بينه وبين أقرانه ومحبتهم.