كتب - حذيفة يوسف:
زف البحرينيون أمس شهيد أحمد الظفيري إلى مثواه الأخير في مقبرة الحنينية، بعد أن طالته أيادي الإرهاب والجريمة المنظمة بجسم متفجر، دون رادع من أخلاق ووازع من دين، ودون اعتبار لشبابه المبكر الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره.
وأعرب المعزون ممن غصّت بهم المقبرة، عن سخطهم وإدانتهم لوسائل الإرهاب وأدواته، بعد أن أودت بحياة الظفيري ومن قبله زهرة صالح، وقالوا “من يدري قد لا يكون الظفيري الأخير في سلسلة الاستهداف، طالما القانون بعيد عن التطبيق والجناة بمنأى عن قبضة العدالة”.
وامتلأت ساحة المقبرة بجموع المعزين والمشيعين، الذين قدموا واجب العزاء لذوي الشهيد، معلنين تضامنهم ووقوفهم إلى جانبهم في مصابهم الجلل.
سالم الظفيري والد أحمد احتسب أجره عند الله وتماسك وحافظ على رباطة جأشه، وقال من بين دموعه “ولدي فداءٌ للوطن وترابه، ورؤيته ملفوفاً بعلم المملكة وسام عز وفخار”.
ورصدت “الوطن” وجود شخصيات كبيرة بين جموع المعزين من مختلف الانتماءات، ما يؤكد عظم الجريمة وفداحتها، واستنكار كل صاحب ضمير حي لاستهداف الظفيري وحرقه، ودلالة على تلاحم شعب البحرين في الملمات والشدائد، مثلما هو حالهم في المسرات والأفراح.
أهل الشهيد الظفيري جددوا مطالبتهم بإلقاء القبض على الجناة ومحاكمتهم طبقاً لصحيح القانون، للحيلولة دون تكرار مشاهد مماثلة احترق فيها جسد أحمد بأيدٍ آثمة لم تعرف الأخلاق طريقاً لأصحابها. وحمّل ذوو الشهيد عيسى قاسم وعلي سلمان مسؤولية الاستهداف العشوائي للمواطنين في غياب قوة الردع القانوني، وحلول مبدأ الإقصاء والفرقة والكراهية والبغض محل وازع الأخلاق والدين والمحبة والألفة والتسامح والتواد والتراحم.
رحل أحمد الصغير بين أشقائه والسادس بينهم، دون أن يتم عامه 18، ودون أن يقول كلمة الوداع الأخيرة، عندما انفجرت بوجهه عبوة متفجرة وصراعه مع الإصابة بمشافي الأردن، قبل أن يقول القدر كلمته الأخيرة وتسمى روحه لبارئها.
ويقول فهد الظفيري شقيق أحمد والدموع تملأ مقلتيه إن أخاه كان حنوناً طيباً يعطف على إخوته وأخواته رغم أنه أصغرهم سناً، ولفت إلى أن خبر وفاته صدم الجميع بمن فيهم الجيران الذين عاشروا أحمد وعرفوه وأحبهم وأحبوه.
وأضاف “صعقنا بعد اتصال المستشفى العسكري في السادسة صباحاً، وهو يبلغنا أن أحمد مصاب بحروق في جسده، بينما ظننا قبلاً أنه نام في منزل جدته”. وقال: إنه رافق أحمد في رحلة علاجه إلى الأردن، التي لم تكلل بالنجاح نتيجة حروق كبيرة التهمت جسده، وشظايا القنبلة المستقرة في رأسه وأُصيب جرائها بجلطة دماغية.
وروى فهد بحزن وألم تفاصيل رحلة علاج أخيه، حيث قال: إن الأطباء كانوا متعاونين ومتعاطفين مع وضع المصاب، واستجاب للعلاج في المراحل الأولى وحتى اليوم قبل الأخير من وفاته.
وأشار إلى أن أحمد تناول الطعام مرات عديدة، واستطاع التحدث بصعوبة حيث كان لسانه ثقيلاً، ما صعب من مهمة فهم ما يعنيه، مبيناً أنه كان مقرراً أن يُنقل الجمعة الماضية إلى قسم الجراحة التجميلية لإعادة زراعة خلايا من الجلد إلا أن “القدر سبقهم وقال كلمته”.
وروى شاهد عيان لـ«الوطن” فضّل عدم ذكر اسمه، أنه كان لحظة الانفجار موجوداً في موقع الحادث حيث كان أحمد وصديقه راكان، لافتاً إلى أن الحادثة وقعت الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، عندما نزل أحمد لإزاحة الإطارات المحترقة ووجد عصا خشبية كان يدفعها بها ليفتح الطريق.
وأضاف أن 5 ملثمين كانوا يقفون جانب الطريق، وبعد وصول أحمد إلى الإطار الأخير انفجر الجسم الغريب وفر الإرهابيون من موقع الحدث بعد قتلهم المتعمد له واشتعال النار في جسده.
ونبه إلى أن صديق أحمد أمسك به وهو يرى النيران تلتهم جسده، ودفعه إلى التراب محاولاً إطفاء النار المشتعلة، ما تسبب بحروق بسيطة لراكان، نقل إثرها إلى مستشفى السلمانية الطبي.
وزاد أنه بعد وصول الدوريات الأمنية رفض أحمد نقله إلى المستشفى كي لا يقلق والداه عليه، إلا أنه لم يكن يعلم بحجم إصابته، كون الحروق وصلت إلى الدرجة الثالثة ما تسبب بفقدانه الإحساس بالألم.
وقال: إنه حاول عبثاً البحث عن الملثمين بعد نقل أحمد إلى المستشفى، الذين فروا واختبؤوا بين المنازل بعد ارتكاب جريمتهم، مضيفاً “هم لا يستهدفون العسكريين، فكل مواطن مسالم هدف لسهامهم الغادرة”.
البحرينيون ظهروا بالأمس كما عرفناهم سالفاً عن سالف، يداً بيد وقلباً على قلب، يضحكون معاً ويبكون سوية، تجمعهم الأفراح وتزيدهم الأتراح تلاحماً وألفة، يذرفون الدموع على عزيز رحل ويرمقون بأمل إشراق غدٍ قريبٍ لا محالة.