الـــــوضع المـرتبك بالمنطقة شجع إيران على التمدد عسكرياً وسياسياً وإعلامياً
كتب - حسن الستري:
أكد وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، أن إيران تغذي التطرف المذهبي بمنطقة الخليج باعتباره أكبر خطر يهدد أمنها، مشيراً إلى وجود منظمات حقوقية تسعى لتشويه الحقائق بدعوى حقوق الإنسان.
وقال لدى مشاركته بافتتاح مؤتمر أمن الخليج العربي “الحقائق الإقليمية والاهتمامات عبر الإقاليم”، إن الوزارة تعد دراسة لمقترح الشرطة الخليجية الذي قدمته البحرين لعرضه على الاجتماع الوزاري المقبل لدول مجلس التعاون.
وفي تعليقه على حادثة استشهاد أحمد الظفيري أضاف “الشهيد شهيد البحرين، ويعز علينا أن نفقد شاباً في مقتبل العمر ليكون ضحية عمل إرهابي جبان، ونحن نأمل القبض على الجناة بأقرب فرصة لتقديمهم للعدالة”.
ورد وزير الداخلية على ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي حول غياب الرواية الرسمية للحادثة “تحرياتنا قائمة منذ اليوم الأول للحادث، ولا يمكننا إعلانها دون استكمالها”.
وبين الوزير أن تماسك الدولة وامتصاص حجم الفوضى واحتواء الأزمة وضع حداً للخسائر البشرية والمادية بعد أن كان وقوعها ممكناً إبّان الأحداث المؤسفة، معتبراً ذلك موقفاً يحسب لقائد الوطن.
وخاطب عاهل البلاد المفدى “ما كنا لنصل إلى هذا الوضع والخروج من نفق الفوضى والتخريب لولا ثبات قيادتكم، وهو موقف لا يقفه إلا من هو صافي الذمة والسريرة ومن يبصر بعين اليقين ساعة المحنة، فكان أن أقمتم ميزان العدل والإنصاف من مقام القدرة والحكمة، واحتكمتم إلى القانون لإنصاف الموقف، وهذه العدالة شجاعة نابعة من محبتكم وأبوتكم للجميع في هذا الوطن، حفظتم البلاد من الانجراف إلى هاوية المجهول، ومهما قيل من كلمات الشكر والثناء فإنها لا توفيكم حقكم، وما جلالتكم جدير به وأهل له، و في الأخير لا نملك إلا أن نقول وبكل الفخر والاعتزاز شكراً سيدي”.
وذكر أن السلام والاستقرار الذي تنشده شعوب المنطقة في ظل ظروف متغيرة وأحداث متتالية استهدفت أهم ركن من أركان التطور والنمو، وهو ركن الاستقرار الأمني الذي يشكل عماد الحياة ومظلة النهوض، مشيراً إلى أن المؤتمر يناقش قضايا حيوية تتعلق بأمن الخليج وكافة التطورات الإقليمية والدولية ذات العلاقة.
وأضاف وزير الداخلية “أصبح أمن الخليج محلاً للاهتمامات الدولية منذ أن غدا النفط والغاز مصدران الطاقة الرئيسة، وعماد النمو الاقتصادي والحضارة الحديثة، بسبب امتلاك منطقة الخليج نحو ثلثي الاحتياط العالمي من النفط وربع الاحتياط العالمي من الغاز، وانطلاقاً من هذه الأهمية أصبح أمن منطقة الخليج يعني أمن الطاقة العالمي، وتحول ليصبح مكوناً رئيساً في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وهو ما تجسد في حرص الولايات المتحدة الأمريكية على عدم وقوع هذه المنطقة تحت سيطرة أي جهة سواء كانت قوة دولية أو إقليمية، وحرصها على احتواء تفاعلات القوى الإقليمية كأحداث الحرب الإيرانية العراقية في عقد الثمانينيات، وما تلاها من أحداث حرب الخليج الثانية في بداية عقد التسعينات، حيث اكتسب أمن منطقة الخليج بعداً جديداً بالوجود المباشر للقوات الأمريكية في المنطقة، ثم قيادة الولايات المتحدة في الألفية الجديدة للحرب ضد الإرهاب”.
وأردف “فضلاً عن الخسائر المالية التي تكبدتها دول الخليج في حروب وصراعات هذه الفترة وجاوزت 47 مليار دولار كمساعدات للعراق في حربها ضد إيران، و65 ملياراً في حرب الخليج الثانية، فإن تصنيف منطقة الخليج كمنطقة عدم استقرار بسبب تلك الحروب والصراعات أبعدها عن خريطة تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، ومن ثم التكنولوجيا الحديثة، فكان ما يتدفق لها أقل من 3% سنوياً مما يتدفق عالمياً، وإضافة إلى هذه الخسائر المادية خسرت المنطقة حياة مئات الآلاف من البشر، كما أشعلت هذه الحروب والصراعات عداوات بين أبناء الدين الواحد، وأدت إلى تفكك اجتماعي وتغذية الانقسام الطائفي، بل وأشعلت العداء بين أبناء الوطن الواحد عربي وكردي سُني وشيعي، وأبناء المنطقة الواحدة عربي وفارسي، وأوجدت خللاً في موازين القوى الإقليمية، وأدت إلى ظهور نوازع الهيمنة والتوسع والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربية”.
وأضاف “يأتي انعقاد هذا المؤتمر في وقت اكتسب فيه أمن منطقة الخليج أبعاداً جديدة بسبب تعدد مصادر التهديد الأمني، كما تشهد الأوضاع الإقليمية عدم استقرار في بعض الأنظمة وتغيرات تمثلت في صعود تيارات وقوى وتعثر تيارات وقوى أخرى، وهذا الوضع المرتبك شجع إيران على التمدد إقليمياً عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، وهذه التغييرات تلقي بظلال من التساؤل حول مدى جدية الحليف الأمريكي في تحقيق أمن منطقة الخليج، خاصة بعد أحداث الأزمة المالية العالمية 2008 وانشغال الإدارة الأمريكية بقضايا الاقتصاد الداخلي، وبعد تبنيها سياسات تخفيف الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، وإعطاء أولوية استراتيجية لمنطقة الشرق الأقصى ومنطقة الباسفيك”.
ونبّه إلى أن أكبر المخاطر الداخلية التي تهدد الأمن الخليجي أساسها التطرف المذهبي، وهو أمر تعمل إيران على تغذيته مع الأسف، وكلها سياسات تصب في جانب التفرقة والتفتيت، وفي الوقت الذي أحمد فيه المولي بأننا نعيش في بلد تمسك حكمه بترسيخ قيم الدين والتقوى، “إلا أننا نراقب بكل عناية ما يمكن أن يترتب على الأمن الخليجي من تنامي ظاهرة التطرف الديني الذي قام على تديين السياسة والحياة العامة ومحاولات استغلال الدين وتفسيراته لأغراض سياسية، وهذه الظاهرة أساءت إلى الصورة الذهنية للإسلام والمسلمين وجعلت الكثيرين يقرنونه بالإرهاب، ما يباعد بين المجتمعات الإسلامية وإقامة الدولة العصرية، دولة التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الأطياف والأديان”.
وأردف الوزير “إذا كان الإحساس بخطورة هذا الوضع والمصير المشترك دفع دول مجلس التعاون للاستجابة إلى طلب البحرين باستدعاء قوات درع الجزيرة تحسباً لأي تهديد خارجي، ووضعت أمام المجلس مسؤولية تاريخية لا تتحقق بغير وحدة أعضائه، في وقت أصبح النظام الإقليمي العربي يفتقر إلى الوحدة والتماسك، وبات الكيان العروبي مهدداً بالذوبان في نظام إقليمي مغاير وبدورها فإن المشاكل الحدودية العالقة بين دول المنطقة تشكل على الدوام قلقاً مستمراً وحالة ربما تفضي لمزيد من التوتر والنزاع إذا لم تُحل بالطرق السلمية، فمشكلة الجزر الإماراتية الثلاث لم تعد قضية حدود وإنما هي قضية أرض عربية محتلة، ونقف جميعاً إلى جانب الإمارات من أجل استعادتها بالوسائل المتاحة في إطار القانون الدولي”. واستطرد “عند الحديث عن أمن الخليج لا بد من الوقوف على دور الإعلام، إذْ لم يعد خافياً على أحد أن هناك جزءاً من الآلة الإعلامية الإقليمية والدولية بدأ يستهدف دول مجلس التعاون من خلال حملات إعلامية تبثها بعض أجهزة الإعلام التي تقدم تقارير منحازة مغايرة للحقيقة، وتستقي معلوماتها من مصادر تحرص على تقديم رؤيتها البعيدة عن الموضوعية، ما يجعل الحاجة ماسة لوقف التطرف الإعلامي الذي يشجع على الفوضى والانفلات الأمني، وبث الأفكار الهدامة”.
وقال إن “هذا يتطلب أولاً تبني موقف جماعي لا يقتصر فقط على رد الاتهامات، بل ويقدم رسالة إعلامية شاملة قادرة على التأثير لإظهار الحقيقة، ويتطلب ثانياً من وسائل الإعلام العربية مراعاة انتمائها القومي وتوخي الحرص فيما تقدمه من رسالة إعلامية قد تضر بأمن دول المنطقة وبالأمن القومي العربي عموماً، ويدخل في نطاق الاستهداف أيضاً الدور الذي تمارسه بعض المنظمات الحقوقية الساعية إلى تشويه الإنجاز الذي تحقق في مجال التنمية والإصلاح تحت دعاوى حقوق الإنسان، حيث دأبت على تدريب عدد من أبناء المنطقة على مقاومة الدولة وتغيير الأنظمة بصرف النظر عن النتائج والخسائر، وشاهدنا هذه المنظمات وهي تخرج عن دورها الفعلي في حماية حقوق الإنسان وحرياته لتلعب دوراً سياسياً للتأثير على استقرار الوضع”.
وأوضح أنه ثبت بالتجربة أن بعض المنظمات التي تدعي أنها معنية بحقوق الإنسان تمارس سياسة الكيل بمكيالين، وتتعمد استهداف دول الخليج التي تحترم حقوق مواطنيها، بينما هي تتغاضى عن انتهاكات حقيقية لحقوق الإنسان في دول أخرى، متسائلاً “أين هذه المنظمات من حماية حقوق الإنسان الفلسطيني؟ أين هذه المنظمات من حماية القيم الإنسانية مثل حماية الأخلاق والآداب العامة وصون المجتمعات من التعصب والكذب والإقصاء وما سواه؟”.
وقال “إن الحديث عن الوضع الأمني الذي مر على البحرين بالنسبة لي ليس موضوع محاضرة أو دروس مستفادة، بل إنها كانت فترة دقيقة وصعبة و مسؤولية أمنية ووطنية، والحديث عنها أشبه بسؤال المصاب عن ألمه، وسيأتي يوم نتحدث فيه عن هذا الأمر، ولكن من كان على هذه الأرض خلال فترة الاضطرابات الأمنية لا بد أنه أدرك تماماً خطورة الوضع العام، وكيف تأزمت مشاعر الطائفية بين المواطنين؟ ووصلت إلى درجة القتل، وكان الموقف ينذر بدخول البلاد إلى منعطف الصدامات الأهلية لا محالة. وعندما أقول صدامات أهلية في مثل أوضاعنا الديموغرافية فإنكم تدركون مدى حجم الخسارة الوطنية في مثل هذه الظروف، والأمثلة على هذا الأمر في وطننا العربي ليست بخافية”.
وتساءل “هل آثار الحروب والنزاعات التي شهدتها المنطقة ما زالت قائمة ومؤثرة؟ وهل تمت دراسة الأسباب التي أدت إليها أو الظروف المرشحة لاندلاعها مرة أخرى؟ ما مدى تأثير الملف النووي الإيراني وتداعياته على استقرار المنطقة؟ وما علاقة سياسية الفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد بالاستقرار في المنطقة؟ هل يكون القصد النهائي من الشحن الطائفي والمذهبي هو ضرب الإسلام من الداخل؟ هل هناك علاقة بين أحداث سبتمبر وأحداث الربيع العربي؟ هل من المفروض أن تنهار الدولة من أجل التغير؟ ما مدى تعارض نهج العنف وسقوط القتلى والجرحى مع مبادئ حقوق الإنسان؟ ما هي حقيقة العلاقة التي تربط المنظمات الحقوقية بالدول التي تنتمي إليها؟”. وختم كلمته بالقول “كانت معالم خارطة العمليات بالنسبة لي أثناء خدمتي العسكرية واضحة الحدود والألوان، خاصة اللون الأزرق والأحمر، أما في الخارطة الأمنية اليوم فإن الحدود مشتركة ولا يوجد أمامي إلا لون واحد وهو اللون الأزرق وعندما تنتهي مهمتنا الأمنية، لا يعلن نصر بل يستخدم اصطلاح الأمن مستتب، ونستعد لمهمة أخرى، وهنا أؤكد أن استتباب الموقف الأمني يتطلب الوصول إلى حالة التعافي والشفاء التام، وتشمل هذه المرحلة قرارات مهمة على مستوى الوطن، فالدولة مسؤولة في نهاية الأمر عن صيانة أمنها، ولكن هذا يتطلب أيضاً رغبة الجميع في تحقيق الاستقرار الوطني، وأهم ركائز نجاح هذه المرحلة هو التضحية بالتطرف لصالح الوطنية”.