الدولــة قصّـــرت في الدفـــاع عــن نفسهـــا إعلاميـاً بالحـــرب المغرضـــة

قالت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام سميرة رجب إن من حقّ الدولة أن تحمي نفسها من شبكات الإعلام والاتصال الداخلية والخارجية التي لا تحترم القوانين أو تمثّل خطراً على أمنها الوطني. وجميع الدول الغربية والديمقراطية التي تنادي باحترام حرية الرأي والتعبير وتجعل من هذا المبدأ رسالتها العليا وإحدى رهانات تعاملاتها مع الدول النامية، تضع القيود الإعلامية اللازمة للدفاع عن أراضيها وأمنها القومي.

وأوضحت سميرة رجب، في كلمة ألقتها خلال مؤتمر “أمن الخليج العربي، الحقائق الإقليمية والاهتمامات الدولية عبر الأقاليم” الذي نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة صباح أمس، إن الأحداث المؤسفة التي عاشتها مملكة البحرين في الفترة السابقة، لوحظ فيها قوّة الاستخدام السيئ للحق في استخدام المعلومة وبصورة عامة وسائل الإعلام والاتصال من قبل مجموعات معيّنة تعرّف نفسها بأنها من المدافعة عن حرية الرأي والتعبير. وتساءلت “هل فكّرت هذه المجموعات للحظة ما بأن للدولة أيضاً الحق في التعبير عن رأيها والردّ على المعلومات المغلوطة والافتراءات البغيضة، أين حقّ الدولة في حماية نفسها من خطر سلاح تدفق المعلومات المغلوطة والافتراءات الباطلة؟”.

وأضافت أن ما شهدته المملكة في هذه الفترة الحزينة من تاريخها، لا يعدو أن يكون سوى حرباً إعلامية واتصالية ذكية استخدمت فيها جميع أدبيات الكذب والافتراء، ومورست بأساليب محترفة وبدعم لوجستي من الوزن الثقيل. وبما أن الثورة الرقمية الجديدة تعتمد على الصورة في الإقناع، فقد وقع استخدام مسارح تمثيل وإنتاج متعدّدة، أضيفت إليها لمسات إخراج ألفريدية وإتشكوكية للتأثير وإقناع العالم بالتعدّي الصارخ على حقوق المواطنين وقمعهم، إلاّ أن صور رجال الشرطة المصابين والضرر الجسدي الذي لحقهم من جراء قنابل “المولوتوف” و«السيلندر” محلي الصنع، رغم ضبطهم للنفس واتباعهم لقواعد السلوك الأمني، قد أسقط الستار على هذه المسرحيات الزائفة، كما إن التهويل في عدد الضحايا خلال الأحداث، كان من بين الاستراتيجيات الإعلامية الناجحة التي وقع اعتمادها، فقد أضيف إلى قائمة الضحايا من مات بالسكلر (وهو مرض وراثي كثير الانتشار في المملكة) ومن مات موتة طبيعية، ومن مات في حوادث المرور والغرق وغيرها، وكأن للحكومة دوراً في إرغام زواج الأقارب أو مسؤولية في قدر الله”.

وتابعت “كان لعدم الدقّة في نشر الأخبار والمعلومات النصيب الأكبر في هذه الحرب الإعلامية الموجهة، والأغرب في هذا الأمر أن الصحيفة التي ثبتت إدانتها في هذا الاتجاه من قبل المحكمة، كرمتها هيئات صحافية دولية، ممّا يطرح أكثر من سؤال حول القيم الجديدة التي أفرزها عالم الفوضى الجديد والدور الجديد الذي تلعبه هذه المنظمات والهيئات الدولية. أما نصيب الأسد، في هذه الحرب الإعلامية الخاسرة، فقد جاء عبر القنوات الفضائية الطائفية التي نسيت تغطية الأحداث الداخلية المزرية لشعوبها، واتجهت للبحرين فحوّلت الطبيب إلى مراسل حصري لقناتها، والمواطن البسيط المغلوب على أمره إلى شاهد عيان لأحداث لم يرها ولم يعلم عنها. واستطاعت فبركة الأحداث باحترافية كبيرة، لتشوّه صورة بلادنا التي كانت من أجمل الصور قبل الأحداث”.

وبينت أن شبكات التواصل الاجتماعي عملت في فترة الأزمة، وعلى رأسها “تويتر” و«فيس بوك” و«يوتيوب”، بكامل طاقاتها، وسرّبت المعلومات المسمومة والأفكار المغلوطة والصور المزيفة والافتراءات الباطلة، لتكون أشبه ما يكون باستعراض لأفعى سامة ترقص وتعضّ من كل صوب وفي جميع الاتجاهات، بدون أن تعرف ضالتها، كما كانت مسرحاً لقذف وسبّ الأشخاص وهتك أعراضهم، والمسّ من رموز الدولة، وهي جريمة يعاقب عليها القانون في جميع دول العالم بما في ذلك الدول الأكثر ديمقراطية. فيكفي أن نشير إلى أن المادة (26) من قانون الصحافة الفرنسي تجرّم أي وسيلة إعلام مهما كان نوعها تتسبب في قذف رئيس الجمهورية، باعتباره رمزاً للدولة.

وذكرت أن الاستخدام الموجه لشبكات التواصل الاجتماعي في تلك الفترة، لم يكن عفوياً، بل وقع استخدامه كإحدى وسائل الاتصال الإلكترونية، ضمن حرب إعلامية ونفسية موجهة من أطراف خارجية، ما أرادوا الخير يوما لهذه الأرض. استخدام هذه الشبكات الاجتماعية جاء ليُكمل مجموع الأسلحة المختلفة التي وقع استخدامها لتشويه صورة هذا البلد الجميل وصورة شعبه الطيب المسالم. مشيرة إلى أن المعلومة طغت على القانون، وفُهم التسامح على أنه ضعف والصبر على أنه فشل، في حين لو وقع المساس بذرة من الدولة في أعرق الديمقراطيات، لطبّقت القوانين بحذافيرها ولاستخدمت أبشع الوسائل في مواجهته، والأمثلة عديدة على ذلك.

وأقرت رجب بأن الدولة قصّرت في تلك الفترة في الدفاع عن نفسها إعلامياً سواء حصل ذلك بصورة عفوية أو غير عفوية، وكان عليها اعتماد استراتيجية إعلامية واتصالية أكثر فاعلية لمجابهة الحرب المغرضة التي تعرّضت لها، وهذا أبسط حقوقها حسب الأعراف والمواثيق الدولية. وبعد أن عدت بعض الأمثلة للتعامل الشديد من قبل الدول الغربية المنادية بالديمقراطية مع ناشري أخبار إعلامية كاذبة تهدد وحدتها وأمنها، تساءلت “كيف لا يمكن لبلدي البحرين أن لا يتخّذ الإجراءات الصارمة أمام صانعي الأكاذيب والافتراءات، وأن لا يقدّم الجزاءات اللازمة لحماية الوطن من وسائل الإعلام والاتصال المغرضة التي لا تتوارى عن بثّ سمومها وتزيد من الفرقة بين أبناء الشعب الواحد. هل أن الفوضى العالمية الجديدة أفرزت استراتيجيات جديدة ودعّمت سياسة المكيالين؟، هل أن حقّ الدولة في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأمن القومي حكر لدولة دون دولة أخرى، وأخيراً ألاَ يمكن التفكير فعليّاً في الدعوة إلى الأمن الإعلامي للدول على غرار الأمن الغذائي والأمن العسكري؟، نحن اليوم أمام إشكاليات جديدة مرتبطة بمفهوم الدولة وصلاحياتها في الداخل والخارج. هذه الإشكاليات أصبحت أكثر تعقيداً مع تصاعد الجدل القائم بين المدافعين عن حرية الرأي والتعبير من خلال استخدام وسائل الإعلام والاتصال، وبين المدافعين عن حقّ الدولة في الدفاع عن أمنها القومي وأمن مواطنيها. يبدو لي أن التوجه الأمثل في التعامل مع هذه الإشكاليات الجديدة يجب أن يكون ضمن فلسفة جديدة منفتحة تدعو إلى احترام وضمان حرية الرأي والتعبير، ولكنها لا تتهاون في نفس الوقت، في فرض سيادة قانون الدولة والحفاظ على أمنها الإعلامي”.

وذكرت أن المعلومة تعتبر البعد الاستراتيجي لأي نظام يتأثر عمله وتوازنه سلباً أو إيجاباً بتفاعل العوامل الداخلية والخارجية المكونة له، والذي تلعب فيه المعلومة الجزء الرئيسي. بمعنى أن أي إخلال في سير المعلومة، وبأية طريقة كانت، يؤثر سلباً أو إيجاباً في عمل النظام. وتابعت “لا يمكن في الوقت الراهن لأي بلد مهما كان حجمه العسكري أو السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، أن يغفل عن الدور المحوري الذي تلعبه وسائل الإعلام والاتصال داخل المجتمع أو في تفاعله مع المجتمعات والدول الأخرى. ويرى البعض أن الثورة الحقيقية التي تقودها التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، أحياناً بشيء من المغالاة، تمثّل في واقع الأمر عملية احتلال المعلومات لصدارة القوانين والقيم المنظمة لحياة الفرد والمجتمع. فالتطور التقني إنما يجري على نحو يمنح المعلومات مركزية إنتاج النفوذ وإدارة العالم، أمام هذه الفوضى الجديدة وتناقضاتها، تعدّدت التساؤلات والأهم من ذلك هل يجب على الدول أن تتحدث اليوم بكل قوّة على أمنها الإعلامي بنفس قدر أمنها العسكري؟.

وأردفت “يتفق معظم الباحثين في العلوم السياسية والعلوم العسكرية وعلوم الإعلام والاتصال في أن المعلومة هي الرصاصة الأولى التي يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة، أو المسكّن الأول الذي يمكن أن يساهم في توقيع معاهدة سلام دائمة. نعيش اليوم مع نوع جديد من الأسلحة، مع نوع جديد من النفوذ اللامادي ولكنه في بعض الأحيان أفتك من النفوذ المادي، لأن استخدام الأسلحة المادية يمكن تقنينها بسهولة، لكن استخدام سلاح المعلومة، أصبح يصعب تقنينه، وحتّى إن قُنّن، فيمكن أن يتحوّل بكل سهولة إلى حصان طروادة لمنظمات حقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن حرية الرأي والتعبير”.