تحقيق ـ حسين التتان:
رفض أحد العطارين من كبار السن حتى أن يبوح باسمه خوفاً من مساءلة وزارة الصحة له. هذا العطار أبرز لنا ورقة رسمية من وزارة الصحة يقول عنها، إن فحواها ينص على ألا يحق للعطار التصريح لوسائل الإعلام، كما إنه لا يجوز له أن يقوم بخلط الأعشاب لصنع أدوية للمرضى، فذلك ليس من اختصاصه.
حين أخذت من يده الورقة الرسمية التي أصدرتها وزارة الصحة تحت مسمى (إجراءات ترخيص نشاط الحواج والعطار) لم أجد فيها ما يشير إلى عدم جواز التصريح لوسائل الإعلام، لكنه أصر على ذلك.
هناك فعلاً ما يشير إلى منع العطار من الادعاء بوجود فوائد طبية أو علاجية للأعشاب أو التطبيب، لكن ما من إشارة إلى منع التصريح للإعلام.
ولم نجبر هذا العطار على الحديث معنا، وذلك ما شجعنا على الرجوع مجدداً للعطار الشاب عبدالله المخلوق لمعرفة بقية التفاصيل.
لا يخلو من الزبائن
عائشة القصاب (31) عاماً والتي تحدثت لنا من قبل عن إيمانها بالتداوي بالأعشاب، ها هي اليوم تشكو من آلام حادة أسفل قدميها، وجاءت إلى المخلوق باحثة عن دواء، فسألها إن كانت عرضتْ مشكلتها على الطبيب، فأجابت بالنفي، فنصحها أن تقوم بمراجعة الطبيب أولاً، لكن وبحسب الأعراض كافة التي ذكرتها عائشة، أخبرها المخلوق أن لديه علاج لحالتها، وبالفعل أعطاها الدواء، وكانت فرحة بذلك.
يقول المخلوق: لا يوجد مرض ليس له علاج في الطب الشعبي ومن خلال الأعشاب، فكل مرض له دواء.
يؤكد المخلوق أن جميع الأجناس تأتي إليه ومن كل قطر لأخذ علاجاتهم من الأدوية الشعبية، خصوصاً من البحرين ومن دول الخليج العربي كافة.
دخل الشاب حمد عيسى (35) إلى مركز المخلوق طلباً للشفاء، فانتهزت الفرصة، لأسأله عن مدى إيمانه بالعلاجات عبر الأدوية الشعبية، فأجاب: بالطبع ليست الأعشاب كلها مفيدة، لكن في اعتقادي الشخصي أن 90% منها مفيد للبشر كعلاج، خاصة أدوية الأطفال..
هل يعني ذلك أنك لا تتعالج في المستشفى؟ أجاب: إنني لا أستغني عن الطبيب في المستشفى أبداً، ولا يعني استخدامي الأعشاب أنني أكفر بالعلاج الحديث، لكنني أعتقد أن الأعشاب إذا لم تنفع فإنها لن تضر.
يرى المخلوق أن جميع ما يباع من أعشاب هو أمر غير مألوف، خصوصاً للجاهل بأهميتها ومفعولها، فالدواء المستخلص من الشجر، هو ما تتقيأه الأشجار من جوفها فيخرج بصفة أعشاب تستخدم للعلاج، ومثال على ذلك المرة والمطاط وغيرها من الأشجار التي ترمي ما في جوفها من أعشاب كي نستفيد منها للتداوي.
وجدنا في محل المخلوق وفي بعض المحال التي رفض أصحابها الحديث إلينا أن غالبية الأدوية والأعشاب الشعبية يُؤتى بها من اليمن وإيران والهند والعراق والصومال والمملكة العربية السعودية ومن دول أخرى، بل وحتى من البحرين أيضاً. أما الدول الأوروبية فأنها تصدر بعض المنتجات العشبية الشعبية، وتكون كلها جاهزة ومعلبة، والمخلوق يسافر لانتقاء هذه الأعشاب وشرائها من تلك الدول، وبعضها الآخر يؤتي بها عن طريق المراسلة والشحن.
يفصِّل المخلوق استخدامات الأعشاب قائلاً: أكثر النساء يطلبن الأعشاب التي تتعلق بالحفاظ على النضارة والجمال والرشاقة، والأدوية التي لها علاقة بالتخسيس والمشكلات النسائية. أما الرجال فإنهم يطلبون العلاجات المتعلقة بالضعف الجنسي ومتعلقاته، وكبار السن من الرجال والنساء، يطلبون العلاجات الشعبية المتعلقة بمشكلات التقدم في السن، كأمراض الروماتيزوم والظهر والمفاصل، كما ينتقي المرضى بالأمراض المزمنة كالسكري والضغط والسكلر، فإنهم ينتقون الأدوية الخاصة بأمراضهم. أما أمراض الأطفال فيأتي أولياء أمورهم للحصول على أدوية تتعلق بأمراض صغارهم، كأدوية السعال والمغص والإسهال.
بالطبع ونحن نتحدث مع المخلوق، فالناس لم تنقطع عن دخول المركز، لكن دخل الآن المحامي حمد جاسم الحربي، وبما أننا نعرفه معرفة شخصية، توجهنا إليه بالتحية ثم السؤال عن مقدار إيمانه بالأعشاب، فقال: إن الطب الحديث قائم في الأساس على تراكمات الطب الشعبي وتجاربه، كما نجد أن الكثير من الأدوية الحديثة التي يصفها أطباء المشافي الرسمية، تحتوي على مواد عشبية، والطب الحديث لا يمكنه الاستغناء عن الأعشاب وعن الطب الشعبي، لكنهما اليوم يكملان بعضهما بعضاً.
الصحة تنصح المواطنين
هنا نستعرض بقية ما أكدته وزارة الصحة في معرض ردها على إشكالية العطارين لكي تكتمل الصورة في أذهاننا جميعاً.
السؤال الذي يتقاطع ومهنة العطارين هو: هل هناك أقسام معينة في وزارة الصحة تعالج بالأعشاب؟ وهل تدخل بعض الأعشاب في بعض الأدوية الرسمية التي تحمل ترخيصاً من وزارة الصحة؟
ترد الصيدلانية عفيفة جعفر بدر رئيسة قسم صحة البيئة في الوزارة، وتقول: حالياً لا توجد أقسام معينة في الوزارة تعالج بالأعشاب لكن توجد بعض المراكز الخاصة خارج وزارة الصحة رخصها مكتب التسجيل والتراخيص بهيئة تنظيم المهن الطبية بالوزارة للمعالجة بالطب البديل.
وتضيف: نعم، تدخل بعض الأعشاب في بعض الأدوية الرسمية التي تحمل ترخيصاً من وزارة الصحة مثل بعض أدوية السعال التي تحتوي على الزعتر أو ورق اللبلاب أو أوراق الجوافا وبعض كريمات معالجة البواسير التي تحتوي على الصبار وأدوية علاج الإمساك المحتوية على نبات السنا أوالمغص يحتوي على الهيوسين وطارد للغازات المحتوية على زيوت عطرية مستخلصة من الأعشاب، كما إن شركات الأدوية تستخدم مستخلصات بعض النباتات الطبية في صناعة بعض الأدوية مثل مستخلص الألكلويد كالديجوكسين والأتروبين والأرجوميترين والأرجوتمين، وغيرها التي تدخل في الكثير من الأدوية التي تسجلها إدارة الصيدلة ومراقبة الأدوية وترخصها قبل الاستيراد. أخيراً ومن باب المصلحة العليا التي تتعلق بمهنة العطارين والعلاج الشعبي وعلاقة ذلك بسلامة المواطنين، وجهنا هذا السؤال إلى الصحة: ما نصيحتكم للمواطنين بخصوص استعمال الأدوية الشعبية وشرائها من محال العطارين؟
تجيب الصيدلانية بدر عن هذا التساؤل بتفصيل مهم جداً: إن المواطن الذي يتابع الوسائل الإعلامية المتعددة أو المنشورات الدعائية يجزمُ أنها لا تكاد تخلو من دعايةٍ أو ترويجٍ لمنتجاتٍ مختلفة على أنها أعشاب طبيعية أو مستخلصاتٌ عشبية تستخدم في علاج العديد من الأمراض المختلفة أو في إنقاص الوزن والتخسيس كما هو منتشرٌ مؤخراً، ويدعي من يروجها أنها آمنة ولا تسبب أضراراً جانبية وهذا ما يعزّز انتشارها، ونجد بعض العطارين يعملون خلطات عشبية عشوائية وبيعها بادعاءات طبية لعلاج ضغط الدم والسكر والعقم وتكيس المبايض والضعف الجنسي وغيرها من الأمراض المستعصية.
وبعد شيوع هذا النوع من الدعايةِ عن الخلطات العشبية، سواء المحضرة محلياً عند العطارين أم المستوردة من الخارج فإنه لابد من توجيه المستهلك البسيط وتثقيفه لحمايته من الغش والتدليس والخداع من تلك الإغراءات.
نصائح الصحة
وتطلعنا الصيدلانية بدر على “نصائح وتحذير المواطنين من خلطات العطارين المصنعة محلياً وتلك المنتجات العشبية المستوردة من الخارج” ننشرها ليطلع عليها الجميع:
تحذير من خلطات العطارين المحلية الصنع:
1. يقوم العطارون بتحضير خلطاتهم العشبية بطرق عشوائية غير مدروسة من حيث نسب الأعشاب الموجودة في الخلطة، بسبب جهلهم بالمواد الفعالة وغير الفعالة في العشب مما يجعل تلك الخلطات خطراً على المستهلك.
2. كلمة عشب أو طبيعي لا تعني أنه آمن وليس له أضرار جانبية فالعديد من الأعشاب قد تكون سامة بسبب بنيتها الكيماوية وتسبب آثار جانبية مثل التليف في الكبد أو الفشل الكلوي أو العقم أوالسرطان. 3. جهل العطارين في تحديد مدة صلاحية الخلطة التي تعتمد على معايير كثيرة كدرجة الحرارة والرطوبة وشدة الضوء ونوعية العبوة كلها قد تؤثر على المواد الفعالة في أجزاء النبات. 4. بعض محال العطارة لا تهتم بالتخزين الجيد ولا تغطي الأعشاب مما يجعلها عرضة للغبار والتلوث ويجب حفظ الأعشاب في مكان بارد وجاف.
5. يجب التحقق من نقاوة العشب قبل الشراء بسبب احتواء بعض الأعشاب والنباتات على الشوائب والملوثات الكيميائية مثل المبيدات الحشرية التي ترش على النبات لقتل الآفات ويأتي هذا التحقق من خلال شرائها من المحال الموثوق بها والتأكد من مصادر هذه الأعشاب.
6.العطارون لا يحق لهم عمل أدوية عشبية لأنهم غير مختصين وغير مؤهلين لعمل ذلك وعاجزين عن تقديم دراسات علمية تثبت فعالية ومأمونية أدويتهم أو وصفاتهم العشبية المحضرة في محالهم.
7.جهل العطارين بالحالة الصحية للمستهلك كوجود حساسية لنوع معين من الأعشاب والمضاعفات التي قد تظهر من جراء استخدام تلك الخلطات العشوائية.
8.يلجأ بعض العطارين إلى أسلوب الغش والتضليل بخلط الأعشاب بأدوية صيدلانية وتباع على أنها طبيعية أو بأعشاب أخرى عديمة الفائدة ويكون المريض هو المتضرر الوحيد عندما يستخدم هذه الخلطات.
9. الخلطات العشبية قد تحتوي على مواد تتفاعل مع بعض الأدوية الأخرى التي يستعملها المريض في الوقت نفسه مما يشكل خطراً على صحته.
10. يجب استشارة الطبيب قبل استعمال هذه الأعشاب وسؤال الصيدلي عما إذا كان هناك أي تداخلات دوائية معها لضمان السلامة.
11. لا توجد إلى الآن خلطات عشبية محلية مصرحة من وزارة الصحة وحسب ما ذكر سابقاً يصرح للعطار ببيع الأعشاب الخام فقط.
وزودتنا بدر بتحذيرات وزارة الصحة من الأدوية العشبية المستوردة، وهي:
1. عدم شراء المنتجات أو الأدوية العشبية عن طريق الإنترنت أو التليفزيون أو الوسائل الإعلامية الأخرى لأنها تكون رديئة وغير مرخصة وثبت احتواؤها على مكونات دوائية محظورة ومعادن ثقيلة أو تحتوي على بعض الأعشاب الضارة التي لا يسمح باستخدامها وتصنع هذه المنتجات فقط لغرض التصدير إلى الخارج للتجارة.
2. عدم استعمال أي دواء عشبي بناء على تجارب الآخرين لأن الخلطات العشبية أو الأدوية العشبية تختلف في طرق علاجها من شخص لآخر.
3. الأعشاب الطبية تحتوي على مواد فعالة ومؤثرة كالأدوية قد تتفاعل وتتعارض مع بعض الأدوية الأخرى التي تستعمل في الوقت نفسه.
4. عدم شراء أي منتج أو دواء عشبي إلا بعد التأكد من ترخيصه من الجهات الصحية الرسمية في بلدك، لأنه قد يتم منح المنتج ترخيصاً في بلدان أخرى من دون مراعاة متطلبات الجودة والسلامة المطبقة في المملكة.
5. عدم شراء أي مستحضر عشبي لا يحمل الملصقات البيانية الضرورية باللغتين العربية والإنجليزية مثل مكونات المستحضر وفعاليته ومأمونية استخدامه إضافةً إلى اسم المصنع وعنوانه وبلد المنشأ.
6. لم تثبت مأمونية استخدام الكثير من المستحضرات العشبية وسلامتها حتى الآن، لذلك يجب توخي الحذر واستشارة الطبيب عند استخدامها وخاصة أثناء الحمل والرضاعة أو عند الأطفال والمسنين والأشخاص الذين يعانون من أمراض الكبد والكلى أو قبل إجراء العمليات الجراحية لأنها يمكن أن تغير من تأثير التخدير أو الأدوية الأخرى التي يستوجب استعمالها أثناء العملية الجراحية.
7. الحذر من اتباع أي اقتــراح أو نصـــائح من العطارين أو موردي المنتجات العشبية أو في النشرات المرفقة مع المنتج العشبي بإيقاف استخدام جرعة دواء موصوفة أو تغييرها من دون استشارة الطبيب المعالج.
8. لم يثبت علمياً أن المستحضرات العشبية تمنع أو تقي أو تعالج أو تقضي على الأمراض التي تدعي أنها تعالجها إلا إذا كانت جهات صحية رسمية أقرت هذه الادعاءات.
9. عدم الانسياق وراء الدعايات الإعلانية الوهمية المضللة لبعض المنتجات النباتية والأدوية العشبية حول فعاليتها أومأمونيتها وسلامة استخدامها التي لا تدعمها أدلة موثقة.
10. يجب التوقف فوراً عن استخدام أي منتج عشبي إذا ظهرت عليك أعراض جانبية واستشارة الطبيب والصيدلي بذلك. 11. التعامل بحذر مع الادعاءات التي تذكر أو تنشر دائماً أن العلاج بالأعشاب آمن بكون هذه الاعشاب طبيعية وخالية من المواد الكيماوية المصنعة وليس لها أضرار جانبية ولا تتعارض طبياً مع أي من أدوية الطب الحديث.
12. يجب وضع الأدوية العشبية بعيداً عن متناول الأطفال.
هل يبيعون الأوهام؟
هذه الإشكاليات التي طرحتها وزارة الصحة على?لسان بدر بتحذيرات للمواطنين وللعطارين على حدٍّ سواء، جعلتنا نقف موقف السائل والمحقق.
بماذا تجيب يا عبدالله المخلوق، على استفهامات بعض الذين يعتقدون أن جميع ما تبيعونه هنا، هو مجرد أوهام، والهدف من وراء هذا المعروض كله هو التجارة والكسب لا غير؟
استدار المخلوق غاضباً، ويبدو أن هذا السؤال استفزه بعض الشيء. وقال: بداية نحن لم نجبر أحداً على الشراء من العطارين، ومن يأتينا للشراء يأتي بإرادته وقناعته بأهمية الأعشاب، أما من يدعي أننا نبيع أوهاماً وخرافات، فأنا وغيري من العطارين المحترفين، نطالب هؤلاء للمجيء إلى محالنا لنريهم بضائعنا عن قرب، بل ونطلب منهم أن يجربوها، لنقدم لهم الدليل العلمي على سلامة بضائعنا، إذا كان يدعي هؤلاء أننا نبيع الأوهام للناس لنخدعهم، فماذا يقولون بخصوص ما نبيعه هنا، أنه مرخص من وزارة الصحة، ومصدق رسمياً من الدولة؟ أما التجارة والربح، فهذه أمور مباحة كبقية من يبيع الأدوية في الصيدلية وفي المهن الأخرى كلها التي يرجو أصحابها من خلالها الرزق المشروع. وسألته: هل تتعرضون إلى مضايقات من وزارة الصحة فيما تبيعونه في متاجركم؟
أجاب المخلوق: كلا، نحن لا نتعرض لأية مضايقات من الصحة، بل نحن نؤمن أنهم من أشد المتعاونين معنا، وما الزيارات الدورية التي يقومون بها إلا للتحقق من سلامة الأعشاب وخضوعها للمعايير الخاصة بالسلامة والصحة، وهذا من صلب عملهم ولا اعتراض من جهتنا على ذلك.
غادرنا مركز المخلوق للأعشاب، واستمعنا إلى وزارة الصحة وإلى بعض المواطنين. أما الحكم على صحة تلك الادعاءات من عدمها، فإننا نتركها بين يدي القارئ، ليكون الحكم في هذا الأمر.