“وفجأة فتحت عيني فوجدت الحلم تبخر”.

بهذه الكلمات اختار صديقي بداية حديثه الحميمي معي بمشاعر حزينة بترديد هي قطعة من قلبي، لأنها وطني الأول.

وقد آلمني كثيراً حديثه بعد أن جاءه خبر وأمر بإبعاده وخروجه النهائي من هذا البلد ولا يعرف السبب الرئيس..

يقول صديقي المقرب قصته المؤلمة، هي قصة من القصص الكثيرة التي مرت علي وتحدث لإنسان لم يعطَ حق الكرامة والعيش بأمان واستقرار وراحة بال التي ربما سيجدها في أي بلد غربي هاجر إليه، فما بالك بمن ولد ولم ينل شرف جنسية هذا البلد؟

يقول: ألست مواطناً في هذا البلد؟ لكن أنا مولود في هذا البلد ودرست وشاركت بجد باسم الوطن في كثير من المشاريع الناجحة في تنمية هذا البلد وفي المحافل الدولية، فكيف أبعد بهذه الطريقة، أنا وعائلتي ولم أرتكب ذنباً من وجهت نظري؟ يقول جاء والدي إلى تلك البلد وعمره سبع سنوات إضافة إلى عمره الآن 60 سنة يعني والدي لم يغادر تلك البلد منذ 53 ، وقد توفي جدي وجدتي من يوم وطأت أقدامهم أرضها وها أنا قد تعديت الثلاثين بقليل وقد ولدت ونشأت وترعرعت ودرست حتى المرحلة الثانوية، ومنذ نعومة أظفاري وأنا أحفظ وأردد في مدرستي كل أناشيد وأهازيج الوطن، فعلاقتي بالوطن هي علاقة الروح بالجسد حتى جاء زمن أبنائي ولم نجد لي ولهم للوطن والانتماء شيء..

لا اعرف بلدي الأصلي، أصحابي أصدقائي كلهم يحملون الجنسية تزوجت منهم وفيهم لم أسافر إلى بلدي الأصلية البتة وقد قدمت لطلب الجنسية مراراً وتكراراً ولم أحصل عليها، وأبي قبل ذلك قدم ولم يعطَ حتى استثناءات ليعيش في بلد أعطاه جل عمره.

وأعتبر نفسي جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي لهذا الوطن، وأحمل ثقافة وعاداته وتقاليده وأتحدث لغته ولهجته وأن ما يربطني بهذا الوطن أكثر وأوثق مما يربطني ببلدي الأصلي الذي منه جاء آبائي وأجدادي، أعيش في هذا الوطن وأتشرف بالانتماء إليه وخدمته بكل ما أملك.

أقول تعليقاً؛ لو كان في بلد غربي فمن المسلمات والبديهيات التي لا يناقشها العقلاء أن يحمل صديقي جنسية هذا البلد فكيف الآن وهو يبعد على منكبيه من بلده التي حلم يوماً أنها بلده.

أكرر قناعتي التامة بأن المقيم الذي ولد على تراب هذا الوطن وتشرب محبته وتطبع بعاداته وتقاليده لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتساوى مع المقيم الوافد الذي جاء قبل شهرين أو سنتين طلباً للرزق قبل أن يغادر عائداً إلى وطنه، فللأخير وطن يعود إليه أما الأول فلا يعرف وطناً غير هذا الوطن الذي ترعرع عليه وامتدت جذوره في أعماق تربته وأصبح ينطق بلسان أهله..

صالح الريمي