نشرت مواقع عراقية على “الفيس بوك” المقال الذي نشرته لي صحيفة “الوطن” البحرينية بعنوان: “نعم.. التاريخ يعيد نفسه”، وتلقيت سيلاً من الشتائم وقليلاً من المديح بسببه.

الشاتمون تلقوا المعلومات التاريخية التي وردت في المقال وفقاً لثقافتهم وما تربوا عليه من أفكار في بيئاتهم من دون أن يحاكموها ليعرفوا خطأها من صوابها، وقد أشفقت على ما طرحوه من كلام ضحل، فأنت إذ تتحدث عن أحداث تاريخية مرت وانقضت وتقارنها بأحداث وقعت قريباً لتعطي للقارئ معلومة مثيرة لا تكلف فيها ولا مبالغة، مثلما قارن المقال بين الاحتلال التتري المغولي لبغداد والاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق، يشتمك بعضهم ويصفك بأنك قومي صدامي بعثي وتكفيري قاعدي.
ويقول لك بعضهم الآخر إن المغول والتتار خلصوا العراقيين من الطاغية المستعصم بالله والأمريكان خلصوا العراقيين من الطاغية صدام حسين، وإن الغزو الأمريكي أكثر رحمة من الغزو البعثي الصدامي الذي كان يحتل العراق.
المقال طبعاً لم ترد فيه تسميات من مثل القومية والعروبة وصدام والبعث ولا حتى كلمة حزب، لكن هؤلاء الأخوة لووا عنق المقال لياً ليقولوا ما قالوه تنفيساً عن عقد يعانون منها أو جرياً وراء بيئة تربوا فيها رددت في آذانهم هذا الكلام بكرة وأصيلاً، وأنت ستشم من كلامهم رائحة الطائفية العفنة، والمطلوب أن تجيب عما قالوه لعلك فيما ستقول ستشعل شمعة ولو صغيرة في الدياجي والظلمات التي يعيش فيها هؤلاء الذين استبد بهم الفرح لمأساة وطن ومحنة أمة يفترض أنهم من أبنائها.
جواباً على ما ورد في كلام هؤلاء اكتفيت بالقول في الموقع نفسه الذي نشروا فيه كلامهم : إني (أشكر جميع الأخوة المتداخلين من مدحني منهم وهو قليل ومن شتمني واستهزأ بما كتبت وهو كثير، وإذا طبقنا مبادئ “ديمقراطيتهم” فإن الفائزين سيكونون هم الشاتمون.. ومع ذلك فإني لم أدع بأني كتبت هذا من عندياتي بل هو تاريخ مكتوب وهو ملك مشاع للناس كلهم ومقارنة موجودة لم أدّع بأني واضعها ولم أدع بأني صنعت هذا التاريخ.. ومع أن اسم البعث كحزب لم يرد في الموضوع فقد رأى بعض المتداخلين أن يشتم هذا الحزب حسب صيحة “موضة” هذه الأيام، وإني لا ألوم أحداً على ما طرح فلكل أفق ثقافي يتحكم فيه، ولكل بيئته التي صنعته ولكل أخلاقه وفكره.. فلو أن الذي كتب ما كتب سيراجع كتابته بعد حين فسيشفق على نفسه أنه تحدث عن عمان في حين كان الكلام المطروح عن عُمان مثلاً.. أكرر شكري وأعلن فرحي بكم جميعاً فلا بد للحوار أن ينقي النفوس ويرفع المستوى الثقافي ولو بعد حين).
ما أريد أن أصل إليه هو أن الإنسان ينطلق من الأرضية الثقافية التي نشأ عليها ويناقش الأمور المعروضة أمامه، وهو يتصور أن الحق معه بالمطلق والباطل المطلق مع الآخر، في حين أن جميع ما في الحياة نسبي، وأن هذا الشخص نفسه إذا زاد مخزونه الفكري والمعلوماتي سيضحك على نفسه يوماً لأنه كان يؤمن إيماناً مطلقاً بشيء وسب الناس وشتمهم دفاعاً عن ذلك الشيء الذي سيكتشف أنه لا يمتلك نصيباً من صحة أو قبول أو صواب، وأن السب والشتيمة سلاح الضحلين الضعاف، وأن الزمن يسير ولكنه بسيره يؤدب أبناءه.