قال: أصبحت أخشى أن يأتي يوم الجمعة فيصبح يومي مستنفراً وحالي “مذهلاً” فلكم أحببت هذا اليوم طفلاً وطالباً وموظفاً وكنت أنتظره بفارغ الصبر ليكون موقعاً منذ الفجر على ترتيل الآي الكريم بصوت أبي ومن قبله صوت جدي رحمه الله، ولكني أصبحت هذه الأيام أخشاه وأرتعب منه!!
قلت: كيف تقول مثل هذا القول ويوم الجمعة هو يوم الإجازة والراحة والعائلة، كما إنه قبل ذلك يوم للتعبد والتقرب إلى الله بامتياز؟
قال: كان ذلك قبل أن يتم اختطاف يوم الجمعة من خارطة الأسبوع، ليتحول عند البعض إلى يوم للفوضى والصراخ والتهديد والوعيد وإيذاء الناس وقطع الطريق ومنع عابري السبيل من الوصول إلى مبتغاهم. وأقول مثل ذلك في سائر الأعمال التي تهم الناس وحياتهم ومعاشهم، فما الذي بقي من الجمعة ومن يوم الجمعة؟ ماذا بقي من السكينة والروح وطمأنينة النفس الراضية المرضية؟ فلا أحد يشعر اليوم بما يشعر به المواطن البسيط من حالة اختناق بسبب اختطاف يوم الجمعة من بعض السياسيين ومن بعض المحسوبين على الدين. فلا أحد منهم يبدو مهتماً براحة المواطن وحقوقه في الحياة الطبيعية: في الأمن والأمان والسكينة والاستمتاع بيوم راحته الأسبوعية، اليوم الذي يفترض به أن يكون يوماً للعائلة ولاستمتاع الأبناء والبنات بالراحة واستنشاق الهواء الطلق، فلا أحد يتفاعل مع هذه المعاناة الخانقة التي يعاني منها جمهور واسع من المواطنين.
قلت: أما بشأن من اختطف يوم الجمعة فتلك قصة طويلة لا أمتلك الجواب عليها، ولكن عندما تجيبني أنت عن سؤال آخر أهم وهو: من اختطف الجامع؟ ومن جيره لخدمة الأجندات السياسية والطائفية؟ سوف أجيبك عن سؤالك: من اختطف يوم الجمعة.
وعندما تجيبني عن سؤال آخر أكثر أهمية وهو: من حول الدّين إلى أيديولوجيا، ومن حوّل هذه الأيديولوجيا إلى برنامج للطائفية الجديدة، حينها سوف نجد معاً الجواب عن سؤالك. بل قد تجد الجواب عنه بنفسك دون الحاجة إلى توضيح.
قال: قد تكون المشكلة في الخطاب الديني – الطائفي الذي اختطف الدين بسماحته وتسامحه وإنسانيته وحوّله إلى أداة لبث الكراهية والتحريض على العنف مع أننا جميعاً من المسلمين ونعيش تحت مظلة الإسلام برحمته وسعة أفقه وإنسانيته؟
قلت: أعتقد أن المشكلة بالفعل هي في هذا الخطاب الذي ينهض على التكفير والتغيير بالقوة وقداسة رجال الدين الذين يخرجون عن سياق المواطنة إلى سياق القداسة الخارقة، فلا أحد يرد لهم كلاما أو فعلا، ولذلك نجدهم في كل خطبة يتحدثون عن “الأخذ على يد الظالمين” بإخراج الدين من فضاء الرحمة والمحبة وإصلاح النفس والتضامن بين البشر، إلى فضاء القتال والكراهية المؤسسة في بعض الأحيان على أسس طائفية، وتفسير نصوص الدين لصالح الخطاب بما يمنح هؤلاء الذي استولوا على عقول الشباب حق التهجم على المخالفين لهم في الرأي من المسلمين، لتحويل مساحة التسامح الواسعة إلى غرفة لغسيل الأدمغة واستباحة الحرام والتعدي على الحريات وقطع الطريق وحرمان الناس من حقهم في تنفس الحياة والسكينة والتسبب في الأذى وحمل الناس بعضهم على بعض، وإن المقلِّب لصفحات تاريخنا يصيبه الفزع لتجليات النزعات السياسية اللا إنسانية- الإقصائية التي تستغل الدين وتوظفه كأيدولوجيا لقضاء مآربها، فكم سوّدت الصفحات لتكفير الحكّام والعلماء والعامة، وكم استبيح التنكيل بالمخالف بناء على ذات الفتاوى، وكم أريق من دم وأزهقت من أنفس انطلاقاً من هذه الفكرة اللا إنسانية، وحين يسحب هؤلاء الذين اختطفوا الجمعة الشباب نحو ساحات صراع مزيفة لقتال إخوانهم في الدين والدفع بهم إلى المحرقة الطائفية وإيقاظ نار الفتنة النائمة واستنهاض الغرائز البدائية بالحديد والعصي والمسامير والنار المستعرة، فإنهم يعبرون بشكل صارخ عن تجليات خطيرة ومخيفة لخطاب الكراهية الطائفية، ولذلك سنظل بعيدين عن لحظة الراحة النفسية والروحية التي تنشدها كل يوم جمعة وسائر أيام الله إلى أن يأذن الله لنا جميعاً بما يهدأ النفوس ويغلب الحكمة والرشاد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.