لا تحتاج بريطانيا إلى تذكير أبداً بما تنص عليه اتفاقية فيينا لعام 1961 بشأن العلاقات الدبلوماسية، إذ هي أعرف الدول بهذه الاتفاقيات، لكن التطرق لذكر المواد التي تنص عليها الاتفاقية المذكورة بالأخص المادة (22) في فقرتيها الأوليتين تأتي لتأكيد إخلال بريطانيا بحق مملكة البحرين من خلال تعاطيها الغريب مع حادثة “تسلل إرهابيين” إلى سطح مبنى السفارة البحرينية في جادة بلجريف بلندن أمس الأول وصولاً من مبنى آخر.

الفقرة الأولى من المادة تقول: “تتمتع مباني البعثة الدبلوماسية بالحرمة والخصوصية ولا يجوز لأي فرد من الدولة أن يدخل المبنى بدون إذن من رئيس البعثة الدبلوماسية”، بينما الفقرة الثانية (والتي فيها ندين تعامل بريطانيا مع المسألة) تقول: “يجب على الدولة المستضيفة أن تضمن وتلتزم باتخاذ جميع الخطوات المناسبة لضمان أمن وسلامة مبنى البعثة الدبلوماسية وحمايتها من أي اقتحام أو ضرر أو أي نوع من الإخلال بالأمن”. الآن تخيلوا ما حصل، قام إرهابيان محكومان ومطلوبان في البحرين في قضايا تمس الأمن الوطني بالوصول إلى سطح مبنى السفارة البحرينية، وذلك عبر التسلل من مبنى مجاور. هذا الفعل كان يستوجب تدخلاً سريعاً من الأمن البريطاني لأن الاتفاقية تلزم الحكومة البريطانية بحماية مباني البعثات الدبلوماسية، لكن الغرابة تمثلت بنجاح الشرطة البريطانية “التي نعرف تماماً احترافيتها” في القبض على الإرهابيين بعد قرابة 24 ساعة! هذه بحد ذاتها سقطة لشرطة العاصمة البريطانية الأشهر في العالم، إذ مجرد استخدام اسم “سكوتلانديارد” دلالة على سرعة ضبط الجرائم والفاعلية والكفاءة والسرعة، سواء في جانب التحقيق بوجود أكثر المحققين كفاءة أو سرعة إجراءات تأمين الأمن البريطاني. تخيلوا الشرطة البريطانية التي نجحت في السيطرة على عمليات الفوضى والاضطرابات العام الماضي فور صدور أوامر رئيس الوزراء البريطاني، عجزت عن تطبيق القانون بحق اثنين طوال 24 ساعة! الإجراء البريطاني يستوجب تقديم توضيح سريع وعاجل لوزارة الخارجية البحرينية، إذ “المدى الزمني” الذي استغرقته عملية إنزال الإرهابيين من على سطح السفارة البحرينية لا يرتقي أبداً لسرعة الشرطة البريطانية المعهودة في حالات الطوارئ والبلاغات. فقط أتخيل لو أن أحدهم قام بالوصول إلى سطح قصر باكينجهام، واكتفى فقط بالوقوف دون رفع صور مضادة للملكة، هل ستصبر عليه الشرطة البريطانية لمدة 24 ساعة متواصلة؟! هل ستقوم بمفاوضات معه حتى لا يرمي نفسه و”ينتحر”؟! أو يساومها بأسلوب “إما تلبوا مطالبي أو سأرمي نفسي؟!”. الغريب أنه في جادة بلجريف بالذات في لندن تجد سفارتنا موجودة بالقرب من سفارات عديدة، إحداها السفارة السورية التي تقع في الجهة الغربية من سفارتنا، ولكم أن تلاحظوا مفارقة غريبة هنا، إذ الأمن البريطاني أمن عدداً من عناصر الشرطة لتقف أمام السفارة السورية، إضافة لوجود حواجز حديدية وإسمنتية لحماية البعثة الدبلوماسية السورية، وكل ذلك حصل بعد قيام متظاهرين سوريين ومتضامنين معهم ضد نظام بشار الأسد ببلوغ السفارة ومحاولة اقتحامها. الآن بعدما حصل للسفارة البحرينية من محاولة إرهابيين استقطاب أنظار الناس للبحرين قبل أيام من حدث الفورمولا واحد، نتساءل حول الإجراءات التي ستتخذها الحكومة البريطانية إزاء ما حصل. هل سيقوم الأمن البريطاني بتأمين موقع السفارة البحرينية ويضمن سلامة أفراد البعثة الدبلوماسية كما فعل مع السفارة السورية؟! هل سيتخذ إجراءات بحق الإرهابيين المتعلقين على سطح السفارة؟! هل سيقوم بإجراء جاد على وضعية منحهما اللجوء السياسي بعد هذه الفعلة؟! الأمن البريطاني يعرف قبلنا أن أحد المتعلقين على سطح السفارة، تم أخذ إجراءات تعهدية عليه قبل أشهر حينما حاول عرقلة موكب جلالة الملك لدى زيارته بريطانيا، وهو قام قبلها باقتحام فعاليات بحرينية في لندن عدة مرات، فهل فعلته الأخيرة بالتعدي على السفارة البحرينية بهذا الشكل لا تستدعي اتخاذ إجراءات صارمة بشأن رفض منحه اللجوء أو أقلها إعادته للبحرين؟! على فكرة، لو حصلت نفس الحادثة في البحرين، واعتلى بريطاني معارض للحكومة البريطانية مبنى السفارة في المنامة، وكان مطلوباً لدى الأمن البريطاني، هل ستطالب بريطانيا البحرين بتسليمه لها لأن عليه حكماً قضائياً؟! لا أعتقد بأنها في الحالة المذكورة ستطلب من البحرين تسليمها له، لأنه بحسب الاتفاقيات الدولية فإن أرض السفارة تعتبر أرضاً تابعة للدولة، وعليه فإن المتسلل دخل أرض الدولة المعنية ما يعني أن قانونها الذي يجب أن يطبق عليه. هنا ألفت انتباهكم لنقطة، بأن المتسللين لسطح السفارة البحرينية من المحكوم عليهما في البحرين، ويفترض بأن “الإنتربول” قد قام منذ زمن بتسليمهما للبحرين، وهما بما فعلاه بالأمس دخلا حدود مملكة البحرين وعليه المنطق يفرض تسليمهما للبحرين لا أن تقف الشرطة البريطانية لتتفرج على المشهد طوال 24 ساعة. الآن على وزارة الخارجية البحرينية أن تطالب الحكومة البريطانية ببيان الموقف مما حصل، وما هي أسباب التباطؤ في اتخاذ الإجراءات التي تنص عليها اتفاقية جنيف، وأن تطالب بعد سلسلة من الأفعال الإرهابية التي يقوم بها “المطلوبون أمنياً” في البحرين أن يتم تسليم هؤلاء لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم. فقط اقلبوا المشهد، وضعوا بريطانيا في موقعنا، هل تتوقعون أن تمر المسألة هكذا سلام سلام؟! هل تتوقعون أن يتم إنزالهم وأخذ تعهد عليهم وانتهى الموضوع؟! لو كان الحال معكوساً لوجدناهم في سرعة البرق، من على السطح إلى متن أول طائرة إلى لندن وبمعية “الإنتربول”. ^ اتجاه معاكس.. معلومة أبلغني بها أحد الشباب البحرينيين الذين تواجدوا قرب السفارة البحرينية في لندن، إذ خلال “تعلق” الإرهابيين على السطح، تواجد بموازاة مبنى السفارة مصورا فيديو تابعان لقناتين إيرانيتين، ومصور إيراني ومذيعة إيرانية لقناة “العالم”، ومصور عربي ومذيعة عربية لقناة “المنار”. المذيعة العربية كانت تتحدث بالهاتف مع أحد الاثنين المتعلقين على السطح والشاب كان يستمع لما تقوله وتبين أنها توجه الشخص فوق السطح، تقول له “اترك الهاتف الآن”.. “انتبه نحن نصور”.. “تحدث مع زميلك”.. “ارفع يديك بالعلم”.. “أرفع يدك بعلامة النصر”، وعندما أخبر الشاب الشرطة توجه رجال الأمن لها بالسؤال عن علاقتها بمن هما متعلقين في السطح فأنكرت معرفتهما. أتذكرون قبل يومين كتبت هنا بأنهم وصلوا لمرحلة “الهلوسة”، وأعني القنوات الإيرانية التي تريد فعل أي شيء لتشويه صورة البحرين أكثر، ولبيان أن عملية الانقلاب التي يدعمونها مازالت قائمة. هذه المرة ابتكروا خطة “التعلق على السطوح”، ربما تكون الخطة التالية توجيه أوامرهم لأتباعهم بـ “القفز من على السطوح”. وصدقوني يفعلونها؛ فالبشر لديهم مجرد أدوات يستثمرون ما يحصل لها، وإن كان موت أحدهم سيخدم أكثر من بقائه حياً، فلم لا؟! ما الذي سيخسرونه؟! سيسمونه شهيداً يستثمرون موته إعلامياً، وسينتقلون بعدها للبحث عن “قربان بشري” جديد.