قد نفهم كيف تتعامل الدول مع الإرهاب جيداً، ولكننا لا نفهم تماماً كيف تتعامل السلطات البريطانية مع الإرهاب عندما يصل أراضيها. كما نفهم ما موقفها الحقيقي من الأوضاع في البحرين مع صمت الجهات الرسمية في لندن تجاه العديد من القضايا والمسائل العالقة. 

هذه الحقيقة نراها مع اقتراب استضافة المنامة لأضخم حدث دولي في المنطقة خلال العام الجاري وهو سباق الفورمولا واحد، في الوقت الذي سخّرت الصحافة ووسائل الإعلام البريطانية إمكاناتها من أجل تسويق فكرة ضرورة إلغاء السباق وعدم إقامته، تارة بسبب “انتهاك البحرين لحقوق الإنسان”، وتارة أخرى بسبب “عدم وجود إصلاحات سياسية في البلاد”، ووصلت درجة الاستغفال وسخرية الإعلام البريطانية عندما وصفت سائقين من سائقي سباقات الفورمولا واحد بأنهما على موعد مع فقدان حياتهما في المنامة بسبب مشاركتهما للسباق هناك!
لنقرأ المشهد البريطاني جيداً تجاه البحرين، من المنامة تصدر تصريحات إيجابية ورائعة من سفير لندن هنا، ولكن الرأي العام البحريني يكتشف لاحقاً أنها مجرد تصريحات إعلامية للاستهلاك المحلي لا أكثر، فما يجري أكبر من ذلك بكثير.
شخصية إعلامية بحرينية (تحمل الجنسية البريطانية في الوقت نفسه) تنتمي للمعارضة الراديكالية تصل لندن في هذا التوقيت بالذات لأسباب مجهولة، ويتزامن وصولها مع محاولة إرهابية لاقتحام مبنى السفارة البحرينية في العاصمة البريطانية بشكل مفاجئ.
طبقاً للاتفاقيات الدولية، وتحديداً اتفاقية فيينا فإنه على الحكومة البريطانية حماية مبنى السفارة والدبلوماسيين البحرينيين، ولكن ماذا فعلت؟
ظلت الشرطة البريطانية في مفاوضات وحوار دام نحو 4 ساعات مع الإرهابيين، رغم أنهما لا يحملان أسلحة، فهل يستحق هذين الإرهابيين هذه المدة لإنجاح مهمة إنزالهما من مبنى السفارة؟
لا أعتقد ذلك، بل يمكن أن يُفهم أن التعامل الرسمي مع هذه الحادثة الأمنية لم يكن بالمستوى المطلوب، ولم يكن تعاملاً ذا مغزى أبداً. فأربع ساعات كفيلة بتحقيق الهدف الذي كان يسعى إليه الإرهابيون، وهو إيصال رسالة احتجاج عبر وسائل الإعلام تجاه قضايا سياسية معينة. فهل كانت الحكومة البريطانية تدعم مثل هذا المطلب لتدفع رجال الأمن للتحاور معهم طوال ساعات أربع استطاعت خلالها وكالات الأنباء وشبكات التواصل الاجتماعي نقل هذا الحدث على نطاق واسع؟
سؤال لا أملك إجابته، ولكن أعتقد أن السفير البريطاني في المنامة لديه القدرة والإلمام الكافيين بهذه الواقعة.
بعد آخر متصل بالقضية نفسها، تعلن في نفس يوم جمعية الصحافيين البحرينية عن فتح باب الترشح لانتخابات مجلس الإدارة المقبلة، وبعد مرور نحو 24 ساعة على هذا الإعلان، وعلى حادثة اقتحام السفارة البحرينية في لندن، ومن لندن نفسها يتم الإعلان عن تشكيل منظمة جديدة بهدف “الدفاع عن الصحافيين” وهي منظمة أسست من قبل أكثر من 50 صحافياً وإعلامياً وكاتباً ومثقفاً وفناناً بحرينياً. وبحسب ما تم الإعلان عنه فإن هذه المنظمة تسعى لأن تكون “بديلاً عن الجمعية البحرينية للصحافيين” التي توصف بأنها تمثل موظفي الحكومة ولا تمثل الصحافيين.
سؤال أخير ما موقف لندن من مثل هذه التطورات؟ وهل هي تطورات إيجابية في السياسة البريطانية التي رعت الإرهاب المضاد الموجه ضد البحرين طوال عقود طويلة من الزمن؟ وهل تخدم هذه التطورات مسار العلاقات الثنائية البحرينية - البريطانية، وسبل تعزيز العلاقات المشتركة؟