كتب – جعفر الديري:

في القسم الأول من اللقاء مع المخرج محمد راشد بوعلي، تحدث عن علاقته بالسينما والمخرجين والكتاب، وفي هذا القسم نتابع مع بوعلي الحديث عن هموم السينما البحرينية، والإشكالات المتعلقة بالإنتاج، حيث الواقع السينمائي البحريني لا يزال قائماً بطموحه على كاهل أسماء معدودة، وسط غياب واضح لأساسيات بناء القاعدة الأساسية لتطوير صناعة السينما، وعدم وجود هيئة متخصصة لتطور صناعة الأفلام والمواهب.

أسماء معدودة

^ رغم ريادة البحرين الحضارية والثقافية في الخليج العربي، إلا أن الواقع السينمائي البحريني لا يزال قائماً بطموحه على كاهل أسماء معدودة.. ما هي الأسباب في رأيك؟

- قد يكون ذلك راجعاً لغياب الوعي بتأثير صناعة الأفلام على المجتمع وأهميتها لحفظ التاريخ، وغياب أساسيات بناء القاعدة الأساسية لدعم وتطوير هذه الصناعة هي السبب الأساسي، وغيابها يقودنا أيضاً لغياب تواجد هيئة متخصصة للأفلام، يكون أساس عملها تطوير الصناعة والاهتمام بالمواهب وجذب الاستثمارات العالمية إلى البلد، التي هي متواجدة أساساً في العديد من الدول العربية، وقد بدأت بعض الدول الخليجية في الفترة الأخيرة بتأسيسها مثل هيئة أبوظبي للأفلام ومؤسسة الدوحة للأفلام، وحالياً لا يتواجد في البحرين سوى عدد من المهمومين بحلم صناعة السينما، بعضهم لا يزال متمسكاً بالأمل من خلال الجيل الحالي، وبعضهم ييأس سريعاً ويتوجه إلى قطاع الدراما التلفزيونية لمردودها المالي الجيد، وبعضهم ينظر ويترقب للمستقبل.

صناعة ثقافية

^ نجد هوليود وغيرها استثمرت في القطاع الخاص فنجح الإنتاج السينمائي. لكنه هنا لا يحرك ساكناً.. فما علة ذلك؟

- لا يمكننا مقارنة البحرين بهوليوود، فهناك صناعة الأفلام مثل الإنتاج النفطي لدينا، فهو سوق وتجارة واستثمار، بينما في البحرين صناعة السينما ثقافة، وستظل ثقافة وتسجيل للتاريخ وللهوية، وقد تكون الاستثمارات المالية في عدد من الأفلام البحرينية الطويلة التي تم تنفيذها بهدف التجارة، فخرجت للأسف بعيدة عن النجاح المادي والفكري، السبب الرئيس للابتعاد عن الاستثمار في السينما، لكن كلي أمل أن تتغير وجهة النظر ونشهد المردود الثقافي الخاص للسينما، مع أمل بقدرة الجيل الحالي على تقديم صورة مغايرة للماضي.

السينما هوية

^ إذا اعترفنا أن السينما البحرينية في أول دروبها، كيف يمكن إقناع رجال الأعمال بدعمها؟

- السينما بالذات هي الواجهة الرئيسة لأي دولة من الدول، فدعم صناعة السينما أو أي عمل سينمائي سيقود إلى دعم صورة البحرين في الخارج من خلال ما سيتم تقديمه من هويتها، صورتها، ثقافتها أو تاريخها. وأعتقد أن كل رجال الأعمال البحرينيين لديهم هذا الهم الخاص بصورة البحرين، كما إن صناعة السينما في الدول الإنتاجية قائمة في الأساس على عنصر التسويق والإعلان من خلال الفيلم الذي يشكل أحد أكبر وأهم وسائل الإعلان في العالم، خصوصاً وأن الفيلم السينمائي يشارك في مهرجانات دولية ويعرض في العديد من الدول حول العالم، بالإضافة إلى الاستمرارية التاريخية له، ما يعني أن أي معلن سيظل إعلانه مودع في التاريخ وليس لوقت معين ومحدد. لذلك أعتقد أن كل ما على رجال الأعمال القيام به هو فتح الباب لاستقبال المشاريع أو مناقشتها، وسيجدون هذا النتاج السينمائي المهم، الذي سيساهم في إيصال صورة البحرين للخارج بأفضل صورة، وسيضعهم في خانة الريادة لدعم هذه الثقافة التي لا بد أن يأتي ذلك اليوم وتجد طريقها كعنصر رئيس في ثقافة البحرين.

صالات العرض

^ لكن البحرين لا تمتلك صناعة سينمائية؟

- البحرين تمتلك صالات عرض سينمائية مميزة تتجاوز الـ 50 قاعة عرض، لا يعرض بها أي فيلم بحريني سواء أكان طويلاً أو قصيراً طوال العام.

تؤسس نفسها

^ وكيف ترى اهتمام دول الخليج والدول العربية بتجربة البحرين السينمائية؟

- الأفلام البحرينية لا تزال تؤسس نفسها، فلا يوجد هناك استمرارية في الصناعة، على سبيل المثال تجد أن إنتاجنا السنوي 27 فيلماً قصيراً، بينما في أعوام سابقة لا يوجد سوى فيلمين، وبالنسبة للفيلم الروائي الطويل ربما ننتظر أكثر من 10 سنوات لظهور فيلم روائي طويل جديد. هذا التناقض والتباعد في الإنتاج لا يمكن أن يؤسس اهتماماً مثل ما يحدث بخصوص السينما الإماراتية حالياً، التي أصبحت تنتج سنوياً ما يقارب الـ 50 فيلماً قصيراً أغلبها مدعومه من قبل شركات إنتاج أو هيئات رسمية، بالإضافة إلى إنتاج فيلم أو فيلمين روائيين طويلين سنوياً خلال الثلاث سنوات الأخيرة، لكن هذا لا يمنع من أن هناك العديد من الأسماء البحرينية ربما جذبت الاهتمام من خلال الإنتاج المتواصل سواء من خلال إنتاج وإخراج الأفلام أو كتابة السيناريو، بالتعاون مع مخرجين من دول أخرى وهم جزء لا يتجزأ من واجهة صنّاع السينما البحرينيين.

المخرج أولاً

^ بوصفك مخرجاً، أترى نفسك القاعدة الأساسية لنجاح الفيلم؟

- أعتقد أن المخرج والسيناريست هما العنصران الرئيسان لفكر العمل، خصوصاً وأن الفكر والمضمون هما القاعدة الأساس لأي عمل، ثم يأتي دور المنتج، وسواء كان عملاً درامياً أو سينمائياً، فإن الممثل عنصر رئيس آخر من عناصر العمل، لكن لا يختلف عن العاملين الآخرين في الفريق من مديري إنتاج، ومديري التصوير وغيرهم من طاقم العمل، سوى كون الممثل هو الصورة الرئيسية وله دور رئيس في التسويق الخاص لأي عمل خصوصاً في فهم الصورة التي يشاهدها المشاهد في الشاشة، وما يحدث خلف هذه الشاشة من طاقة وعمل لا يقل أبداً بأي حال من الأحوال عن ما يقدمه الممثل. ففي السينما قد يكون المخرج حالياً في الواجهة لسبب رئيس يتعلق بغياب صناعة سينما بحرينية، ولا يوجد لدينا أفلام تعرض في صالات العرض المعتادة؛ بل تعرض الأفلام غالباً في المهرجانات السينمائية التي على أساسها يكون المخرج هو الواجهة للفيلم، من خلال تواجده وتقديمه للفيلم وتحاوره مع الجمهور والنقاد.

محمد راشد بوعلي

مخرج سينمائي بحريني يحمل بكالوريوس الحقوق ويعمل بمصرف البحرين المركزي، أخرج وأنتج العديد من الأفلام القصيرة منها: بينهم ، من الغرب، غياب، البشارة وكناري. كما نفذ عدداً من المشاريع الفيلمية والوثائقية لعدد من الوزارات والمؤسسات داخل وخارج البحرين من ضمنها مشروع (استرجاع)، والذي حاز على جائزة الأسد الذهبي باسم مملكة البحرين لأفضل مشاركة وطنية بمهرجان البندقية لفن العمارة الدولي لعام 2010، وأخرج فيلماً بعنوان “تحت السماء” بإشراف المخرج السينمائي الكبير عباس كيارستمي في دورة تدريبية العام 2011. شاركت أفلامه في العديد من المهرجانات السينمائية والفعاليات الثقافية في أكثر من 23 دولة، واستطاعت أن تحقق العديد من الجوائز وشهادات التقدير المختلفة.