تحدثنا في العمود السابق عن ماهية جريمة الاحتيال وفعل التدليس الذي تقوم به جريمة الاحتيال، والفرق بين التدليس الجنائي والتدليس المدني وسوف نوضح في هذا العمود علاقة الدعاية بجريمة الاحتيال.
لاشك أن جهود رجال الشرطة في مكافحة جرائم النصب يقابلها استخدام تقنيات حديثة ومتطورة في وسائل ارتكاب جريمة الاحتيال، وتعد طرق الدعاية من أخطر طرق الاحتيال الحديثة، ذلك إنها تؤثر على شريحة كبيرة من المجني عليهم، الذين يثقون في مصداقية الجهة المعلنة ويتم تسليم الأموال إلى الشركة التي تمتهن النصب بدون أدنى شك، ذلك لافتراض تأكد جهة الإعلان من أولويات أساسية قبل الدعاية عن المشروع التجاري، حيث إن المنطق الطبيعي للأمور أن أجهزة التي يتم من خلالها الإعلان لها من الإمكانيات والخبرة من اختيار الشركات التجارية ذات الثقة المالية والابتعاد عن الدعاية للشركات التجارية التي ليس لها أساس قانوني وتجاري.
وقد يكون المتهم في جريمة النصب عن طريق الإعلان والدعاية شخصاً وليس شركة وفي هذه الحالة يتم تسليم المال الصادر من المجني عليه إلى الجاني تحت تأثير الغلط الذي أوقعه فيه بناءً على الدعاية والإعلان، فيلتجئ المتهم إلى الدعاية حتى يحقق اتصاله بالأشخاص الذين يريد خداعهم والاستيلاء على أمولهم، سواء في المجلات أو الجرائد أو بتوزيع نشرات على الناس دون تمييز، وفي العصر الحديث أصبحت المجلات التجارية الإعلانية، تتعرض لهذه الألاعيب والحيل، ونرى أيضاً وجود بعض من النصب في القنوات الفضائية إذا أن ليس كل ما يتم الإعلان التجاري عنه في كل تلك المحطات حقيقي وواقعي، أما الإنترنت فيعتبر من أخطر سبل الإعلان للاحتيال، ويتسع المجال للمتهم عن طريق الدعاية كي يدعم أكاذيبه بالحجج ويفرغها في الألفاظ التي يراها أدنى إلى الإقناع فإن في هذه الحالة تكتمل الطرق الاحتيالية.
وتقوم جريمة النصب إذا لم يقتصر نشاط المتهم على نشر أكاذيبه، بل كان النشر واحداً من مجموعة مظاهر رتبها لتدعيم كذبه واستغلال ذكائه أو قلة خبرة المجني عليهم أو رغبتهم في قضاء حوائجهم صعبة المنال، وأهم مثال على ذلك من يدعي تأسيس شركة ويتخذ من بناية أو مكتب مقراً لها ويستخدم موظفين وعمال ويضيف إلى ذلك الدعاية والنشر في الإذاعة أو التلفزيون أو الجرائد فهنا يكون قد ارتكب جريمة الاحتيال إذا استلم هو -أو من عيَّنه لأخذ أموال الناس- أموالاً بالباطل والزيف لإثراء ذمته المالية بدون وجه حق والإضرار بأموال المجني عليهم.
ويجب التنبيه إلى وجود بعض النصابين والمحتالين الذين يرسلون رسائل وهمية عبر التلفون المحمول بأن المجني عليه (المرسل إليه) فاز بسيارة فارهة أو مبلغ مالي ضخم على أن يقوم المجني عليه بالاتصال بالرقم أو بإرسال رسالة نصية عبر رقم هاتف معين تستفيد منه مالياً شبكة الاتصالات والشركة الوهمية ومعظم هذه الشركات وهمية ونصابه وهذا ما حذرت منه شركة بتلكو للاتصالات، وترصد شعبة مكافحة الاحتيال في إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية، وأغلب هذه الجرائم التي تضر بالاقتصاد الوطني.
وأخيراً فنشر المتهم أكاذيبه بوسيلة من وسائل العلانية الحديثة يضيف عليها ثقة لم تكن لها، إذا يفترض الناس فيما ينشر على نطاق واسع أنه صحيح، وخاصة إذا كانت وسيلة النشر مشهود لها بالاتزان والصدق.