أكد المفكر القطري د.عبدالحميد الأنصاري، العميد السابق لكلية الشريعة في جامعة قطر، أهمية توفير البيئة الحاضنة لثقافة الانفتاح وقبول الآخر المختلف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. فتغيير مناهج التعليم على سبيل المثال لن يؤتي ثماره إلا بوجود مثل هذه البيئة الاجتماعية الحاضنة لثقافة التعايش مع الذات ومع الآخر.

وانتقد د.عبدالحميد الأنصاري، في ندوة نظمتها جمعية المنتدى بمقرها في العدلية مساء أول أمس تحت عنوان «دور الشباب في حركة التنوير»، وشهدت حضوراً نوعياً من أعضاء وأصدقاء الجمعية، كل من يحاول أن يزيف الوعي أو يشوه الحقيقة أو يمنع الناس من الوصول إليها تحت أي حجة أو مبرر، لأن عالمنا اليوم، كما قال، هو عالم العقلانية والمعرفة والانفتاح على الثقافات الآخرى.

وقال الأنصاري «علينا أن نشجع أبناءنا وشبابنا على الاطلاع والتعرف والانفتاح على كافة الثقافات والأفكار دون أي تخوف أو حجر، بمعنى أن نترك لهم حرية الاختيار دون وصاية، خصوصاً وأنهم يعيشون في فضاء معرفي مفتوح غير مسبوق في تاريخ البشرية».

كما انتقد الأنصاري الأصوات الدينية المتشددة التي تطالب بمنع بناء الكنائس في البلدان الإسلامية بل والمطالبة بهدمها إذا كانت موجودة، في الوقت الذي يـسمح فيه للجاليات الإسلامية المقيمة في البلدان الأوروبية ببناء مساجدها ومدارسها، بل ويتم احترام خصوصياتها الثقافية.

ما المقصود بالتنوير؟

يرى الأنصاري أن القرن الثامن عشر في أوروبا هو بداية انطلاق عصر الأنوار أو التنوير في الحضارة الإنسانية، ومنذ ذلك الوقت تعيش البشرية حضارة لم تشهدها من قبل. فهي مختلفة تماماً عن كل الحضارات التي سبقتها، وأحد أهم سماتها هو تجدد المعرفة، ووعي الإنسان بأهمية كيانه كفرد يمتلك نور العقل الذي من خلاله يحدد خياراته في هذا العالم. واستطرد المحاضر قائلا: «لمزيد من التوضيح لمفهوم التنوير علينا أن نرى التضاد الكائن بين الأنوار والظلمات، أو بين المعرفة والجهل، أو بين الخير والشر أو بين الحقيقة والخطأ، مضيفاً «اسمحوا لي أن أستعير من المفكر السعودي المعروف إبراهيم البليهي فكرته التي كثيراً ما كتب عنها، وهي أن حضارة اليوم هي الحضارة الوحيدة التي لن تزول أو تنهار -على عكس الحضارات السابقة التي اندثرت- وذلك لكونها تعتمد في وجودها وتطورها على سلاح النقد الذاتي لأخطائها المبنية على تسليط نور العقل، ومن هنا تكتسب خاصية تجددها وازدهارها المشهود.

تجديد الخطــاب الدينــي

وقال الأنصاري إن «المطلوب اليوم منا كمسلمين هو أن نسلط نور العقل وسلاح النقد على الأخطاء الشائعة في خطابنا الديني وتنقيته من ثقافة الكراهية ونبذ الآخر المختلف عنا في الدين أو الثقافة أو المذهب أو الإثنية». وأضاف «نحن أيضاً بدأنا التنوير في مصر على يد الشيخ الإمام محمد عبده ورؤاه التنويرية والإصلاحية في القرن التاسع عشر، واستمر على يد مفكرين متنورين من أمثال قاسم أمين والمازني ولطفي السيد ود.طه حسين، إلى أن جاء الانقلابيون العسكريون في مطلع خمسينيات القرن الماضي، ليقيموا عهد القمع والديكتاتورية والفساد والحجر على الرأي والحريات بدلاً من عصر التنوير والإصلاح والتعددية والليبرالية».

مكر التاريخ

وتحدث الأنصاري عن مكر التاريخ. فقال: إن «تاريخ البشرية له وجهان. الوجه الظاهر ويتمثل في ما نراه اليوم من صراعات ومعارك من أجل الاستحواذ والتسلط والهيمنة والإطاحة بالآخر. ولكن في المقابل وفي العمق من التاريخ يوجد الوجه الآخر وهو المهم والمتمثل في الدروس التاريخية العظيمة المستفادة من ذلك التطاحن وتلك الصراعات»، مضيفاً أن هناك تحولات فكرية عميقة تحدث في التاريخ البشري غير ظاهرة لنا، وهذا هو ما يسمى بمكر التاريخ. وهذا ما يمنحنا روح الأمل والتفاؤل أن المستقبل دائماً سيكون الأفضل.

تعزيز التنوير

بعد ذلك تحول المحاضر إلى سرد الكثير من الأفكار التي لو أخذنا بها في حياتنا كحكومات ومجتمعات وشعوب لتمكنا من التغلب على ما يواجهنا من المشكلات والتحديات. ومن بين ما أشار إليه هو أن نعمل جميعاً على توفير البيئة الحاضنة لثقافة الانفتاح وقبول الآخر المختلف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. فتغيير مناهج التعليم على سبيل المثال لن يؤتي ثماره إلا بوجود مثل هذه البيئة الاجتماعية الحاضنة لثقافة التعايش مع الذات ومع الآخر. وانتقد الأنصاري الأصوات الدينية المتشددة التي تطالب بمنع بناء الكنائس في البلدان الاسلامية بل والمطالبة بهدمها إذا كانت موجودة، في الوقت الذي يـسمح فيه للجاليات الإسلامية المقيمة في البلدان الأوروبية ببناء مساجدها ومدارسها، بل ويتم احترام خصوصياتها الثقافية. وأضاف «علينا أن نشجع أبناءنا وشبابنا على الاطلاع والتعرف والانفتاح على كافة الثقافات والأفكار دون أي تخوف أو حجر، بمعنى أن نترك لهم حرية الاختيار دون وصاية، خصوصاً وأنهم يعيشون في فضاء معرفي مفتوح غير مسبوق في تاريخ البشرية.

يشار إلى أن الأنصاري حاصل على شهادات الليسانس والماجستير والدكتوراه في الشريعة من جامعة الأزهر المصرية، وتقلد قبل بضعة أعوام منصب عمادة كلية الشريعة والقانون بجامعة قطر، وأثناء ذلك ساهم في وضع قانون الأسرة في دولة قطر. ويعد الأنصاري أحد المفكرين العرب المهتمين بتجديد الخطاب الديني والحوار بين الثقافات، وأكثرهم جرأة في نقد ما يراه مخالفاً لصحيح الإسلام. وقد ضمن مواقفه ورؤاه التنويرية العديد من المقالات الصحافية، والمؤلفات التي كان آخرها كتاب بعنوان «ثقافة الكراهية، التسامح الإنساني إلى أين؟!