تحقيق ـ حسين التتان: تجولت في المنامة.. في طرقاتها المعتمة قبل وقت صلاة المغرب.. هذه هي الدائرة الأولى في العاصمة، وهي أشبه ما تكون بسكن عمال آسيويين أو منطقة كبيرة تحتوي على بيوت عزاب. انتظرنا أن يمر قربنا أي مواطن بحريني أو منامي لكي نتحدث إليه ولكننا بعد ساعة فقدنا الثقة في الحصول على مأربنا، فوقفنا على بوابة جامع الحي، وحين انتهت الصلاة خرجت جموع المصلين، فاستطعنا أن نتحدث إلى الشيخ عيسى عبدالله جناحي (55) عاماً، وهو إمام ذلك المسجد، وطلبنا منه أن يحدثنا عن مجمع 321. يرى جناحي أن أهل هذا المجمع، يشعرون ببعض التحسنات الملموسة على مستوى الخدمات في المنطقة، ولكن المشكلة الكبيرة والتحدي الصعب الذي يواجه أهالي الدائرة الأولى هو ارتفاع منسوب الدعارة فيها.. كان هذا الكلام صادماً لنا، إذ كيف يمكن أن يصف لنا إمام المسجد هذه المشكلة؟ تجاوزات أخلاقية يقول جناحي: إن سبب ارتفاع مستوى الدعارة في منطقة القضيبية يعود إلى سبب واحد، هو أن ملَّاك العمارات من البحرينيين مع الأسف الشديد، يؤجرون عماراتهم بالكامل للجاليات الآسيوية والأفريقية الرخيصة، وغالبية أصحاب العمارات يعلمون علم اليقين أنهم يؤجرون مبانيهم على أفراد يمارسون الدعارة، بل ويرفضون تأجيرها للبحرينيين، لأن الآسيوي ربما يدفع لهم أكثر مما يتحصلون عليه من البحريني، وهذا هو السبب الرئيس في تمادي ظاهرة الدعارة الشققية وغيرها وانتشارها في منطقتنا، بل أن هناك شققاً خاصة لهذه الأفعال.. للأسف. ويلاحظ جناحي ومعه لفيف من أهالي المنطقة من الذين تحلقوا حولنا، أن هنالك أفراد يأتون إلى المنطقة بلباس عربي، وظيفتهم أخذ العاهرات من منازلهم إلى أماكن مجهولة، وإذا جنَّ الليل، ينزل هذا المستعرب خلسة على بوابات عماراتهم (لا من شاف ولا من درى)!!. يؤكد جناحي في منعطف آخر من حديثه عن الدائرة الأولى أن أم المشكلات التي لا يمكن أن تُحل إذا استمر وضعهم على ما هو عليه، هي مشكلة مواقف السيارات، فهو ابن المنطقة، لكنه من سابع المستحيلات أن يحصل على موقف لسيارته بنحو يومي ومستمر، وهو يعتقد أيضاً أن رجال المرور يختفون في وقت الأزمات والزحام مما يربك حركة السير والمرور، لكنهم يحضرون بثقلهم كله لمخالفة المتجاوز، وكأن عملهم فقط مراقبة من يضطر من أهالي المنطقة إلى أن إيقاف عربته فوق الرصيف. وعن مشكلة الإسكان الخاص بأهالي الدائرة الأولى، يقول جناحي: في الواقع أن مشكلة شح الإسكان وصعوبة الحصول على مسكن العمر، من أكثر المسائل تعقيداً في المنامة، فنحن لدينا من أهالي المنطقة، من يعود طلبه إلى العام 1992، لكنه لم يجد أي أمل في الحصول على وحدة سكنية في الوقت الراهن، على الرغم من أن هناك من المواطنين غير المناميين من حصلوا على وحداتهم السكنية بعد سنوات بسيطة من وقت تقديمهم لطلبهم، لكن ذنب أهل المنامة أنهم من المنامة. ويرى جناحي وجميع من التقيناهم من أهالي الدائرة أن العضو البلدي غازي الدوسري ومعه النائب عادل العسومي لم يدخرا جهداً في تقديم يد المساعدة لهم بشتى الطرق، لكن المشكلة في الجهاز التنفيذي، والقرارات الجائرة التي همَّشت أهالي العاصمة. مصائب لا تتوقف أتذكر منذ زمن بعيد، حين كنت أمر ما بين القضيبية والحورة، قاصداً المنامة، أجد طريقاً مفتوحاً يسهل عملية الوصول إلى قلب العاصمة، وبقدرة إرادة أحد مهندسي الطرق، تم إغلاق هذا الطريق، وربما تتذكرون جيداً ما قاله المواطن علي ترك عن هذه المشكلة!!. يقف عضو المجلس البلدي غازي الدوسري غاضباً في وسط الشارع، يشرح كيف آلتْ إليه الأمور اليوم بعد أن تم إغلاق الشارع نهائياً، ويقول: إن أهالي مجمع 308 يعانون الأمرين جراء الضغط الهائل الذي يتعرضون له، سواء عند خروجهم أو وقت تدافع السيارات على منطقتهم. كان طريق807 بمنطقة القضيبية مفتوحاً، إذ يؤدي إلى شارع 709 بالحورة، مقاطعاً شارع الزبارة، وعلى الرغم من المناشدات الكثيرة لنا ولأهالي المنطقة بفتح هذا الطريق لأهميته وأهمية انسياب الحركة المرورية في المنطقة كلها، إلا أن وزارة الأشغال مصرَّة على أن يظل مغلقاً إلى الأبد، وهو نوع من العناد غير المسوغ، وجميعنا يذكر حادثة الحريق الأخير الذي أودى بحياة أسرة بكاملها، لأن سيارات الدفاع المدني لم تستطع دخول المنطقة بسبب وجود مدخل واحد لها، وأن الأهالي يلقون باللوم في هذا الحادث على غلق طريق 807 ولا شيء سواه. الحل في منتهى السهولة، في رأي الجميع، وهو أن يزال الرصيف ما بين الطريق وشارع الزبارة. رأينا الكثير من العمارات السكنية تحولت مواقف السيارات فيها إلى مخازن ومتاجر، وهذه مخالفات صريحة، فأين البلدية من ذلك كله؟ المشكلة الكبيرة في هذا الموضوع كما يصورها الدوسري، هي أن أصحاب العمارات ينشؤون مواقف للسيارات لساكني الشقق، وبمجرد أن تصل خدمة الكهرباء لهم، يلغون المواقف ويؤجرنها كمخازن أو متاجر، وهناك تراخ واضح من الجهاز التنفيذي في البلدية، ورأى الجميع أن المشكلة لن تحل إلا بإنشاء جهاز شرطة خاص بالبلديات لمخالفة من تسول له نفسه العبث بأمن ساكني الشقق، كما يحتاج الأمر إصدار قوانين جديدة تكون أكثر صرامة، وتتم متابعة تطبيقها. ويتكاثر سكن العزاب في المجمعات الآتية (308-318-321)، وهي من أكبر المشكلات المؤرقة لأهالي العاصمة، ولهذا يقترح البلدي أن توضع شروط للمساكن، بأن تخصص بعضها للعزاب وأخرى للعائلات، لكن ما شاهدناه في المنامة أن المبنى الذي يسكنه العزاب، هو ذاته الذي تقطنه العائلات، وهذه ظاهرة اجتماعية خطرة. لمن الحدائق؟ وماذا عن الحدائق الداخلية بالدائرة الأولى؟ ترجلنا سيراً على الأقدام لندخل حديقة الخضر بقلب القضيبية، فوجدنا أن جميع مرتاديها من الأجانب، بل وجدنا أن ملعبها المخصص للأطفال والشباب، يلعب فيه كبار لكنهم من الآسيويين. استوقفنا حارس الحديقة فسألناه عن هذا الأمر، فأخبرنا أن هذه مشكلة كبيرة تواجه أبناء المنطقة، وحدث شجار كبير قبل مدة بين بحرينيين وأجانب بسبب من يحق له اللعب في ملعب الحديقة، ويعتقد الدوسري أن الحل بيد البلدية، التي يجب أن تنظم حركة الملعب بوضع جدول ينسِّق هذا الأمر، ويقول إنه خاطب البلدية بهذا الشأن لكن البلدية لم ترد على خطابه. استمعنا إلى شكوى البحرينيين واستمعنا إلى ما يقوله الأجانب، واليوم ننتظر أن ترد البلدية على هذه النماذج من المشكلات المتعلقة بالحدائق. الحدائق قليلة للغاية ومواقف السيارات غير موجودة أصلاً، والبلدية تعطي رخصاً للبناء من دون مواقف للسيارات، هذا ما يراه الدوسري، على الرغم من أن الحل يكمن في الاستملاك لا غير، لكن البلدية (باردة) بحسب ما يعتقده البلدي. أشياء خطرة وأخرى مهمة للتذكير فقط، أني تجولت في المنطقة لمدة يومين متتابعين، منذ العصر وحتى وقت العشاء، وعلى شدة ضغط الشوارع الهائل إلا أنني لم أشاهد رجل مرور واحداً ينظم عملية السير، أو يخالف من يستحق المخالفة، ومن هذا عرفنا لماذا يستمر الجميع بارتكاب أقبح المخالفات المرورية. يقول الدوسري بخصوص مشكلة التعليم والمدارس: إن أعداد المدارس كافية، لكن مع الأسف فالمستفيد منها أبناء المحافظات الأخرى وليس أبناء المنامة، فوجود مدارس تعليمية كبيرة في وسط الدائرة الأولى يعني وجود زحام مروري فظيع، وهناك مشكلة أخرى، وهي بما أن مشكلة الدعارة لم تحل في المنطقة، فإن هناك بعض الطلبة ممن يتسربون من مدارسهم، إذ يذهبون لممارسة سلوكيات شاذة وغير أخلاقية، ومن هنا ننبه أولياء الأمور لهذا الأمر، ونوجه رسالة إلى التربية والتعليم بأن يحافظوا على أبنائنا الطلبة من الانجرار وراء السلوكيات الضارة، ورسالة أخرى إلى الداخلية بمراقبة المنطقة. وخلال سيرنا في شوارع مجمع 321 الضيقة، رأينا أن الطرقات غير صالحة للمشي، سواء سيراً على الأقدام أم بالسيارات، فهي شوارع (الله لا يراويكم حالتها) وليست كأنها شوارع في العاصمة، وسأعطيكم هنا مثلين لشارعين اثنين، أحدهما طريق 2136 والآخر هو طريق 2134، إذ نتمنى أن تزور إدارة الطرق هذين الشارعين فقط ومن ثم تعطينا رأيها فيهما!!. ليست هناك بالطبع مواقف للسيارات لأهالي المنطقة، ولهذا وجدنا صوراً عديدة للحيل التي يمارسها أهالي المنطقة للوقوف بأشكال مختلفة ومضحكة.. بصراحة (الله يعينهم). يقول العضو البلدي غازي الدوسري: ينص القانون البحريني على أنه لا يجوز العمل في المشاريع التي تتعلق بالبناء، في أيام العطل في المناطق السكنية. أما في وقت المساء، فإنه لا يجوز أن يتأخر العمل في الإنشاءات إلى أكثر من الساعة الخامسة مساء، إلا أن هذه القوانين تعطل عندنا في الأولى. بالفعل وجدت قبيل أذان المغرب أكبر العمارات الشاهقة في المنامة يعمل فيها العمال، وهي منطقة سكنية. بينما ونحن نتحدث عن هذا الأمر، مررنا بعد أن أرخى الليل سدوله على شوارع مكتظة بالفنادق السياحية، إلا أن إنارة الشوارع، لا تليق بمنطقة سياحية على الإطلاق. ويقول الدوسري: إن الإنارة ضعيفة كما تشاهدونها، وهي تحتاج إلى تقوية، ووعدنا وزير الطاقة بأن يقوم بتحسين شبكة الإنارة في هذه المنطقة، وها نحن ننتظر. وللمحال التجارية همومها وهموم جيرانها، فهناك محال صغيرة جداً، لا تتعدى الأمتار، لكن أصحابها يغلقون الأرصفة الأمامية المواجِهة لمحالهم كلها بكل ما يملكون من حيلة، مما يؤدي إلى عرقلة سير المارة، ويأخذون حيزاً كبيراً من مواقف السيارات!!. الشارع الذي دخلنا من خلاله الدائرة الأولى، سنخرج منه الآن، والموقف لم يتغير.. الوقت مساء، وهو وقت الراحة، لكن مازال هنالك 3 كراجات تعمل لتصليح السيارات، وهذا نشاط مخالف لنشاطها الحقيقي كما ذكرنا، ليس هذا فحسب، بل يؤكد لنا الدوسري أن البلدية على علم تام أن هذه الكراجات تمارس نشاطاً مختلفاً، لكنها تغض الطرف عنها، فهل في المسألة (إنّ) أم ماذا؟!! حين حاولت أن استقل سيارتي لأخرج من المنامة، أوقفني الدوسري محاولاً تسجيل آخر ملاحظاته عن دائرته، ويقول: أنا على يقين أن وزير البلديات يعطي أوامره إلى الجهاز التنفيذي بتطبيق لوائح عملهم فيما يخص المنامة، وهو بالفعل زار دائرتنا العام الماضي قرابة خمس مرات، وهذا الأمر يحسب له، ويعني لنا أنه من المهتمين بالمنامة، لكن المشكلة في جهازه وليس في شخصه أو حتى توجيهاته، والمشكلة في حال وجود قصور من الوزارة فإن الوزير هو الذي يطير من منصبه، أما الجهاز الخامل فإنه يظل مكانه ويكون بمأمن من العزل، ولهذا فإني أنصح الوزراء أن يغيروا أجهزتهم التنفيذية ويضعوا الطاقات الوطنية المخلصة محلهم، لكي لا تصل بعض مناطق البحرين الحيوية إلى ما وصلت إليه المنامة مع الأسف الشديد. ويختم الدوسري حديثه قائلاً: أكرر حديثي أنه لا يوجد تركيز على الدائرة الأولى بالمنامة من المسؤولين في الدولة، على الرغم من توجيهات سمو رئيس الوزراء الموقر بالعناية والاهتمام بها، والنائب عادل العسومي وأنا ومعنا جميع أهالي الأولى، نتوجه بالشكر الجزيل إلى سمو رئيس الوزراء على اهتمامه ورعايته الكريمة للمنامة، ونحن قطعنا على أنفسنا عهداً لخدمة هذا الوطن العزيز. مضيت ولم تمض من ذاكرتي فداحة الإهمال التي تتعرض له الدائرة الأولى، فهي تعرضت لأمرين خطرين جداً: أولهما تغيير هويتها والاعتداء على تاريخها وثقافتها، وثانيهما إهمالها وظلم أهلها الذين لم ينالوا المميزات التي نالها أهالي المحافظات الأخرى. ربما لأن كل ذنبهم، أنهم أصروا على أن يظلوا في المنامة، كما قال الشيخ جناحي.