كتب - عيسى الحمر:

في الأسبوع الثالث من فعاليات نادي السينما لعرض الأفلام المشاركة في مهرجان الخليج السينمائي الخامس في دبي، تم عرض أربعة أفلام هي: “خسوف” للفنان عبدالله السعداوي المخرج أحمد الفردان، فيلم “تحريك” للشابتين الواعدتين عائشة المقلة ونوره كمال، وفيلم “أصوت” لحسين الرفاعي، فيلم “أنين” لجمال الغيلان.

لا بد من الإشادة في البداية بإصرار الشباب القوي على العمل إنتاج الأفلام بجهودهم ومواردهم وإمكاناتهم الذاتية وهي مهمة مرهقة ماديا وجسديا، لكنه يثبت حبهم للفن السينمائي وحرصهم على ترسيخ عملية إنتاج الأفلام لتصبح جزء من الثقافة المحلية، رغم ظروف علمهم الصعبة ورغم غياب الدعم المادي والمعنوي وعدم الاحتفاء بالأفلام التي حققت حضوراً مميزاً في المهرجانات الدولية وأصحابها. لذلك نتمنى أن تلتفت وزارة الثقافة للشباب المبدعين في عمل الأفلام من خلال رصد موازنة سنوية لتمويل مشاريع الأفلام الواعدة.

«أصوات»

بالعودة إلى الأفلام التي عرضت في الأسبوع الثالث، نقدم رأياً متواضعاً حول هذه الأفلام، قد يكون محل اختلاف. ففيلم “ أصوات” الذي كتبه وأخرجه الفنان حسين الرفاعي، عرض وفي مدى زمني قصير (أربع دقائق) حالة أّم رحل أبنائها وأحفادها عن البيت (العود) بعد أن كبروا، وتركوا لها أصواتهم مسجلة على شريط ( كاسيت) تسمعه طوال الوقت حتى تنتشل روحها من الوحدة ويمدها بطاقة الحياة. الفكرة جميلة وإنسانية وذكية وقدمت بأسلوب فني بسيط يتناسب مع الموضوع والجميل في الفيلم هو المفاجأة غير المتوقعة التي أحدثها الفنان حسين الرفاعي للمتلقي في نهاية الفيلم.

«دقيقتان»

أما الصديقتان نوره كمال وعائشة المقلة فنجحتا في تقديم عرض قصير ممتع (دقيقتان) اعتمد على التحريك في إبراز الضغوطات التي يتعرض لها الفرد من العائلة والمجتمع. الفكرة جميلة وعرضت بشكل ممتع وما عابها حسب اعتقادي هو وجود الكلمات على اليدين واحدة تمثل المجتمع والأخرى تمثل العائلة. ترك اليدين دون تحديد هويتهما كان سينتشل الفيلم من المباشرة ويعطي المجال للمتلقي للوصول بنفسه لماهية هاتين اليدين. وهذا لا ينتقص من جمال الفيلم أبداً.

«أنين»

وقدم الفنان جمال الغيلان فيلمه “ أنين” واختار أن يكون فيلماً صامتاً يدور في صالة المسرح. واعتمد في تنفيذه على القدارات التمثيلية المميزة للفنان عبدالله السعداوي الذي استطاع تجسيد كثير من أحاسيس وانفعالات ومشاعر الفنان المحبط المتألم من خلو الصالة من الجمهور وهو من استعد لتقديم دوره على خشبة المسرح. رسالة الفيلم واضحة فهو يعبر عن الحال الذي وصل إليه فن المسرح في البحرين. بقي الفيلم صامتاً وبقيت كاميرا جمال الغيلان تدور حبيسة صالة المسرح حتى اللحظة التي خرج منها السعدواي لنراه في المقبرة يتحدث مع الأموات بعد أن يأس من الأحياء. وهنا اتفق مع ما قيل في اللقاء الذي اعقب عرض الفيلم من أن نهاية الفلم في صالة المسرح وبقاء الفيلم صامتاً كانت ستكون أوقع وأكثر تأثيراً.

«خسوف»

أما فيلم “ خسوف” الذي كتبه عبدالله السعداوي وأخرجه مع الفنان احمد الفردان ( 28 دقيقة) . فسعى منذ البداية لملامسة حالة الاحتقان التي يمر بها المجتمع البحريني نتيجة الأزمة السياسة التي مرت بها البلاد بعد أحداث 14 فبراير وانعكاسها على إفراد المجتمع، من خلال شخصية شابين ينتميان إلى الطائفتين الكريمتين نراهما يقفان على جانبي الكادر في لقطة جميلة على ساحل البحر ثم يتواجهان ويتصارعان بالسكاكين في قتال ضارى. لاحقاً نكتشف انهما صديقين وانهما من أبناء الطائفتين الكريميتن وان علاقتهما تأثرت بالأحداث. تجول بعدها كاميرا الفردان في لقطات ومشاهد لموكب عزاء وحلقة تطبير (تشخب بالدماء) ولقطات لشوارع وأحياء وبشر. رجل طاعن في السن يفتح باباً. لقطة طويلة نسبياً لرجل (حسين الرفاعي) يدخن وهو في حالة توتر. ونشاهد رجلاً يخرج من المقبرة ويسمع ما يدور من حوله ويصبح رجلاً ناقم على من حول فيظل يردد غاضباً “ أنا صفوي أنا يزيدي “ وهي الاتهامات نفسها التي نقرأها ونسمعها تترد في الشارع وفي بعض وسائل الإعلام. كانت حوارات الصديقين القصيرة تؤكد علاقتهما القوية وأنهما يجب أن يتزوجا أختين. اللقطات والمشاهد دائماً بحاجة للجمع والتركيب.

إنتاج متعثر

يأخذنا الفيلم بعدها لمنحى آخر فيعرض صوراً للحرب الأهلية اللبنانية وهي تحذير من تطور الوضع في البحرين. ثم ينتقل الفيلم للحديث عن العبث بالبيئة من خلال عدد من المشاهد، ثم يتحدث عن وحشية المدن وقسوتها من خلال صوت احد الصديقين ومشاهد لمباني حديثه وجثة مغطاة ملقاة بجانب الطريق. ينتهى الفلم بلقطات قريبة لوجه الرجل الذي خرج من المقبرة وهو يصرخ صراخاً قوياً دون أن يسمعه أحد. ونحن ندرك ماذا يريد أن يقول !!.

لا شك أن هناك جهداً كبيراً بذل في إنتاج هذا الفيلم خصوصاً وهو يسعى إلى أن يبتعد بمسافة عن أسلوب السرد التقليدي والتسلسل الموضوعي المعتاد. إلا أن تبعثر المشاهد وعدم ربطها من خلال أحداث أو شخصية يمكن متابعتها اعتقد أنها أحدثت شيئاً من الارتباك في التركيز على مضمون الفيلم خصوصاً وهو يتناول أكثر من قضية جديرة بأن تصبح موضوعاً لأفلام قصيرة أخرى. كما أعتقد أن الفيلم وقع في المباشرة وكشف عن نفسه منذ المشهد الأول مفقداً نفسه ميزة التشويق، كما عوّل على خبرة المتلقي في أدراك وفهم ما يدور على الشاشة وهي خبرة محصورة في المشاهد البحريني فقط ولن تتاح لغيرة. كانت هناك بلا شك لقطات ذكية وتلميحات مهمة لكني شعرت بأن ثمة خطاً وهمياً أحمر وقف عنده المؤلف المخرج وقرر عدم تجاوزه. وهذا يؤكد أن الوقت لم يحن بعد لتناول القضية الشائكة التي تصد لها الفيلم.