كتب - إبراهيم عبدالرحمن مطر:
المرحوم الفنان محمد عيسى بوشقر أحد فناني البحرين، ولد في مدينة المحرق في فريج البنعلي العام 1945، وتوفى في المنامة 3 مارس 2003. كان من عشاق فن الصوت، وأكثر أغانيه تنبع من هذا الفن الشعبي العريق، إذ غنى تقريباً كل فنون الصوت، لكنه تميز في غناء القصائد العربية وأبدع فيها، وسجلها عبر إذاعة البحرين، وهي أغنيات لا تزال تذاع على موجة 95.0 إف إم، كما سجل بعض الأغاني في تلفزيون البحرين.
الشغف بالعود
ظل بوشقر مغرما بآلة العود، الأمر الذي جعله كثير التردد على الفنان صالح بن هلال بوشقر، ليستمع إلى عزفه، كما كان يصاحبه على آلة المرواس لأداء فن الصوت، حتى تمكن منه الولع، فصنع آلة عود من صفيحة حديدية، وشد عليها خيوطاً من النايلون لتحل محل الأوتار، وكان عوداً بدائياً يوفى بالغرض في ذلك الوقت، ورغم إنه التحق العام 1962 بقسم المعلمين بصفي الثالث والرابع علمي، فاجتازهما بنجاح وبدأ مهنة التدريس في المدرسة الوسطى، إلا أنه لم يستطع أن يوفق بين العمل كمدرس وممارسة الفن، فترك وظيفته ليعمل بوظيفة كاتب في دائرة إسالة المياه، حيث استطاع التوفيق بين عمله وفنه. وقدم كثيراً من الحفلات الخاصة بالزواج وحفلات النوادي التطوعية، كما تعامل مع كثير من شعراء الأغنية البحرينيين ومنهم ناصر أحمد الربيعان وحسن كمال وغيرهم من الشعراء.
«على العقيق اجتمعنا»
قدم الفنان محمد عيسى بوشقر العديد من الأصوات الشعبية منها “على العقيق اجتمعنا”، “يا أمنية الروح”، “تعيش انت وتبقى”، “دعونى على الأحباب”، وغيرها من أصوات كثيرة أخذت جانباً من الشهرة، وتركت صدى جميلاً في تسجيلات الإذاعة والتلفزيون. وكانت أولى مشاركات بوشقر الفنية في العام 1955 على مسرح مدرسة عمر بن الخطاب، حين أدى دور التمثيل والعزف على آلة العود وآلة الناي في هذه المسرحية، وتلت هذه المشاركة مشاركات عديدة له على المسرح نفسه، وآخر مشاركاته كانت السهرة الفنية التي قدمها تلفزيون البحرين بمناسبة عيد الفطر المبارك من إعداد الفنان إبراهيم حبيب وإخراج أحمد يعقوب المقلة، وتم تصويرها ضمن مجموعة جلسات وأغاني لكبار المطربين الشعبين في البحرين، وتم إعادة توزيع بعضها بأسلوب حديث.
مطرب محبوب
حظي الفنان بوشقر بحب الناس. وكان من الأصوات التي تعتز بها المحرق وتفتخر بأن يكون أحد أبناءها، وكان يسكن في بيت متواضع مقابل بيت المرحوم يوسف بوحجي في خمسينيات القرن الماضي. عشق الموسيقى والغناء ولشدة ولعه بالأغاني الشعبية والأصوات أصبح من المطربين المعروفين نهاية الستينيات بداية السبعينيات، وكان أحد أعمدة فرقة نادي المحرق الثقافي الموسيقية، التي ضمت العديد من الفنانين المعروفين على الساحة الفنية من مطربين وعازفي العديد من الآلات الموسيقية كالكمان والأوكورديون والقانون والطبلة والمرواس وجميع الآلات الموسيقية المتوفرة في ذلك الوقت. كان من زملائه عازف القانون الفنان علي سند، الذي قام بصناعة القانون بنفسه، حيث كان يعمل آنذاك في شركة نفط البحرين بابكو، فبالإضافة لكونه فناناً مبدعاً كان صانعاً حرفياً متميزاً يعمل كثيراً من الأشكال الخشبية الرائعة، فصنع لنفسه هذا القانون الجميل الذي يعزف عليه يومياً أو يتدرب على العزف للاَغاني الجديدة لكل المطربين الأعضاء في النادي وبالذات في الفرقة الموسيقية التي تعتبر في ذلك الوقت من الفرق المرموقة المعروفة في البحرين على الأقل لدى فناني ذلك الجيل الصاعد. وتضم مجموعه من الفنانين والمطربين المخضرمين ما زالوا يثرون الساحة الفنية بأغانيهم وأحاسيسهم المرهفة تجاه فنهم وطنهم وجمهورهم.
صداقتي به
توطدت صداقتي بالفنان المرحوم، عندما انضممت إلى نادي المحرق الثقافي العام 1968، وفي تلك الفترة كنت طالباً في الصف الثاني إعدادي بمدرسة طارق بن زياد الإعدادية بالمحرق، وتعرفت على كثير من أعضاء النادي وأصبح بعضهم من الأصدقاء، وكنت أتردد على النادي يومياً من العصر حتى المغرب، حيث كان أعضاء الفرقة الموسيقية يتواجدون في النادي للتدريب على العزف، فكنت أجلس في زاوية أستمع لأغاني المطربين الموجودين، وأنا مسرور جداً ونفسي تنشرح لسماع الموسيقى من ناي وعود وكمنجة وأكورديون وطبلة، حتى قبيل أذان المغرب يتوقف العزف احتراماً وإجلالاً لصوت الحق الواجب على كل مسلم. وأتذكر من المطربين الأعضاء بالنادي الفنان المرحوم محمد محرقي، الفنان يعقوب بومطيع، والفنان يوسف أحمد الزياني والفنان جعفر حبيب والفنان المرحوم محمد بو دحمة والفنان فاضل يوسف وغيرهم من الفنانين لا تحضرني أسمائهم. أما عن عازفي الآلات مثل الكمان فكان هناك الفنان سعد، محمد جمعان، عبدالعزيز الزياني، عيسى الزياني وكذلك الأكورديون والطبلة وغيرها، وكان للنادي مسرح يتم فيه إحياء الحفلات الغنائية خصوصاً في الأمسيات الجميلة كالأعياد، تستمر هذه الحفلات من أول يوم العيد مساءً. كما تقدم التمثيليات والمسرحيات إلى نهاية العيد. كذلك كان النادي يضم فرقة تمثيل بها عدد من الفنانين المبدعين مثل المرحوم يعقوب مسعود، وشيخ طه الكاف ومحمد الجزاف والفنان إبراهيم الغانم وجاسم عبدالله خلف فخرو والفنان أحمد الزياني، وغيرهم لا أتذكرهم.
تميز نادي المحرق
كان نادي المحرق الثقافي بمثابة شعلة حركة ونشاط متوقدة قلما تجد مثيل لها الآن في النوادي المنتشرة بالبحرين، أما بالنسبة لي فالنادي كان مساحة كبيرة واسعة من المعرفة والثقافة والحب لكل ما يوجد بالنادي من وسائل كالفرق الموسيقية والمسرحية والمكتبة والألعاب الرياضية، وكل الوسائل المتاحة في ذلك الوقت، وجميع أعضاء النادي، ومعرفتي بهم عن كثب كانت كنزاً مليئاً بالحب والألفة والحيوية والنشاط والثقافة والتراث، تعلمت منهم العمل الدؤوب والإخلاص فيه والعمل كفريق واحد مما ساعدني كثيراً في حياتي الاجتماعية والعملية وتعاملي مع الناس ومختلف النماذج البشرية.