لا زالت أسعار النفط على المستوى العالمي في منحنى هابط منذ منتصف مايو الماضي، كما إن مشكلات منطقة اليورو وتباطؤ النمو في الصين تلقي بظلالها على سوق النفط. ومن جانبها، تراقب دول الخليج المنتجة للنفط السوق عن كثب وتأمل أن يكون التراجع ظاهرة عابرة لا أكثر. يشار إلى انه في 13 يونيو، أغلق سعر خام برنت الأوروبي عند 96.7 دولار للبرميل، أي أدنى بأكثر من 25% عن الذروة التي بلغها في مارس - وفي أدنى مستوى له منذ يناير 2011. وعلى نحو مماثل كان خام غرب تكساس المتوسط هبط إلى 82.6 دولار للبرميل - أي في نفس المستوى الذي كان عليه في أكتوبر 2011. ومنذ ذاك الحين، كسب خام النفط دولاراً واحداً أو اثنين، لكنه ظل أدنى من الرقم المهم سيكولوجيا و البالغ 100 دولار للبرميل. وكانت حكومات المنطقة كررت مراراً بأن سعر 100 دولار للبرميل يعتبر سعراً عادلاً و من ثم يجب الحفاظ على هذا المستوى، إذا ما أريد المضي قدماً في تنفيذ مشروعات البنية التحتية و برامج تنشيط القطاع الخاص و خلق المزيد من فرص العمل. زيادة الإنفاق في أوائل العام الماضي أعلنت حكومات دول مجلس التعاون عن خطط تقوم على زيادات هائلة في الإنفاق العام. وعلى سبيل المثال، أعلنت السعودية عن زيادة في الإنفاق بنسبة 23% للعام 2011، بينما أعلنت البحرين عن زيادة تصل إلى 44% لميزانية العامين 2011-2012، وفي قطر تم الإعلان عن زيادة بنسبة 28%. يشار إلى أن غالبية الزيادة كانت موجهة إلى رفع أجور القطاع العام، مزايا التقاعد و الاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية، كمساكن ذوي الدخل المحدود و المدارس و المستشفيات. والحقيقة أن زيادة الميزانيات أجبرت حكومات دول المجلس على زيادة الاعتماد على عوائد النفط والغاز. وضمن دول المجلس، يلاحظ أن البحرين الدولة الأكثر حاجة إلى أسعار النفط المرتفعة العام 2012، حيث يجب أن لا تقل عن 119 دولارا للبرميل، وذلك طبقاً لبيانات صندوق النقد الدولي الذي يتخذ من واشنطن مقرا له. وتأتي الإمارات في المرتبة الثانية، عند 84 دولارا للبرميل، ثم السعودية عند 71 دولاراً للبرميل. وفي حين باتت أسعار النفط تتعرض لضغوطات في الوقت الحاضر، قد تضطر الحكومات إلى التردد في ضخ أية استثمارات جديدة إلى السوق. وأن التوقعات الاقتصادية العالمية غير المشجعة دفعت المحللين الاقتصاديين إلى مراجعة توقعاتهم بشأن أسعار النفط للفترة القادمة من العام الجاري. وعلى سبيل المثال فان “بنك أوف أمريكا ميريل لينش” عدل توقعاته لخام برنت للنصف الثاني من العام إلى 106 دولار للبرميل بعد أن كان 116 دولاراً للبرميل. كذلك عدل توقعاته للعام القادم من 120 دولاراً لبرميل خام برنت إلى 110 دولار. وحسب البنك فإن توقعاته المعدلة تأخذ في الاعتبار الاستجابات السياسية للأزمة الاقتصادية في أوروبا، وإنه إذا قررت اليونان ترك منطقة اليورو أو أن النظام المالي الأوربي أصيب بالانهيار، فإن البنك سيضطر إلى تعديل توقعاته من جديد وسيضع سعر خام برنت عند 60 دولارا للبرميل للأشهر الـ 18 القادمة. ويظهر الوضع الحالي غير المستقر على وجه يتعارض تماما مع الصورة التي كان عليها في نهاية العام الماضي، عندما بلغ سعر برنت 107 دولار للبرميل ولم ينزل عن 100 دولار طوال سنة واحدة. وفي الأشهر التي تلت ذلك، صعدت الأسعار على خلفية زيادة التوترات مع إيران بشأن برنامجها النووي وكذلك تهديدات طهران بإغلاق مضيق هرمز الذي تمر عبره شحنات النفط إلى باقي أرجاء العالم. كام إن فرض حظر على صادرات النفط الإيرانية و الحديث عن شن ضربة عسكرية وقائية على إيران دفعت الأسعار إلى مستوى عال لم تبلغه منذ 4 أعوام عندما وصل إلى 128 دولاراً للبرميل. إلا أن تلك المخاوف تراجعت اليوم بعد أن وافقت طهران على الدخول مجدداً في مفاوضات نووية وقيام الدول الأعضاء في “أوبك” بزيادة إنتاجها لسد النقص الناجم عن توقف الإمدادات الإيرانية. وإذا ما ظلت أكبر الاقتصادات في العالم تجاهد للخروج من أزماتها فإن أسعار النفط لن تستعيد عافيتها. وفي هذا الشأن فإن توقعات النمو الاقتصادي في أوروبا للعام الجاري غير مشجعة، ففي حين تشير التوقعات إلى تقلص النمو بنسبة 2% في كل من إسبانيا وإيطاليا، لن يشهد الاقتصاد الألماني نمواً يزيد عن 0.1%. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا سيحدث إذا ما استمرت أسعار النفط في الهبوط. لقد جرت العادة أن ترد الدول المنتجة باللجوء إلى خيار تقليص الإنتاج من أجل وضع حد للعرض المتوفر في السوق، إلا أن تدني أسعار النفط ومستويات الإنتاج لها تأثيرات واضحة على قدرات هذه الدول على الإنفاق. وسوف تتفاقم المشكلة إذا ما تراجعت الأسعار بسبب ظروف تتعلق بالاقتصاد العالمي وتقع خارج سيطرة الدول المنتجة وتأثير سياساتها. وعندها لن تجد هذه الدول مفرا من تعديل ميزانياتها و تقليص الإنفاق العام، ما سيؤدي بدوره إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي من جديد.