المحامية فـاطمة بوجيري
كان لذيذ شهي زغب خفيف لا دسومة به، كان رجلاً جامعاً للرومانسية، كان بدراً تمنته من الجذور، من العبق، حتى تسمّمت منه، باختصار كان سماً لطيفاً جداً جداً، كان بدراً بالسماء، وهي امرأةٌ بالأرض. نطاقان مختلفان، حياتان متضادان، أُغرمت به ناسية أن الكواكب لا قلوب لها كالبشر.
أخبرَته أثناء علاقتهما، إن كنت لعوباً أوهمتني بالحب من أجل متعتك، فأعلمني الآن فلن أثقل كاهلي بالزعل، بل على العكس تماماً سوف أُقدِّر صراحتك وسوف أُنهي العلاقة التي تربطنا وكأن شيئاً لم يكن. بالتالي لن يجرح أحد منا كوننا أوضحنا الأمور على أوائل الورق، أجابها أنا أعشقك.. أتعلمين ما هو الحب؟! أنتِ هو، أنتِ جعلتِني أغرم من جديد لأعيش مولوداً حديث البروز أنتِ حبيبتي فما الذي تقولينه من تفاهات!! أرجوكِ أنتِ كل شيء كل شيء في دنياي لا تكرري هذا الحديث فهو مزعجٌ بحق.
صورته في قلبها كالبدر، كالكوكب الناصف للشهر، أبيض مشع بهدوء بجمال سماوي بالفضاء، كانا يومياً بل بالثواني يتغزلان ببعضهما بعضاً، لا مجال لمفهوم الشبع بينهما، فقد كان هو شاعر رومانسي لأبعد نطاق ممكن تصوره، وهي أرق قلب امرأة قد خلق وأصدق إحساس قد وجد، بريئة المشاعر، نقية اللسان، أحبته بشدة وإن كانت كلمة الحب لا توفي غرامها أبداً بالمرة.
ولكن لنرجع قليلاً للواقع والمشكلة الكبرى، فقد كان ذلك البدر -بالأربعينات من عمره- متزوجاً وأباً بذات الوقت، وكانت الفتاة بالعشرينيات من عمرها بمقتبل حياتها واعية الفكر والمنطق رومانسية الفؤاد، ذات منصب جيد ومحترم من قبل الجميع. في البداية استصعبت الأمر كثيراً، فكيف يمكن أن تعشق رجلاً صاحب أُسرة!! فكرت كثيراً إلى أن تناولت جرعات من البدر ووصلت لفكرة أن الحبَ لا عمر له وإن كان الفارق خمسة عشر عاماً فيما بينهما، كانت ترى مصطلح الحب أمنية وقد تحققت لها مع هذا البدر المنتظر، وصلت بفكرة أنه لا عيب في أن تشاركها امرأة أخرى مادام بدرها يعشقها كل ذلك العشق الخيالي غير الموجود بنظرها إلا بالقصص المكسيكية، فكيف تستطيع أن ترد رجلاً شكلته بأحلامها فقط لتجده الآن على أرض الواقع فلا يمكن أن تتركه يطفو من بين يديها، ففي النهاية ليس هناك رجل كامل، فلابد من وجود نتوء بأي إنسان كان.
واستمرت العلاقة وتعددت اللقاءات بينهما وزادت اللذة الغرامية واشتدت الحرارة القلبية، إلى أن لاحظت الفتاة أن رجُلها البدر قد تغير قليلاً، ما بك يا رجُل هل من أمر يزعجك؟!! كان يجيبها بأنه مشغول بإجازته السنوية فيقضيها مع الأُسرة ومع احتياجات أبنائه المعنوية كونه أباً. صبرت لفترة لأنه بالفعل مسؤول عن أُسرته وهذا أمر طبيعي، إن كانت تحبه فهي تحب ما في صالحه، ودائماً ما كانت تُردد «الذي ليس فيه خير لأهله فلا خير فيه مع الآخرين، واستمر الوضع جافاً هكذا، صارحته ما هذا التصرف، ما بك، لماذا تعاملني بجفاف؟!، أخبرها لا شأن لك فأنا حر أفعل ما أشاء وأذهب أينما أرغب فاصمتي، فصمتت يوماً.. يومين.. ألخ.... هو كذلك كان صامتاً بشكل مؤذٍ.
نغمة الهاتف أتعبتها اضطرت لكتم صوته، كلما استمعت لرنينه خفق قلبها اشتياقاً، لترى أن المتصل ليس هو، حتى قررت تركه، أو بالأحرى استفاقت من قوقعتها السماوية ومن حلمها بأن رجُلها كان بدراً!!!!..
صدمت صدمة قوية، أهذا بدري؟ أهذا حبيبي؟! من أنا؟.. أهكذا أنا ساذجة بلهاء؟! لا أصدق ما يحدث، لقد اختفى البدر.. اختفى تماماً وكأنه ماء وقد تبخر..
أجهشت عيناها بكاءً من شدة عشقها للبدر، بدر بالفؤاد وبالروح، لطيف بلا جروح. اقتربت كثيراً من ذلك الكوكب لترى حجارة ورمالاً رمادية، شهقت أهذا بدري؟!! لتصمت أبداً، أبداً، أبداً...
تذكرت حينما كانت تخبره بضحك وفكاهة ماذا لو كنت لعوباً قذراً تكذب علي وهي تضحك حينها، لم تعلم أنه هكذا بالفعل، لم تعلم أنه سواد متجسد بهيئة إنسان، شر متلبس، أنانية شيطانية، ليقذف بقلبها سموماً قاتلة تتناولها بلطف وهي لا تعلم.
لم تعلم أنها كبرت، ما زالت تتسم بسذاجة العذارى، ترى أغلب البشر بنية بيضاء، ليست ملاكاً، ولكنها لم تكن شيطاناً رجيماً كما البعض، لم تعلم متى ستكبر، متى؟!!
الرجال من تلك الفئـة السالفة الذكر بنظري مرضى نفسيين، لا أستطيع تشخيص ذلك المرض فذلك ليس باختصاصي، وإنما هو كذلك، فبعض الشعراء مرضى. فالله تعالى يعطي مواهب ولكن يأخذ بالمقابل أشياءً أخرى لا أحد يعلمها، وهو بالفعل شاعر معروف ذو كتابات جريئة وجميلة جداً ومؤثرة أشد التأثير، ذو منصب ممتاز، واجتماعياً هو رجل محبوب ويترك انطباعاً جذاباً ومغرياً وكأنه من اخترع الاحترام والأخلاقيات.
بالنهاية يجب أن تتعلم الأنثى أن الرجل ليس بالظاهر أو حتى بالكلام، الرجل لا يمكن معرفته إلا بالعشرة مع الوقت، فنحن النساء ننتظر نصيبنا بالحب والزواج من دون أخذ الاحتياطات اللازمة، ليس لأننا لا نستطيع، بل لأننا خلقنا بمجتمع محافظ ذي عادات وتقاليد ملزمة عرفاً، لا يمكن كسرها وتشتيت سمعتنا من أجل ضمان المستقبل، كل شيء قسمة ونصيب وقضاء وقدر، والحظ يلعب دوراً في الذي سوف نرتبط به من رجال، سمعتنا هي الأهم بغض النظر عن مستقبلي الذي سوف أواجهه، فليس هناك من رجل يستحق أن أضحي بكرامتي من أجله وأعيش عِشرة غرامية بالخفاء معه حتى أضمن حياتي مستقبلاً!! لا يهمني ذلك فإن كان شهماً فأهلاً وسهلاً، وإن اتضح بعد الارتباط بأنه قذر فوداعاً وانتهى.
آلمتني شخصياً حينما قالت لي:
كان بدري دنيا بجميع أجزائها، فكيف لدنيايَ أن تكذب.....
مؤلم أن تبكي بصمت، تدمع من دون دموع، فقط بحزن صامت مكتوم اللسان، مغلق القلب، لتتمعن بصراً بالسقف وأنت مستلقٍ بفراش السذاجة، وتتذكر من ناولك الكذب حتى تصمت للأبـــد.
من القلب:
استحالة..
ولو بغيتك أنتَ منتَ لي..
يا وجع منك اليوف ممتلي..
يا نشل أخضر ملبوسٍ علّي..
تحليني وأحليك..
وبالعسل كلك أخليك..
ولو بغيتك....
استحالة... استحالة...