^ كان من الطبيعي والمنطقي أيضاً أن يتابع المرء وقائع اللقاء الإيراني مع مجموعة (5+1) التي تضم، إضافة إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ألمانيا، من أجل استقراء مصير “الملف النووي الإيراني”، لولا مجموعة أخرى من اللقاءات والتصريحات، التي سبقته ورافقت جلساته وتمخضت عنها حواراته، والتي كانت جميعها تشير إلى وجود بند آخر خفي لم يفصح عنه، لا يقل أهمية عن ذلك الملف، كان السبب وراء ذلك اللقاء ويتطلب الأمر عدم الكشف عما دار بشأنه، وهو ملف مستقبل الشرق الأوسط في ضوء الأحداث التي تمر بها دوله العربية. أول تلك المؤشرات كانت تعريج رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على طهران في طريق عودته من مؤتمر سيول للأمن النووي في نهاية شهر مارس 2012، واجتماعه بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والتقائه في وقت لاحق من الزيارة مع الزعيم الديني الإيراني آية الله علي خامنئي، حيث عالج قادة البلدين خلال تلك اللقاءات، إضافة إلى “شؤون الطاقة النووية للأغراض السلمية، وقرارات قمة سيول النووية، ما يتعين القيام به لإنهاء العنف في سوريا، ومكافحة الإرهاب فضلاً عن تناول الموضوعات التجارية”، إلى جانب الانزعاج “من إراقة دماء المسلمين في سوريا ومن تدخل القوى الخارجية في المنطقة، وضرورة تقرير الشعب السوري لمستقبله عن طريق الانتخابات”، الأمر الذي يشير إلى رغبة تركيا في استمزاج الموقف الإيراني من أحد البنود التي ستتم مناقشته على مائدة لقاء إسطنبول، الذي كان يفترض أن تخصص جلساته للبحث في مصير “الملف النووي الإيراني” وحده. ثاني تلك المؤشرات هي تلك المحادثات التي جرت بين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، على أبواب انعقاد لقاء إسطنبول (الجمعة 13 إبريل 2012)، والتي تركزت “على الوضع في سوريا غداة دخول وقف إطلاق نار هش حيز التنفيذ، وبحث مجمل الأوضاع والتطورات على الساحتين الإقليمية والدولية وموقف البلدين الشقيقين منها”. في ذلك اللقاء السعودي التركي محاولة واضحة لتأكيد حضور المحور “السني / العربي” الشرق أوسطي، عند تناول اجتماع إسطنبول لموازين القوى المؤثرة في أي مشروع شرق أوسطي يمكن أن يضع تصوراً يؤدي لاستقرار المنطقة، ويحمل موافقة الأطراف الرئيسة المؤثرة في اتجاه الأوضاع المتفجرة فيها. ثالث تلك المؤشرات كان عدم تزحزح الموقف الإيراني بل وتطرفه من مسألة “الملف النووي الإيراني”، منذ أن فشلت تلك المفاوضات في اللقاء الذي استضافته إسطنبول أيضاً في يناير 2011، والذي أدى إلى فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات نفطية على إيران التي رفضت الخضوع للضغوط الغربية الساعية إلى وقف سعيها إلى امتلاك السلاح النووي. أكد ذلك بيان صدر عن وزراء خارجية المجموعة (5+1) على عتبة انعقاد لقاء إسطنبول، جاء فيه أن “عدم التزام إيران المتواصل بالتزاماتها بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، والوفاء بمتطلبات قرارات مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يسبب القلق البالغ”. ولم تأت تلك المخاوف من الفراغ، بل جاءت في ضوء قراءة متوازنة لتأكيدات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على “أن إيران لها كل الحق في مواصلة برنامجها النووي الذي أكد دائماً أنه لأغراض سلمية بحتة، وأن الشعب الإيراني يتمسك بشدة بحقوقه الأساسية، ولن يتراجع قيد أنملة عن حقه الثابت رغم أقسى الضغوط”. يتسق إصرار إيران على التشبث باستمرارها في مشروعها النووي تقرير أخير صادر عن وكالة الطاقة الدولية جاء فيه “اتهام صريح” من الوكالة لإيران بأنها “لا تقدم التعاون اللازم، وبأنها غير قادرة على توفير التطمينات بعدم وجود نشاطات ومواد نووية إيرانية غير معلن عنها”. تجدر الإشارة إلى نجاح إيران في الوصول إلى نسبة تخصيب تبلغ 3.5%، الأمر الذي يعني وفقاً لتقارير دولية موثوقة “أنها تستطيع في أي وقت أن تعود للتخصيب إلى نسبة 20%، ثم 60، و90%، وربما تتمكن في هذا الوقت من امتلاك المعرفة والتقنية لنصب شحنة نووية على صاروخ عابر”. يستنتج من ذلك أن يومين من المحادثات لن تقنع إيران وبالسهولة التي روجت لها بعض أجهزة الإعلام، بتغيير مشروعها الاستراتيجي النووي، ومن ثم فلابد أن يكون هناك بند آخر على جدول المحادثات. المؤشر الرابع هو السياسات الغربية المشككة أيضاً في صدق النوايا الإيرانية والمتشائمة أيضاً من إمكانية تغيير الموقف الإيراني. جاء ذلك على لسان الحكومة الألمانية التي أعربت قبيل انعقاد لقاء إسطنبول “عن توقعها ألا تسفر الجولة الجديدة من المفاوضات الدولية حول الملف النووي الإيراني عن نتائج ملموسة”. وأوضح نائب المتحدث باسم الخارجية الألمانية مارتن شيفر أن “الاجتماع المقرر في مدينة إسطنبول التركية اليوم السبت بين إيران والقوى الغربية يمثل استئنافاً للمحادثات وتحديد الموضوعات والاتفاق على موعد جديد لمواصلة المفاوضات”. الأسوأ من ذلك، على صعيد الشك في صدق النوايا الإيرانية، هو الموقف الأمريكي الذي عبرت عنه تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، التي دعت إيران إلى “البرهنة بوضوح وبالأفعال على أنها تخلت فعليا عن أي نية لإنتاج سلاح نووي”. وأكدها نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي بن رودس، الذي رغم وصفه لمحادثات إسطنبول بشأن الملف النووي الإيراني بأنها “خطوة أولى إيجابية”، لكنه استدرك ذلك وعاد كي يطالب “طهران أن تظهر الجدية بشأن دفع الحوار إلى الأمام”. كل تلك الأنشطة والتصريحات تشير إلى أن هناك بنداً آخر غير معلن عنه كان مدرجاً على طاولة لقاء إسطنبول، دون أن يعني ذلك غياب الملف النووي الإيراني من جدول المحادثات، وهو ملف الشرق الأوسط الجديد، الذي يبدو أنه نوقش، وكان نصيبه من المداولات أكثر من تلك التي حظي بها الملف النووي الإيراني الذي أرجأت مناقشته إلى لقاء آخر يعقد في بغداد في الشهر القادم. ناقش الحاضرون هذا الملف الحيوي بالنسبة للكتلة العربية في غياب كامل لها، اللهم إلا إذا اعتبرنا اللقاء السعودي - التركي الذي سبقها هو توكيل للأتراك بالدفاع عن المصالح العربية، أو تبيان المواقف العربية من مؤتمر مصيري شاركت فيه القوى الرئيسة ذات العلاقة. بقيت نقطة لابد من الإشارة لها، وهي أن غياب الكيان الصهيوني المباشر، لا يعني عدم مشاركته، فهناك أكثر من دولة بوسعها أن تنوب عنه وتدافع عن مرئياته لذلك المستقبل
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}