^  في الوقت الذي تشعر إيران بأنها محاصرة دولياً وشبه معزولة عن العالم، وبعد أن عمل المحافظون دون هوادة على تخريب كل الجهود السابقة لبناء الشراكة والتعاون مع الجوار العربي، وبعد أن استشعرت- في ظل سقوط العراق العربي ووجود حكومة عراقية موالية لها- أنها قد باتت في موقع من يمكنه أن يبتز المنطقة ويستخدمها كأداة للمناورة والمزايدة، تحول النشاط الإيراني الذي كان أيام الإصلاحيين يهدف إلى رتق الخرق الذي تسببت فيه سياسات تصدير الثورة، إلى محاولات مكشوفة وفجة للتدخل في الشأن العربي سواء في الخليج العربي أو في مناطق عربية أخرى، تمتد من العراق إلى لبنان وسوريا وغزة ومصر.. فكان من نتائج هذه السياسة التمددية وهذه الهجمة العدوانية على عرب الخليج أن نجحت قيادة المحافظين في إثارة بعض القلاقل في المنطقة، توجه السيد أحمدي نجاد إلى زيارة أبو موسى هذه الجزيرة الإماراتية المحتلة، مطلقاً تصريحات، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها استفزازية ومعادية للعرب. إن استمرار إيران في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث والتي سيطرت عليها غداة انسحاب البريطانيين منها في 1971، قد أضر بعلاقاتها مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما أضر بعلاقاتها مع كافة العرب، وبصورتها بين الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج كدولة احتلال، كما أضر بمصداقيتها كدولة تحاول أن تسوق مشروعها السياسي-الديني على أنه مشروع مقاومة، ولكن كيف تتأتى مقاومة الاحتلال الصهيوني وهي التي تحتل أراضي العرب؟ إنها مفارقة مدهشة تجعل من المستحيل على العرب أن يصدقوا الدعاية الإيرانية والبروباغاندا السياسية الدينية اليومية، والتي لا يمكن استيعابها إلا في سياق روح الهيمنة، ومن المؤكد أن مثل هذه السياسة العدوانية تنهي أي احتمالية لضم إيران في ظل سياساتها الحالية إلى أي منظومة أمنية خليجية أو لتخفيف العلاقات العسكرية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول الغربية في ظل التهديدات المتزايدة لأمن الخليج العربي ودوله وشعوبه. فإذا كانت إيران صادقة في توجهاتها وراغبة بالفعل في إقامة شراكة إقليمية وبناء أسس الأمن والسلام وإبعاد المنطقة عن الصراعات والحضور الأجنبي الذي يستنزف الجميع، لكانت قبلت باللجوء لمبادئ القانون الدولي وإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية، خصوصاً في ظل الدعوات الصادقة والمتكررة من دولة الإمارات العربية المتحدة ومن دول مجلس التعاون الخليجي لبناء نمط من العلاقات الإيجابية بين دول المجلس وإيران، وليس هناك شيء يعيق تطوير هذه العلاقات إلا من أمرين: الأول تعزيز إجراءات بناء الثقة بين إيران ودول المجلس، وهذا يتطلب توقف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتوقف عن إشعال نار الفتنة الطائفية من خلال إعلامها المأجور والموجه إلى المنطقة على مدار الساعة بالإضافة إلى ما تقدمه من دعم مباشر ومعلن إلى القوى التي تعمل على الفوضى وخلق الاضطرابات في أكثر من دولة عربية، تحت عنوان الديمقراطية والحرية، في حين تعلم إيران قبل غيرها أن نظامها أبعد ما يكون عن الديمقراطية والحرية. الثاني حل أزمة الجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات واحترام السيادة ووحدة الأراضي لدول الجوار سواء على إقليمها البحري أو حتى الإطار الذي يتم باحتلالها لجزر دولة ذات سيادة. فمن أجل بناء شراكة حقيقية تحفظ المصالح المشروعة لكل طرف فإنه يتطلب الأخذ بما أخذت به دول المنطقة من حيث اللجوء إلى التحكيم الدولي كإجراء سليم من خلال أعلى سلطة قضائية في العالم، وذلك للبت في هذا الخلاف المزمن خاصة وأن التجارب التي جرت في المنطقة قد أشارت إلى أن الأحكام التي صدرت من هذه المحكمة قد راعت جوانب الحق والعدل والشرعية دون انحياز لأي من طرفي النزاع.