وقفت متأملة مقابلة الدكتور خليفة بن دينة في تلفزيون البحرين التي أجرتها الدكتورة وفاء الشربتي وبثت قبل أيام، هذا الدكتور الفاضل ورغم ذياع صيته في المهنة، وعلاقته المتميزة مع مرضاه، إلا أنه أضاف في هذه المقابلة بعداً جديداً لشخصيته، حق تسجيلها ووضعها موضع التأمل، فكلماته كانت بمثابة الدروس الحياتية القيمة التي يراد لها الترويج والنشر.
يقول الدكتور إنه عانى من مرض عضال لم يكن ليشفى منه لولا رحمة الله به وثم دعاء جميع مرضاه له بالخير والشفاء خلال فترة علاجه، مبدياً امتنانه لمستشفى قوة دفاع البحرين الذي ابتعثه على نفقة الدولة للعلاج في أحسن المستشفيات في العالم -حسب وصفه- معاهداً نفسه بأنه سيظل يخدم البحرين وأهل البحرين بكل تفانٍ وإخلاص.
سجل د.خليفة بن دينة بصوته الأجش وعيونه المتلألئة بالدموع كلمة شكر عميقة إلى زوجته فوزية الحسن التي ساندته خلال فترة علاجه لسنة كاملة تاركة أبناءها وبيتها من أجل شريك عمرها، وكم أثرت فيني كلماته عندما ذكرها بالاسم وهو بالكاد يستطيع إنهاء جملته من فرط انفعاله.. ومن الدروس التي قدمها الدكتور أيضاً، إنه وصف أهل البحرين بالإخوة سنة وشيعة، وأكد على أصالة البحريني وطيبته وأخلاقه وكلها دروس تبين المعدن الأصيل لابن هذه الأرض.
بن دينة قدم اكتشافاً طبياً سيسجله باسم البحرين، وهو أسلوب جديد في تغليف المعدة بغشاء يأخذه الجراح من جسم الإنسان، وطبعاً لم يكشف عن المكان وعن التفاصيل خلال البرنامج، من أجل تثبيت اكتشافه علميا أولاً، وسيكون مفخرة له وللمملكة، فهذه هي العقول التي تعمل من أجل البناء لا الهدم، وهذه هي الجهود التي تريد النهضة والتطوير الحقيقي، عبر أعمال علمية مهنية ترفع اسم البحرين عالياً.
هذا هو الرجل البحريني الأصيل الذي يريد أن يرفع اسم بلاده عالياً أمام العالم، وهذه اليد هي اليد التي تبني في هذا الوطن الذي يستحق من أبنائه الكثير، ولا يسعنا إلا شكر جهود الدكتور خليفة بن دينة والدعاء له بطول العمر ودوام الصحة والعافية له ولأسرته الكريمة.
ننتقد أنفسنا بخلاف الصامتين
ما تناقلته صفحات التواصل الاجتماعي من محاولة لتشويه صورة أهل الرفاع الأخيار، وما رأيته من عبارات تبين مدى براعة البعض في تشويه الصور الحقيقية للمواقف والاصطياد في الماء العكر، يجعلني أؤكد أن كل الممارسات غير المسؤولة سواء كانت بهدف التخريب أو التصعيد أو رفع الصوت كلها ستقف أمام خط أحمر واحد وهو القانون، فما يحدث من أفعال وردود أفعال غير مسؤولة وغير مدروسة لن يكون لها نقطة نهاية سوى بتفعيل القوانين على الجميع.
ما حدث قبل أيام من بعض أهالي الرفاع من محاولات غير ناجحة في التعبير عن آرائهم التي ترفض ممارسات التخريب ليس سوى شكل من أشكال الأخطاء الاجتماعية التي يجب أن يحذر المجتمع من الوقوع فيها أو الانجرار إلى هوة لا يعرف لها قرار، فعلى الرغم من أن الغاية هي التعبير عن رفض ممارسات التخريب والتصعيد إلا أن أسلوب المعالجة كان خاطئاً جملة وتفصيلاً.
اكتب هذه الكلمات من باب نقد الذات، وقول كلمة حق مهما كان صاحب الفعل المنتقد، وخوفاً من الوقوع في مشاكل لا يحمد عقباها، فشجب واستنكار أعمال المحرضين والمخربين واجب اجتماعي، بل مسؤولية تاريخية يراد من ورائها الإصلاح، وبالمثل يأتي شجب الممارسات غير المسؤولة من باب الأمانة في النقد وعدم التحيز لجهة فالوطن فوق الجميع.
ننتقد أنفسنا لأننا نمتلك القدرة على نقد الذات، في حين أن آخرين يلتزمون الصمت أمام ممارسات العنف والتخريب، ولا يتجرأون على قول كلمة حق أمام جماعتهم إما خوفاً منهم أو من باب المكابرة غير المبررة.
ما الذي تحتاجه البحرين اليوم؟ تحتاج ببساطة إلى القليل من التريث في إطلاق الأحكام والكثير من ضبط النفس، ورفع الصوت عالياً لردع ممارسات الترهيب بمختلف أشكالها، ومن باب الأمانة فإن ما تقوم به قوات الأمن من عمل جبار، وما نسمع عنه من إصابات الشرطة بشكل مستمر وبلا توقف، يجعلنا أمام حقيقة واحدة ليس لعاقل إنكارها أو غض الطرف عنها وهي أن الحاجة إلى عودة الأمن ماسة بل إن عودة هيبة رجال الشرطة وفرضها على كل مواطن ومقيم أمر واجب، كما هو متبع في الأعراف العالمية، فرجل الشرطة الأمريكي أو البريطاني يحاط بهالة من الهيبة والوقار في وقت يحتاجها رجل الأمن عندنا.
هل كثير علينا أن نعود لما كنا عليه، هل فقدنا التحضر والهدوء في حياتنا وسلوكياتنا، وهل سيعلو صوت العقل وسط الأصوات الغوغائية التي نسمعها هنا وهناك. ما أحوجنا لأن يسجل التاريخ كلمة حق تضع نقطة نهاية لكل المسرحيات الهزلية التي نعيشها.