كتب- طارق مصباح:
ناشد سكان مجمع 209 بالمحرق رئيس الوزراء التدخل في الحفاظ على هوية المجمع التراثية بعد أن غزت العمالة العازبة البيوت القديمة.
وثمن الأهالي جهود وزارة الثقافة وشكروا الوزيرة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة حرصها على إعادة الذكريات الجميلة متمثلة بمشروع طريق اللؤلؤ الذي يعد عامل جذب ثقافياً وحضارياً، مؤكدين أنه سيستقطب السائح البحريني والخليجي والأجنبي وسيشجع السياحة الموجهة إلى العائلات إذ يعرض تاريخ اللؤلؤ البحريني.
وكانت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة زارت موقع طريق اللؤلؤ منذ أيام وصرحت أن افتتاح المرحلة الأولى من مشروع طريق اللؤلؤ الممتد من بيت النوخذة حتى بيت سيادي يتزامن مع الأعياد الوطنية في ديسمبر المقبل، مضيفة أن طريق اللؤلؤ سيوضع على قائمة التراث العالمي وسيكون «أجمل منطقة في الخليج العربي»، موضحة أنه تم إنفاق ما يزيد على 12 مليون دينار على المشروع.
سكان المنطقة من البحرينيين يخشون على هذا المشروع الرائد من «الفشل» جرَّاء الإهمال الطويل الذي استمر سنوات لهذا المجمع الذي يعاني فيه الأهالي من مشكلات عديدة.
«الوطن» تجولت بين أزقة مجمع 209 بالمحرق وخرجت بهذه الردود.
قضايا اجتماعية تؤرقنا
التقيته جالساً على كرسي قرب مسجد سيادي ينقل بصره يمنةً ويسرة.. ينظر إلى الأسفل تارةً ويتأمل ما تبقى من البيوت التاريخية تارةً أخرى، اقتربت منه ليحدثني عما يجول في خاطره..
إنه أحمد العتيبي، من مواليد 1947، سكن المنطقة لأكثر من 60 عاماً، وهو من أبناء المحرق.. عاش وتربى على تراب هذه المنطقة التي تشكل له حضناً تاريخياً وإرثاً ثقافياً يحمل معه العادات الأصيلة والتقاليد العريقة لهذه الجزيرة، يقول: إن الكثير من أبناء هذه المنطقة ممن سكنوا معنا لسنوات تركوها اليوم وغادروها مضطرين بعد الإهمال الذي لحق به.
قاطعته: لكن وزارة الثقافة ماضية بتطوير المجمع، فرد علي بدعوتي لرؤية شوارع غير مستوية ودروب غير معبدة وعدد غفير من العمال ينزلون من باصات الشركات إلى بيوتهم وعلَّق متسائلاً: أين هي المحرق التي أعرف؟!
أُثناء تجوالي في المجمع لفت نظري بالفعل كثرة العمالة العازبة فيها، أعداد غفيرة تدخل بيوتاً صغيرة، مواطن آخر من أبناء هذه المنطقة وهو عيسى الختان «55 سنة» ذهب بي إلى شقة مكونة من غرفتين، وقال لي مؤكداً أن 30 عاملاً يسكنون هاتين الغرفتين!
الأهالي يعانون من الإحراج الاجتماعي مع هذه العمالة من جهة خروجهم بملابس غير لائقة وأمور أخرى سيأتي ذكرها لاحقاً، وبالإضافة إلى تلك القضايا الاجتماعية يعاني المواطنون من الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي عن منازلهم بسبب زيادة عدد المكيفات في هذه البيوت الأمر الذي يزيد معه ارتفاع الضغط على الاستهلاك وبالتالي انقطاع الكهرباء.
الشاحنات وشح المواقف
هذه العمالة ألقت بمشكلاتها العديدة على السكان وتعدت الجانب القيمي لتصل بآثارها إلى إحداث أزمة مواقف! كيف؟! دعونا نستمع إلى من استمرت معاناته لسنوات معها، محمد عبد العزيز حجاب لأكثر من 30 سنة وهو يعيش بين جدران هذه البيوت والتي أصاب أهلها اليأس وهجروها نتيجة المضايقات التي عجز المسؤولون عن إيجاد حل لها، يقول: بالإضافة إلى أن نساءنا يجدن صعوبة بالخروج من البيوت لقضاء حاجاتهن في البرادات والأسواق القريبة وبخاصة في فترة المساء فنحن نجد صعوبة بإيجاد مواقف لسياراتنا ابتداءً من وقت ما بعد العصر بسبب إيقاف العمال سياراتهم الكبيرة بين البيوت مما يجعل الممرات الضيقة تزداد ضيقاً والمواقف تصبح شحيحة مما يضطرنا لإيقاف سياراتنا بعيداً في مواقف لا ندري مدى أمانها!!
مناشدة
واتفق المواطن عبد الله عيسى الذي سكن المجمع لأكثر من عشرين سنة، مع حجاب، وذكر أن من لديه موقف لسياراته في بيته مرتاح ولكن الغالبية تجد صعوبة بإيجاد موقف لسياراتها، وطالب نيابة عن السكان إدارة المرور أن ترصد المخالفات بحق أصحاب هذه السيارات الكبيرة، مبيناً أن البلدية وضعت لافتات صفر كبيرة تمنع وقوف هذا النوع من السيارات في هذه المساحات إلا أن أصحابها من هؤلاء العمال يصرون على إيقافها مضيفاً: وأحياناً يوقفونها أمام هذه اللوحات.. وكأنهم يتحدونها!!
الشباب والرياضة
تركت رجال المنطقة العريقة لألتقي مجموعة من شبابها، فأثناء تجوالي في المنطقة رصدت بعدستي مجموعة من الشباب يفترشون قارعة الطريق وآخرين يلعبون في مواقف السيارات القريبة من الشارع والتي خصصتها وزارة الثقافة لزوار بيت الشيخ عيسى بن علي.
عبد الله بدر «15 سنة» قال إن الصيف أطل علينا ولا نجد مكاناً مكيفاً قريباً لنقضي فيه أوقاتنا ويصعب علينا الذهاب إلى الأماكن البعيدة، ولكن زميله خالد أحمد «17 سنة» أكد أن وجود الشباب في المنطقة نفسها يشعرهم بالراحة إذ يجمع شتاتهم، مطالباً بفتح باب مدرسة محمد بن عيسى لهم لإقامة مسابقات رياضية وفعاليات شبابية فيها تشرف عليها وزارة التربية أو المؤسسة العامة للشباب.
أعتقد أن مطالب الشباب يجب أن يُنظر إليها باهتمام لأن أغلبهم كما ذكرت يجلسون على أرصفة الشوارع وبعضهم الآخر يؤذي سيارات الجيران بلعب الكرة بين الممرات..
الكهرباء والمتنفسات
عدت إلى المواطن أحمد العتيبي ليحدثني عن حاجة المنطقة إلى مزيد من خدمات، فذهب بي إلى محطات الكهرباء المكشوفة والتي احترق بعضها مما أدى إلى تلف بعض البيوت القريبة منها، مناشداً هيئة الكهرباء بإبعادها عن طريق المارة ووضعها في غرف، وحلقت ببصري إلى السماء لأرى أسلاك الكهرباء التي مازالت معلقة على الأعمدة منذرة بخطورة بالغةً في الوقت الذي تسعى الجهات المعنية في البلديات والكهرباء إلى دفنها تحت الأرض في مناطق المملكة!
الحل في استملاك
الأراضي والبيوت
حملنا هذه المقترحات والمطالب إلى ممثلي الشعب، والتقينا عضو الدائرة ورئيس مجلس بلدي المحرق المهندس عبد الناصر المحميد الذي أوضح لنا أن المجلس البلدي ووزارة البلديات لا يمكنها مطالبة العمالة العازبة التي تسكن المجمع بالخروج من منازلها في ظل غياب قانون ينظم سكن العمال في المناطق السكنية، مناشداً المجلس النيابي سرعة تقديم تشريعات تعنى بهذا الجانب.
وبشأن شح المواقف وإيقاف الشاحنات الكبيرة في المجمع، قال المحميد: حددنا بعض المواقف وجعلنا لها بوابة صغيرة بحيث لا يمكن للشاحنات الكبيرة الدخول إليها إلا أن أغلب المواقف لا يمكن وضع هذا النوع من البوابات عليها، وأعطاني المحميد نسخة من المشروع الذي وافق عليه المجلس البلدي لمشاريع عدة ستبدأ في شهر يوليو والتي ستنظم من خلالها مواقف عدة لأكثر من 30 سيارة في المجمع وستوضع البوابات الحديد في بدايتها لمنع دخول السيارات الكبيرة إليها.
ولخص رئيس مجلس بلدي المحرق الحل في معاناة الأهالي في حل واحد وهو «استملاك البلدية للأراضي والبيوت القديمة ومن خلال ذلك سيكون بالإمكان هدم البيوت القديمة التي تسكنها حالياً العمالة العازبة وبالتالي سيتخلص الأهالي من مشكلاتهم، كما سنتمكن من خلال هذه المساحات توفير المواقف الكافية للسكان وإقامة الحدائق والمتنفسات».
قدمنا اقتراحات
والحكومة لا تتجاوب!
العضو البرلماني للمنطقة وابن المجمع النائب الدكتور علي أحمد طالب الحكومة بنظرة شاملة متكاملة في الاهتمام بالمناطق القديمة في المملكة وتقديم حل شمولي بدل من الجهود المتناثرة هنا وهناك والحلول «الترقيعية» ولعل أبرزها معاناة مجمع 209 الذي قال عنه إنه «أعرق مناطق البحرين لأنه يشتمل على بيت الحكم للشيخ عيسى بن علي وبيت ومسجد سيادي وبيت كبير الشعراء البحرينيين الشيخ إبراهيم ومؤسس الصحافة البحرينية عبد الله الزايد وبيوت تجار اللؤلؤ والفنون الشعبية.
إما الاستمرار أو الوقوف!
قبل أن نغادر المجمع.. كلمة نقولها للحكومة وللمسؤولين المعنيين: إما أن يستمر إهمال إصلاح خدمات مجمع 209 بالمحرق ومشكلاته مع العمالة العازبة مع استمرار وزارة الثقافة بتطويره تراثياً، وبالتالي فإننا نعتقد أنه بعد الانتهاء من المشروع فإن السياح سيرون موقعاً أثرياً عالمياً وسكاناً من عمالة عازبة «بالوزار» بدلاً من البحرينيين! أو أن نطالب وزارة الثقافة بإيقاف هذه المشروعات حفاظاً على ماء وجهنا!