^كل الأبواب مغلقة في وجه العائلة لمعالجة الأبناء بالأردن

^«الفازلين» الدواء الوحيد الذي يخفف حرقان الجلد لكنه ليس العلاج

^تبعات المرض تضخم في الطحال والكبد وحساسية القمح

^اثنان من الأشقاء يرقدان بالمستشفى ومصيرهم مجهول

كتب ـ عادل محسن:

يعاني محمد الابن البكر لعائلة بحرينية من 6 أشخاص وأشقاؤه الثلاثة، من مرض نادر حيّر الأطباء والمختصين، وتتحدد مضاعفاته في انتفاخات جلدية شديدة الإحمرار تكسو الوجه والأطراف حال تعرضهم للشمس، في سيناريو واقعي للفيلم الأمريكي “الآخرون” لنجمة هوليوود نيكول كيدمان.

وتقول الأسرة إن معاناتها لم تتوقف عند الإصابة النادرة لأبنائها، بل تطورت إلى تضخمات في الطحال والكبد وفقر في الدم وسرطانات، تحتاج للعلاج وأموالٍ ليست بحوزتها.

وعدّ الأشقاء الشمس عدواً ومسبباً لحساسية مفرطة أزهدتهم بالمدرسة وبمجرد التفكير في الخروج من المنزل، وباتت حياتهم جحيماً لا يُطاق وهم ينتظرون رحمة من السماء ويد عونٍ تخففم آلامهم في الأرض.

وناشدت العائلة الجهات المعنية في الدولة النظر بعين الرأفة والعطف لحال أبنائها، ومداواتهم من قائمة أمراض لا تنتهي، خاصة أنهم لا يتلقون حالياً سوى مرهم “الفازلين” بلسماً لدائهم النادر المستعصي.

لم تتخيل العائلة يوماً أن ابنها البكر محمد ستتحول حياته إلى جحيم، فما إن بلغ سن 3 أشهر حتى ظهرت على بشرته وأطرافه انتفاخات غريبة حال تعرضه للشمس، واعتبر الأطباء الحالة مجرد حسياسية، ولم يكن من الرضيع سوى البكاء من شدة الألم، ولم يعرف الأطباء المشكلة الحقيقية من استمرار الانتفاخات عند تعرض محمد لأشعة الشمس، إلا بعد أن فحصه المختصون في سوريا وهي بعمر 3 سنوات، ليعرف أن لديه مرض “بفريه الدم”، ومازال المرض عائقاً في حياته بعد بلوغه الـ21 عاماً.

الغريب في قصة عائلة محمد أن شقيقه خلف عانى المرض ذاته بعد ولادته بفترة، وبانت عليه نفس الأعراض وتحول كشقيقه إلى اللون الأحمر بعد تعرضه لأشعة الشمس، وأصبح ثيمة للأبناء الأربعة الذين يعانون من نفس المرض باختلاف مستوياته، والعلاج المتوافر مرهم “فازلين” لا غير.

العائلة زارت “الوطن” وتحدث الابن محمد عن حالته الصحية كما لو أنه طبيب مختص بهذا المرض النادر وأسبابه لتعايشه معه لأكثر من 20 عاماً، والمصيبة أن الأطباء اكتشفوا بالمصابين أمراضاً أخرى أكثر خطورة وألماً.

يقول محمد “قبل عام اكتشف الأطباء أن لدي تضخماً في الطحال والكبد وزيادة في ضغط الدم، وفقر الدم المنجلي وارتفاع حرارته بين فينة وأخرى مصحوبة بآلام مفصلية حادة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل اكتشف المستشفى العسكري إصابتي بسرطان الغدة اللمفاوية، وحاولت متابعة العلاج في الأردن إلا أن الظروف المالية حالت دون ذلك”.

وأضاف شارحاً حالته الصحية المتردية “لم أستطع التأكد من إصابتي بالسرطان من عدمه حتى الآن، بينما أخبر الأطباء عائلتي أن شقيقي خلف (19 سنة) يعاني تشمعاً وتضخماً في الكبد، ويحتاج لزراعة كبد وبدأت عليه مضاعفات المرض من تضخمات في الطحال والكبد منذ أكتوبر الماضي، بينما أعاني أنا من الحالة منذ 2004، ولم أجد العلاج المناسب من الأطباء ممن حاروا في حالتي وحالة إخوتي، ويرقد شقيقي الآن في المستشفى واستعان الأطباء بـ40 كيس بلازما حتى الآن لمحاولة إنقاذ حياته، وبات يعاني تشققات في البطن من شدة الانتفاخ”.

وأشارت والدة محمد إلى صعوبة الحصول على المال لعلاج محمد وخلف، وقالت إن تشخيص مرض ابنها البكر يكلف 7 آلاف دينار، وهو ما لا تستطيع العائلة توفيره، ولم تتمكن من الحصول على مساعدة أي جهة حتى وزارة الصحة التي أكدت للعائلة بحسب أقوال الأم، أن العلاج موجود في البحرين رغم أن حالتهم تسوء يوماً بعد يوم.

وخلال حديث الأم كان محمد يخرج عن صمته دائماً، ويعبر عما بداخله من حزن وألم وضيق، فسألته كيف استطعت أن تتحمل كل هذه السنين الأوجاع والآلام؟، فأجاب “كنت أذهب إلى المدرسة يومياً وعند تعرضي للشمس ينتفخ جسمي وتزيد الحرارة في دمي وكأنه يغلي، أبحث عن أي شيء يبرد جسمي، ولم يكن الماء ينفع بل يزيدني حرارة، وأحياناً لا أتحمل وأصرخ من الألم وأترقب الوقت الذي أعود فيه إلى المنزل، وكانت أصعب اللحظات الانتظار في الباص للرجوع إلى المنزل”.

وقال “كنت أكره المدرسة كثيراً ولكن والديّ يطلبون مني الذهاب، وأنتظر عطلة الأسبوع بفارغ الصبر كي أستريح من الألم، وأحياناً لا أتمكن من النوم فأضع على جسمي منشفة مليئة بالماء البارد وأحاول تبريد جسدي طوال الليل بعدها لا أشعر بنفسي وأنام، حتى أنني لا آكل كالآخرين وأعاني من حساسية القمح ويمنع علي أكل أي وجبة تحتوي على قمح أو الجيلاتين، وعندما أتركه أصاب بالإمساك وعندما آكله أصاب بإسهال شديد، وفي عام 2007 لم أستطع تحمل الآلام في المدرسة وبدأت أصرخ منها ونُقلت إلى المستشفى وعلموا أن لدي نقصاً في البوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم وفقر الدم المنجلي وتم تزويدي بـ10 أكياس دم و24 كيس بلازما، ودرجة الصفار كانت عالية وتتحول عيناي للون الأصفر”.

معاناة ما بعدها معاناة عاشتها الأسرة طيلة 20 عاماً ويزيد، والمحزن أن كل أبناء العائلة مصابون بالمرض ذاته، ومصير الطفلين من مصير إخوتهم محمد وخلف، وناشدت الأم أهل الخير والجهات المعنية أن يوقفوا معاناة أبنائهم الذين يعانون من مرض لم تعرفه العائلة قط ولا تستطيع حتى لفظه فكيف بتحمله؟.

وتضيف الأم “كنا نحتار كيف نتعامل مع الأولاد في ظل مرضهم هل نتركهم أميين دون دراسة وهم مصابون بهذا المرض؟ أم نحثهم على الدراسة وهم مرضى؟ من الصعب التعامل مع هذا المرض أو مجموعة الأمراض التي يعانون منها، أولادي اليوم متفوقون ودرجاتهم عالية، وخلف قبل أن تتفاقم حالته يدرس في الجامعة ويواصل تعليمه العالي، أما الصغار فكرهوا الدراسة ويقولون لماذا نتعلم ونحن سنصبح نسخة طبق الأصل من إخوتنا الكبار؟”.

مبلغ زهيد قد يرفع معاناة العائلة، ولكن لم تقدم أي جهة كانت على طرق بابها، ومد يدها بالعون والمساعدة، وقبل أن يرجع محمد لمنزله سألته ماذا تتمنى؟ قال”أنا مؤمن بالله ومتوكل عليه، وأتمنى أن تنشر الخبر بأسرع وقت لأنني لم أعد قادراً على النوم وحتى المسكنات لا تساعدني”.

قصة محمد وإخوته تنشرها الصحافة اليوم، ويقرأها عامة الناس من وزراء ومسؤولين تفاصيلها المأساوية، بينما يرقد هو في مستشفى السلمانية بانتظار أمل جديد.