صلالة - (أ ف ب): زوار مهرجان صلالة السياحي يكتشفون غنى الفنون التقليدية لهذه المدينة التاريخية التي فتحت أبوابها بحكم موقعها الجغرافي على المحيط الهندي، لنفحات التصوف الحضرمي اليمني وسمات الرقصات الأفريقية وتيارات الهند الموسمية وفنون البحر والصحراء والبادية العمانية.
وأفرد المهرجان الذي يستمر حتى 18 يوليو المقبل في برنامجه مساحات واسعة للتعريف بالموروث الموسيقي التقليدي من خلال القرية التراثية. فإضافة إلى مشاركة 13 مدينة عمانية بفرق تقدم فلكلورها التقليدي، يبهج المهرجان زواره يوميا بالفنون التي تؤدى بشكل جماعي وفردي في المناسبات الدينية والرقصات التي تشارك فيها النساء والرجال وتقدم في الأفراح والمناسبات الخاصة في محافظة ظفار.
وأطلق مهرجان صلالة السياحي العام 1996 لتنشيط موسم الصيف السياحي في محافظة ظفار جنوب سلطنة عمان. وتتميز هذه المنطقة خلال الفترة من 21 يونيو إلى 21 سبتمبر، بطقس يتأثر بالرياح الموسمية الغربية الآتية من المحيط الهندي وتستقبل جبالها الأمطار المصحوبة بالسحب الكثيفة والضباب مع تدني درجات الحرارة مما يشكل وجهة سياحية نشطة للخليجيين خصوصاً، هرباً من قيظ الصيف.
ويقول نائب رئيس مكتب الإعلام في محافظة ظفار سالم بن عوض النجار إن “ظفار لها فنون تقليدية خاصة تمثل جزءاً من الفنون والتراث العماني من بينها البرعة والهبوت وأحمد الكبير والشرح ويؤديها الرجال، وفنون تشارك فيها النساء الرجال وتشمل الربوبة والمدار والشبانية وطبل النساء وغيرها”.
ويشدد على أن “المهرجان فرصة للتعريف بهذه الفنون التي تلاقي إقبالاً كبيراً من السياح ومنهم الخليجيون والعمانيون القادمون من مختلف مناطق السلطنة”.
ويوضح أن “منظمة اليونسكو أدرجت في العام 2010 فن البرعة، وهو أحد الفنون التي تتميز بها محافظة ظفار، ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية وهو تأكيد لما تزخر به عمان من فنون ثقافية وفلكلورية راقية”.
والبرعة تقليد موسيقي يجسد روح الفروسية والقوة والشجاعة والكرم ينفذ على قرع الطبل والشعر المغنى. فيقوم رجلان أو أكثر بلباسهم التقليدي بحركات منظمة وهم يرفعون نصال خناجرهم أعلى من مستوى الكتف وتتطلب حركاتهم التناغم مع المؤدين الآخرين والموسيقى بمهارة عالية. ويقدم هذا التقليد في مناسبة الأعراس والختان والأعياد الدينية والوطنية على ما يؤكد المسؤول العماني.
ويشير إلى أن “القرية التراثية بالمهرجان تجسد بيئات ظفار الثلات الحضرية والبدوية والجبلية وتعكس عاداتها وتقاليدها وفنونها وأنماط حياتها وهي تهدف إلى تأصيل هذا التراث في نفوس الأبناء وتوضح التفاعل المستمر بين الإنسان وبيئته وارتباطه الوثيق بتاريخه وعروبته”.
ويوضح أن “هناك أقساماً في المهرجان للتعريف بالصناعات الحرفية ودور المرأة في المجتمع”.
فحول نموذج للمنزل الظفاري القديم في ساحة المهرجان، تتنوع الرقصات وتتماشى الحركات الأدائية للنساء والرجال بلباسهم التقليدي، مع النغمات الموسيقية والإيقاعات خصوصا في فن الربوبة الذي يدفع الحاضرين إلى الطرب والتصفيق والمشاركة.
وتقول هناء بنت سعد العضوة في فرقة “المزيونة الظفارية للفنون التقليدية”، “فن الربوبة يتطلب حركات دقيقة وتوقيت محكم، حيث يصطف أربعة من الرجال أو أكثر في مقابل عدد مماثل من الفتيات. وعلى صوت الغناء وإيقاع الطبول يتحرك الصفان كل منهما تجاه الآخر بحيث تمر الفتاة من بين رجلين ورجل من بين امرأتين وكل منهما يلتف حول نفسه متهيئاً للمرور على إيقاع ثلاثة طبول يصاحبها تصفيق وزغاريد”.
وتضيف أنها شاركت مع فرقتها في إحياء حفلات كثيرة في دول عربية وغربية لكنها تأسف لأن “كثيراً من الفرق تعاني من تناقص في إعداد الفتيات مما قد يؤثر مستقبلاً على إبراز الفنون التي تشارك فيها المرأة”.
وفي زاوية أخرى يتغنى شاب عماني بلغة حميرية قديمة تسمى محلياً “الجبالية” وهي لغة غالبية أهل ظفار، بفن “النانا” بنبرات صوتية ممدودة حالمة دون آلات موسيقية وهو فن غنائي من الريف يعتمد على بيت شعري من شطرين يعيد إنشاده مرددون يجلسون إلى جانب الشاعر ثم يرد عليه شاعر آخر في مجالات تشمل الغزل والمديح والهجاء والرثاء.
ويعرض المهرجان البيئة الجبلية التقليدية كذلك، حيث يجلس “الجباليون” أي سكان المناطق الجبلية، كما يسمون محلياً بلباسهم التقليدي “الصبيغة” أمام نموذج لمنزل بني من الحجر والطين وجذوع الأشجار فيما تطغى رائحة بخور اللبان الذي تشتهر به ظفار على المكان.
وتضم القرية التراثية قاعات تعرض الكثير من الأعمال الحرفية التي تشتغلها النساء خصوصاً من المناطق الريفية وتشمل المنتوجات الجلدية والعطور والنسيج والصناعات الجلدية والفخاريات والسعفيات.