بقلم ـ صافي الياسري

في مشهد متخيل لمسعى سلمي متحضر لشعوب إيران، تعتذر فيه عن سلوك حكامها الدموي تجاه أبنائها وأبناء شعوب العراق والبحرين ولبنان وسوريا وفلسطين وغيرها، يقف جندي إيراني من معاقي الحرب الإيرانية على العراق، عند شاهد قبر الخميني، يقرأ ورقة إدانة لجرائم الحرب التي ارتكبتها وترتكبها جمهورية ولاية الفقيه التي أسسها، مستذكراً دورها في نشر الإرهاب الدولي والتدخل في الشؤون الداخلية لكثير من الدول تقاطعاً ونص المادة 712 من ميثاق الأمم المتحدة التي حرمت التدخل حتى على المنظمة الدولية في الشؤون الداخلية للدول، مردداً بألم، وكأن إلى جانبه الآلاف من ضحايا الحروب التي دارت على كوكبنا، ما ورد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة: “نحن شعوب الأمم المتحدة قد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي جلبت على الإنسانية خلال جيل واحد، مرتين، أحزاناً يعجز الوصف عنها”.

أتخيل هذا المشهد وأنا أقرأ تصريحات سفير إيران السابق بباريس صادق كرزاي، وقوله: “إذا أرادت إيران احتلال البحرين، فإن الأمر لن يستغرق بضع ساعات للسيطرة عليها باستخدام قوات الرد السريع الإيرانية”.

كذلك ما نقلته عنه وكالة أنباء فارس أنه: “إذا كانت المملكة العربية السعودية تريد الدخول في لعبة مختلفة، فمن المؤكد أنها ستكون هشة أمام الرد الإيراني”.

وأسجل التناقض الفاضح بين الأمل الذي نتوخاه جميعاً -عرباً ومسلمين- نحترم الجيرة والجار، كما تملي عاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا وأحكام ديننا، فضلاً على إنسانيتنا، الأمل الذي رسم المدخل التصويري أو المشهد المتخيل ذاك، وبين الواقع العدواني الذي ترسم صورته الكالحة مثل هذه التصريحات، ولا أكتمكم أني أشعر أن أملنا ليس أكثر من عملية خداع للذات الساذجة يمارسها العاجزون أمام حقيقة العدوانية الإيرانية المتأصلة.

إيران وخصخصة العدوان:

ولرب قائل: “إن هذه التصريحات لا قيمة سياسية أو دبلوماسية أو قانونية لها، كون صاحبها خارج حلقة المسؤولية والحكم”، إنما على وفق نظرة قانونية، تستلهم معطيات فقه القانون الدولي، وتشريعات الأمم المتحدة، تقرأ هذه التصريحات على وفق انتسابها التأسيسي، وليس انتساب صاحبها الوظيفي ومركزه وحسب، أي الرحم الذي أنتجها، وإن تبرأ منها على وفق القاعدة الكيسنجرية المعروفة (خصخصة العدوانية الخارجية)، فهي لم تأت من فراغ، وليست بأي حال اجتهاداً شخصياً مقطوعاً عن معين ثقافة الرجل والبيئة الحاكمة التي شكلت نظرته إلى العلاقات الإيرانية العربية، وبنحو أكثر تخصيصاً للعلاقات الإيرانية البحرينية وسماتها.

على هذه القاعدة قلنا إن إيران تهدد السلام والأمن الأهلي والدولي والسلامة الإقليمية، وهو عنوان دفاع قانوني مشروع على وفق معطيات قراءة التصريحات وبيان جذورها والغايات التي تقف وراءها بغض النظر عن مصدرها ومركزه الرسمي.

مفهوم تهديد السلم والأمن

ويقصد بتهديد السلم والأمن، تهديد دولة لأخرى بالدخول معها في حرب أو القيام بعمل من أعمال التدخل أو باستخدام إحدى صور العنف أو من خلال وقوع صدام داخل إحدى الدول ويكون ذلك على قدر كبير من الجسامة والعنف، بحيث يؤدي إلى تعريض مصالح الدول الأخرى للخطر فإذا ما حازت أطراف النزاع على صفة (المتحاربين) فإن الأمر يتعدى حدود تهديد السلم والأمن إلى الإخلال به بصفة فعلية.

ويعد أيضاً “تهديداً للسلم تكوين جماعات مسلحة في إحدى الدول وتدريبها بقصد غزو إقليم دولة مجاورة مثلاً”، ويتضح هذا النشاط حينما تتوفر المعلومات الكافية عن هذه الجماعات لدى أجهزة الدولة المهددة.

وفي حالة تصريحات السفير خرازي، فأنها تقرأ في حدود تهديد السلم والأمن وتبعاته، ولكن هذه القراءة في ظل البيئة العدوانية الإيرانية التي تنشط في خلق مناخاتها ضد البحرين داخلياً وخارجياً، يتوفر، واقعاً وتهديداً، ما يتجاوزها ويمنح المشروعية للتفكير والفعل الاستباقي القانوني المتحوط من انتقالها إلى فعل على الأرض، أو ما اسماه التشريع الدولي، حالة الإخلال بالسلم والأمن الفعلية، ما يستوجب إجراء قانونياً رادعاً لازباً، في الحالتين، وأحسب أن البحرين اكتفت بالاحتجاج الدبلوماسي، لأنها لا ترغب بتطوير الأمور، مع احتفاظها بحقوقها كاملة في إثارة الأمر بدعوى قانونية دولية في إطار محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن الدولي حين تشاء أو في المنظمات الإقليمية التي تنتمي إليها كالجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي.

إلى ذلك وإضافة إلى ظل التهديد الداكن، هناك فقرة تكوين الجماعات المسلحة وتدريبها، وتوجيهها، وتلقينها ثقافة وأيديولوجيا تتقاطع والثقافة العامة القائمة للبلد وأيديولوجياته، ونظامه السياسي والاجتماعي، ولدى البحرين من الأدلة على ضلوع إيران في هذا المسعى ما يكفي لإدانة قانونية، ولتوخي إجراءات يمكن أن تستوحى من الفصلين السادس والسابع على وفق ما تتيحه فضاءات المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، التي تبين أن من مقاصد الأمم المتحدة حفظ السلم والأمن الدوليين ولتمكينها من ذلك، يتم قمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتدرع بالوسائل السلمية، على وفق مبادئ العدل والقانون الدولي وحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم، لتسويتها.

وسائل ردع العدوان الأممية

والوسائل السلمية هي ما جرى تثبيتها في الفصل السادس وتحديداً في المادة 33 منه التي عينت هذه الوسائل بالأطر السياسية أو الدبلوماسية والوسائل القضائية، وكذلك اللجوء إلى طرق حل المنازعات بوساطة المنظمات الإقليمية، والتحكيم الدولي، وفي حال فشل الوسائل السلمية، واستمرار التهديد بالتفجر ووقوع أعمال عنف وعمليات عسكرية حربية، فإنه يمكن، أن لم نقل يتوجب، اللجوء إلى الوسائل القسرية، بحسب المواد التي ثبتها الفصل السابع من الميثاق، أو قياساً على وضع أحكام محكمة العدل الدولية التي عهد الميثاق بتنفيذها بالقوة لمجلس الأمن عملاً بأحكام المادة 94 من الميثاق.

والوسائل القسرية أو غير السلمية لحفظ السلم والأمن الدوليين تضمنها الفصل السابع من الميثاق ابتداءً بالمادة 39 إلى المادة 51 منه –داخل- وحددها بالحالات التي تعالجها، وهي أولاً حالة الأمن الجماعي المنصوص عليها في المواد 39 و42 و43 من الميثاق، وكذلك حق الدفاع الشرعي المنصوص عليه في المادة 51 ثم حالة استخدام القوة ضد العضو الممتنع عن تطبيق حكم محكمة العدل الدولية عملاً بالمادة 94 من الميثاق، وعلى الرغم من أن مستوى التهديد الذي طرحته تصريحات كرزاي من الناحية القانونية، لا يرتقي إلى أي من هذه الحالات -التصريحات بحد ذاتها- إلا أن ما تؤشره، وهو استشراف واقعي، على وفق مجريات وقائع عام واحد فقط من تفاصيل العدوان الإيراني التآمري على البحرين، وليس قراءة في النوايا، يضع الكثير من احتمالات تمدد هذا التهديد باتجاهات لا تقرأها عين العقل القانوني الأكاديمي قدر ما تقرأها عين العقل القانوني الواقعي، وهو ما يمكن تلمسه في واقع أن ميثاق الأمم المتحدة لم يضع تعريفاً محدداً وواضحاً للأعمال التي من شأنها تهديد السلم والأمن الدولي، وعليه فثمة هامش واسع للاجتهادات الفقهية بهذا الخصوص لتحديد مفهوم تهديد السلم وفقا لأحكام المادة 39 من الميثاق، مع أنه استقر الرأي على “إن كل عمل صادر عن دولة ينطوي على التهديد بالحرب أو التدخل أو استخدام إحدى صور العنف ضد دولة أخرى، ففي هذه الحالة يقوم تهديد السلم حتى لو لم يتبع ذلك الاستخدام الفعلي للعنف المسلح (وهذا ما يتعلق بأمر تصريحات خرازي) ومرجع ذلك إلى أن وجود تلك الحالات قد يؤدي إلى قيام التهديد بخطر من شأن وقوعه الإخلال بالسلم، وهي قراءة العقل القانوني الواقعي كما أسميتها.

وهو أيضاً الأمر الذي دفع بمجلس الأمن إلى توسيع مفهوم تهديد السلم والأمن الدولي عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ عدّ ما تعرضت له أمريكا في ذلك التاريخ، عملاً إرهابياً وقرر أن جميع الأعضاء متفقون على أن الإرهاب جريمة دولية يجب القضاء عليها، وكذلك عدّ المجلس حيازة بعض الدول لأسلحة الدمار الشامل مما (يخشى!!) من أنظمتها وسياستها مع الدول المجاورة عملاً من الأعمال التي تشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين بدليل إصداره القرار رقم 1441 بإلزام العراق بفتح حدوده ومنشآته النووية وإعطاء الحرية التامة لفريق التفتيش الدولي عن أسلحة الدمار الشامل، وهو الأمر الذي ترتب عليه العدوان على العراق وأفغانستان واحتلال أراضي العراق بكاملها، كما إنه الأمر الذي اعتمدته قاعدة قانونية في التمدد بتصريحات كرزاي(قراءة استشرافية) إلى أبعد مما عنته ظاهراً، أي (استشراف الواقع والخشية مما يجر إليه وليس التذرع بالنوايا) فالتذرع بالنوايا عمل غير قانوني.

قاعدة القراءة القانونية

كما أني اعتمد في قراءتي، القاعدة القانونية التي تأسست عليها أغلب تشريعات الأمم المتحدة -مبدأ حسن الجوار بين الدول- وتكرس هذا المبدأ في ميثاق الأمم المتحدة منذ تأسيسها، وهو يلزم الدول الأعضاء بعدم استخدام القوة المسلحة أو التهديد بها، وإن تزيّا صاحب التهديد هذا زياً غير رسمي، كما هو الحال مع تصريحات كرزاي، إذ أنها ترصف إلى جانب التصريحات العدوانية الأقدم لمسؤولين إيرانيين آخرين سابقين وحاليين، بكون البحرين هي المحافظة الإيرانية 14، في حين أن مملكة البحرين شخصية اعتبارية –مادية- لها حقوق وواجبات دولية مثل باقي دول العالم بغض النظر عن مساحتها وموقعها وقوتها كونها تتمتع بالعناصر المادية لمقومات الدولة من أرض وشعب وسيادة سلطتها الحاكمة، وتلك الحقوق تفرض الشرعة الدولية احترامها لا الاستهتار أو الاستهانة بها أو الانتقاص منها، كما إن جوهر العدالة في القوانين الدولية التي تنظم علاقات الدول هو التوازن السليم بين مصالح الدول من أجل تحقيق الأمن والسلم الدوليين وحسن الجوار الدولي، وهذا يعني توطيد مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، لأن العدالة الدولية تعني منع الحروب والتهديد أو التلويح بها، وهو ما تثبت إيران ولاية الفقيه يومياً أنها ليست على خطه، أو أنها على النقيض من ذلك دولة تنضح جميع سلوكياتها وتصرفات رموزها الحاكمة القائمة والقاعدة وتصريحاتهم بالعدوانية، والشيء ذاته تنضح به مؤسساتها الثقافية والأيديولوجية والإعلامية.

وتصريحات كرزا تتقاطع تماماً وكل ما له علاقة بمبادئ حسن الجوار، بل أنها تعبير فج فاضح عن عنجهية النظام الإيراني وعدوانيته.

سوابق إيرانية

وهو ليس أول من صرح بشأن احتلال البحرين، فثمة من عد الخليج كله ملك إيران، وثمة من هدد الإمارات، والسعودية، وأبرز سوابق التصريحات العدوانية بشأن البحرين هي دعاوى خطباء الجمعة الإيرانية إلى (فتح البحرين!!) وإقامة الحكم الإسلامي في المنامة على غرار ولاية الفقيه في طهران!! وتصريحات شريعتمداري وهو مستشار إعلامي (ناطق إعلامي باسم إيران في مكتب قائد الثورة الإيرانية المرشد الأعلى خامنئي).

وعلي ناطق نوري، وهو أحد مستشاري مرشد جمهورية خميني، الوريث علي خامنئي، وهو رئيس التفتيش بمكتب قائد الثورة وعضو مجلس تشخيص النظام الذي يعين ويلغي تعيين قائد الثورة، المرشد الأعلى، الذي هو أعلى سلطة في إيران، وتأكيده علناً وفي الصحافة الإيرانية أن البحرين هي المحافظة 14 الإيرانية!! وعلى الرغم من التنصل من تصريحات نوري، أو بالأحرى مقاله الذي نشره بهذا الخصوص، فإن ادعاءاته أثارت قلق العرب جميعاً ليس على البحرين وحسب، وإنما على العديد من الأقطار العربية (وتصريحات هؤلاء جميعاً بغض النظر عن شخصياتهم لا يمكن عدّها تصريحات شخصية، فهي لا تعالج أموراً شخصية، وإنما قضايا خطرة هي المساس بالسلام والأمن الأهلي والدولي والشرعة الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول)، فالادعاء التاريخي بعائدية الجزر الإماراتية الثلاث إليها، الذي استندت إليه إيران في احتلالها، هو ذاته الادعاء الذي كرره مستشار خامنئي بعائدية البحرين التاريخية لإيران، وهو ذاته المشروع الذي يتلبس أردية البحرين الكبرى، وجمهورية البحرين الإسلامية، وهو ذاته الذي يكرره العديد من المسؤولين والمؤرخين والمثقفين والكتاب الإيرانيين حول العراق الإيراني.. ألا يعطي هذا (الخشية) التي نتحدث عنها مشروعية قانونية، في ضوء تصريحات كرزاي المستنسخة عما سبقها؟ وبخاصة أن هناك واقعة تاريخية تسجل سابقة عدوانية يقاس عليها، هي احتلال إيران الجزر الإماراتية الثلاث؟

العرب والعالم يناصرون البحرين

وهو ما يحق للعرب أن يطرحوا في ضوئه تساؤلاً قانونياً منطقياً مشروعاً، ماذا بعد التهديد باحتلال البحرين؟ وهل سينتهي التصريح الجديد بالاحتجاج الذي رفعته الخارجية البحرينية نهاية تصريح ناطق نوري علماً أن البحرين كانت أكثر جدية في تعاملها مع تصريح نوري، فأوقفت مفاوضات شراء الغاز الطبيعي من إيران، ومنعت السفن الإيرانية من دخول مياهها الإقليمية، وموقف البحرين هذا حظي بالتأييد العام لعموم دول العالم والشرعة الدولية إذ عدّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عندما عرّج على البحرين خلال زيارته إلى المنطقة في حينه، أن دول العالم مطالبة بالتمسك بالشرعية الدولية والإحجام عن التشكيك بسيادة الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.

كما استنكرت الولايات المتحدة الأمريكية التصريحات الإيرانية بشأن البحرين، وأعربت عن دعمها الكامل للمملكة كحليف رئيس لها.

دعم قوي حصلت عليه المنامة أيضاً من الدول العربية ومن دول كبرى في المنطقة كالسعودية التي حذرت طهران من المساس بأمن البحرين وسيادتها، ومصر التي زار رئيسها السابق حسني مبارك البحرين تضامناً معها، وكذلك زار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وتلت ذلك زيارة تضامنية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعبّرت كثير من الدول عن دعمها للبحرين كالمغرب وتركيا، فيما عدّ الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية أن أي مساس بأمن البحرين مرفوض وخط أحمر.. والآن ألا يمثل تصريح كرزاي استهتاراً بسيادة البحرين؟ وبالمباشر ألا يمثل، وهو امتداد لتصريحات تكشف نوايا عدوانية وتعد بمشاريع عدوانية مستقبلية، رفضتها الشرعة والشرعية الدولية كما بينا، تقاطعاً والقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول؟ ويضع بيمين البحرين ورقة دعوى قانونية ضد التوجه العدواني الإيراني الرسمي الذي يلقح وينتج هكذا تصريحات تتواتر بين الحين والآخر؟ وإذا ربطنا تصريحات كرزاي بتوقيتها المتزامن ووصول الأوضاع في سوريا عنق الزجاجة، وفشل اجتماعات 5 1 التي جرت في موسكو في الوصول إلى نتيجة ما يهدد إيران بأسوأ العواقب على خلفية ملفها النووي، إذ انتهت الاجتماعات في 19 حزيران المنصرم من دون تحديد موعد لاجتماع آخر كما سبق أن اشرنا في أوراق سابقة، والقرار القضائي البحريني حول جرائم الكادر الطبي في السلمانية، ألا يكشف هذا حقيقة دوافع التصريح والغاية منه؟ ألا يعني أن ما أغاظ كرزاي ومن ورائه، الفشل الإيراني المتعدد المضامير، وإصرار البحرين على استقلاليتها، وتعبير القضاء البحريني عن هذه الاستقلالية؟

ولماذا نلجأ إلى الاستشراف لبيان توجهات النظام الإيراني العدوانية واقعاً، والحقائق أمامنا؟ وعلى سبيل المثال: كشفت الوقائع على الأرض بدلالات مصادر أمنية خليجية، أن إيران هيأت فعلاً عسكرياً لاحتلال البحرين إبان أحداث فبراير، وأن خططها العدوانية كانت تستهدف دول الخليج العربية كافة، وأوردت صحيفة “السياسة” نقلاً عن تلك المصادر الكويتية تفاصيل مهمة من المخطط الإيراني ذاك؟ وقالت: إن “فصلاً مهماً منه كان يستهدف دولة الكويت، وما شبكة التجسس الإيرانية التي كشفت وأحيلت على القضاء الكويتي إلا رأس جبل الجليد العائم، إذ كان الهدف احتلال بعض الجزر الكويتية في سياق التدخل البحري الإيراني تحت ستار حماية الشيعة في البحرين، واحتلال بعض الجزر الخليجية”.

وأضافت المصادر أن اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الذي عقد في الرياض، اطلع من وزيري خارجيتي الكويت والبحرين على المعلومات التي وفرتها الأجهزة الأمنية في الدولتين، وتفاصيل المخطط التآمري كلها، وفي ضوء ذلك وُضعت التوصيات التي افترض أن تتحول في مرحلة لاحقة إلى قرارات تنفيذية.

وأوضحت المصادر أن تنفيذ المخطط بدأ منذ أشهر عدة، سبقت فبراير 2011، وكانت الفوضى وأعمال الشغب التي شهدتها البحرين في مؤامرة فبراير، بداية السيناريو العدواني الهادف إلى زعزعة الجبهة الداخلية البحرينية، وكان مخططاً لها أن تستمر ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع تكون خلالها جميع محطات التلفزة الفضائية الإيرانية ووسائل إعلام عربية ودولية أخرى أظهرت أن ما يجري في البحرين هو عملية إبادة للشيعة في المملكة، من خلال أعمال قتل مصطنعة يمارسها عملاء إيران ضد المتظاهرين الذين تبينهم تلك الوسائل على أنهم الشيعة كلهم، ومحاولة إقناع العالم بأن ما يجري هو ممارسة تفرقة عنصرية ودينية طائفية ضد فئة من الفئات ترتكبها الحكومة البحرينية لتسويغ طلب حماية إيرانية من بعض “البرامكة الجدد” في البحرين، فتسارع قوات الحرس الثوري الإيراني إلى فرض حصار بحري على المملكة ودول الخليج واحتلال بعض الجزر تمهيداً للقفز على البحرين وفرض أمر واقع جديد في المنطقة.

والآن هل ثمة التباس في مشروعية قراءة تصريحات كرزاي على أنها فعل استراتيجي عسكري يماثل التهيئة للحرب من دون مبالغة؟ عبر خلقه بيئة متوترة تطرد الاستثمار وتعطل النشاط الاقتصادي والسياحي والمالي والتجاري فضلاً على تقزيم قدرة السلطة في نظر المواطن بنية إزالة هيبتها، والتشكيك في قدراتها على حماية الوطن والمواطن، وهو ما تفعله العمليات العسكرية التي استعيض عنها هنا بخصخصة التهديد، لسهولة البراءة منه عبر الادعاء بأن صاحبه لا يمثل جهة رسمية، وما أحسب شريعتمداري وناطق نوري بوظائفهما التي ذكرت، لا يمثلون جهات رسمية، بل هم ينوبون عن أعلى قمم تلك الجهات وينطقون باسمها، وهو ما دأب النظام الإيراني على ممارسته مع البحرين، حتى بات ذكر مثل هذا العذر مثاراً للسخرية.