تحقيق ـ حسين التتان: بينما كان يسير بمركبته الصغيرة في أحد الشوارع العامة، التي تتسع للعديد من السيارات والعديد من الحوادث المفاجئة، لمح شاحنة عملاقة تنقل صخوراً كبيرة ومتوسطة وهي تسير أمامه، ومن دون سابق إنذار، سقطت صخرة من أعلى حمولة تلك الشاحنة، إلى الشارع، ومن سرعة تدحرجها انحرفت لتستقر وسط الشارع، ولولا ستر الله لحدثت فاجعة. للسرعة الفائقة التي كان يقود بها صاحبنا شاحنته، لم يلتفت للصخرة التي سقطت. أما صاحب المركبة الصغيرة فكاد قلبه يتوقف لهول الموقف، فركن سيارته جانباً، وهو يفكر في هذه الحادثة. هذه ليست قصة من نسج الخيال، هي حادثة واقعية حدثت لأحدهم، وهذا الـ(أحدهم) هو أنا. أسئلة مقلقة شاحنات عملاقة وشاحنات تحمل أثقالاً خطرة، تجوب شوارع البحرين في الليل والنهار، تنافس السيارات الصغيرة في السرعة والحركات البهلوانية، وتشكل خطراً محدقاً عند الإشارات الضوئية وفي المنعطفات وعلى جوانب الدوارات وفي الأزقة الضيقة، وبالتأكيد هي الخطر الأول في الشوارع العامة والمفتوحة. أين الخلل في وجود هذه الشاحنات التي لابد منها؟ هل التوقيتات التي أقرتها الجهات المختصة لخروج هذه الشاحنات مناسبة؟ هل شوارعنا كلها تناسبها هذه الشاحنات الخطرة؟ هل هناك مراقبة مرورية لسير هذه الشاحنات وحركتها؟ هل يملك سائقو الشاحنات الثقافة اللازمة لسلامة استخدام الطريق، خصوصاً الآسيويين منهم؟. المواطن جاسم الملا من فريج (ستيشن) بالمحرق يؤكد عدم التزام الشاحنات بالقواعد العامة لسلامة الطريق، خصوصاً الآسيويين منهم، ولكنه يؤكد أن من بين المخالفين بعض السائقين البحرينيين. يقول الملا من خلال مشاهداته اليومية لمخاطر الشاحنات: إنني أشاهد شاحنات عملاقة تسير في (الفريج) بسرعة جنونية غير مكترثة بحياة الناس، ولا توقفها المرتفعات ولا المطبات، فهي تسير أعلى من المعدل المخصص حتى للسيارات الصغيرة، ونحن نطالب بأن يكون رجال المرور موجودين بصفة مكثفة في حيِّنا. ويرى الملا أن أصحاب الشاحنات وعند الصباح تحديداً، يسيرون بسرعة كبيرة وغير قانونية ولا يلتزمون بقواعد السير، خصوصاً في الشارع العام المؤدي إلى قريتي جو وعسكر، فهم يحملون على ظهور شاحناتهم أثقالاً من الصخور والحديد. يقول الملا: إذا كانت الحمولات كبيرة وثقيلة، فإن احتمالية تعرض الشاحنات للانقلاب سيكون أكثر من غيرها، ولهذا فإذا وقع حادث لها، فإن الخطر سيكون مضاعفاً، خاصة مع احتمال سقوط الحمولة على المركبات المجاورة للشاحنة في حال أنها انقلبت، وهذه من أبشع أنواع الحوادث على الإطلاق. أما في حال كانت الشاحنة فارغة فستكون خفيفة الوزن وتغري السائق المتهور بسياقتها بصفة رياضية، مما يعرض أرواح الناس للخطر. ويؤمن المواطن سلطان الإخلاصي أن الشر لا يأتي في شوارعنا إلا عن طريق هذه الشاحنات، فهي التي تشكل خطراً على أرواح الأطفال وكبار السن، خصوصاً وسط الأحياء السكنية، كما يعتقد الإخلاصي أنه مع ازدياد أعداد الشاحنات في شوارعنا فإن احتمال وقوع الخطر والحوادث يكون أكبر. ويقترح أن تخصص الدولة مسارات خاصة للشاحنات الثقيلة، كما تخصص لها مواقيت بعيدة عن الأوقات العامة وساعات الذروة، وكذلك تخصيص مواقف خاصة لها. أما عن دور المرور فيقول الإخلاصي: من الواجب أن يكون المرور أكثر صرامة وتشدداً حيال المخالفات التي يرتكبها أصحاب الشاحنات، ليس فقط عبر مخالفات مادية، بل يجب أن تكون العقوبات رادعة وقاسية، لأن الأمر يتعلق بأرواح مستخدمي الطريق. مقترحات بلدية لابد أن يكون للمجالس البلدية رأي في هذا الشأن الخطر، لذلك توجهنا إلى العضو البلدي بالمحافظة الجنوبية علي المهندي لمعرفة إجراءات البلديات حيال هذه الظاهرة المقلقة، وهي الشاحنات (وبلاويها). يؤكد المهندي أن المجالس البلدية تتابع تطوير الشوارع، وتتصل برجال المرور لمراقبة الشاحنات في الأحياء السكنية، وفي الغالب هناك تعاون جيد بين المجالس البلدية وبين الإدارة العامة للمرور، في رصد المخالفات التي يرتكبها أصحاب الشاحنات. يطرح المهندي مجموعة من الأفكار بخصوص مشكلات الشاحنات، ويقول: يجب أن تُمنع الشاحنات منعاً باتاً من دخول الأحياء السكنية، لما تشكله من خطر على الأطفال والمشاة، وهذه الظاهرة نجدها بكثرة في الجنوبية، كما يجب عدم السماح للشاحنات بدخول المناطق الضيقة إلا في حالات استثنائية خاصة، مع أخذ الترخيص لهذا الأمر. بما أن الشاحنات تتكاثر في الشوارع المؤدية إلى المناطق الصناعية والخدمية والتجارية، مما تسبب ازدحامات هائلة فيها، يرى المهندي وجوب تحديد الجهات المختصة مواقيت خاصة لحركة تنقل هذه الشاحنات، كما تجب مراقبتها طوال الساعة من الجهات الأمنية، للتخفيف من نسبة الحوادث التي تسببها تلك الشاحنات. يقول المهندي كذلك: من الملاحظ أن أصحاب الشاحنات في البحرين، لا يسيرون على وفق الأنظمة واللوائح المخصصة لهم، فهم يقودون سياراتهم بسرعة جنونية، وبصفة متهورة، كما يجب أن نلفت انتباه الجميع، إلى أن الشركات تعطي لسائق الشاحنة في حال أسرع في إيصال حمولته، مبالغ إضافية كبيرة، مما يغريه بالسرعة ويشجعه عليها، ومن هنا تجب محاسبة الشركات التي تقوم بهذا الفعل غير الحكيم. أين التشريع؟ ليس هنالك من أعضاء مجلس النواب من هو أقرب إلى هذه المشكلة من النائب خميس الرميحي، فهو يقطن في منطقة من أخطر المناطق في البحرين على الإطلاق، إذ تمر فيها مئات الشاحنات يومياً، تلك هي منطقتي جو وعسكر. يقول الرميحي مفصلاً هذا الأمر: يجب أن نعلم جيداً أن غالبية الحوادث المميتة والخطرة، يكون أحد أطرافها تلك الشاحنات، فلكم أن تتخيلوا أن الشاحنة الواحدة تحمل على ظهرها ما بين 20-30 طناً، وتسير بسرعة كبيرة، ففي حال اصطدمت بأي شيء ماذا ستكون نتائج تلك الحادثة؟ من المؤكد أنها ستشكل بحمولتها خطراً على الطريق ومرتاديه، سواء من المارة أم من السيارات الصغيرة. ويؤكد الرميحي، من خلال معايشته الواقع المرّ عن كثب، أن غالبية سوَّاق الشاحنات العملاقة لا يلتزمون بقواعد المرور، سواء من ناحية السرعة المخصصة لهم، أم من ناحية مستوى الحمولة وحجمها، وكذلك عدم التزامهم بالأنظمة المرورية، بل على العكس من ذلك، فإنهم يسيرون بسرعة جنونية مخيفة، خصوصاًَ في شوارع تكثر فيها الحوادث المتعلقة بهذه الشاحنات، كشارع الملك حمد وشارع مجلس التعاون وشارع خليفة بن سلمان وشارع جابر الأحمد، فهذه الشوارع تحديداً، هي حلقة الوصل بين مناطق البحرين والمنطقة الجنوبية. ليس هذا ما يذهب إليه الرميحي فقط، بل يؤكد أن غالبية الشوارع الحديثة اليوم تضررت جراء الحمولات الزائدة للشاحنات المخالفة، ففي الوقت الذي تطور الدولة الطرق وتحدثها بمبالغ كبيرة للغاية، تأتي تلك الشاحنات لتدمرها بنحو كبير، مما يعني أنها تحمِّل الدولة مبالغ إضافية أخرى، في الوقت الذي يجب أن نحافظ عليها وعلى المال العام. أما عن القوانين التي من شأنها ضبط العملية لهذه الشاحنات وأصحابها، فيقول الرميحي: يجب على الجهات المختصة مراقبة الشوارع وسلامتها، وتطبيق القوانين الخاصة بالعقوبات وبصرامة متناهية على أصحاب الشاحنات، بل وعلى أصحاب الشركات المالكة لها، فهي لا يهمها في هذا الأمر كله، سوى الربحية. أما بقية التفاصيل المتعلقة بسلامة أرواح المواطنين فهي آخر اهتماماتها، وآن الأوان أن تنصب وزارة الداخلية كاميرات خاصة لمراقبة الشاحنات أُسوة ببقية الدول المجاورة، خصوصاً في حال تجاوزت السرعة المحددة لها، وإيقاع أقصى العقوبات على أصحابها ومالكيها، ونحن اليوم نحتاج إلى تحذير سائقي الشاحنات لنقول لهم إن أرواح الناس وحياتهم غالية، كما أنها ليست للبيع أو المقامرة بها وسط الشوارع، ولا يمكن للدولة أن تتنازل عن روح واحدة، وذلك عبر تطبيق قانون العقوبات كما ينبغي أن يُطبق. ويتفق الرميحي مع ما أكده سلفه البلدي علي المهندي، وهو أن الشركات صاحبة الحمولات تعطي مكافآت مالية مغرية للسائقين الذين يوصلون بضائعهم في وقت قياسي، وهذا الأمر ينبهنا إلى معرفة كيف تسير الشاحنات بسرعة كبيرة من دون مراعاة لسلامة مرتادي معاقبة كل من تسول له نفسه اللعب بأرواح الناس. ماذا إذاً عن قانون المرور ومدى معالجته لهذه المشكلة؟ يقول الرميحي بأسف شديد: مع الأسى كله يظل قانون المرور وإلى وقتنا هذا حبيس أدراج مجلس النواب منذ العام 2006، ومازال يراوح في مكانه أيضاً، وآن الأوان لإصدار قانون المرور، مع مراعاة بعض الجوانب التي تتطلب تشديداً كبيراً على أصحاب الشاحنات المخالفة، عبر استصدار قوانين صارمة، وهذا الأمر يمكن للداخلية معالجته عبر مشاهداتها ودراساتها للحالات التي تم رصدها للشاحنات ومخالفاتها. يرى الرميحي أنه ليس لدى النواب مشكلة مع قانون المرور، فالأعضاء يحاولون قدر الإمكان الإسراع في استصداره، لكن المعوق الحقيقي هو في التوافق على الرسوم المالية. وينهي الرميحي حديثه إلينا بالقول: إن القوانين شرِّعت اليوم من أجل حماية الناس، ولهذا وجب أن تمرر بعض تلكم القوانين بصفة الاستعجال، لأنها لو صدرت فإنها من المؤكد ستخفف من نسبة الحوادث المميتة وتحفظ أرواح الناس. 650 مخالفة في شهر واحد!! المرور، له الكلمة الفصل في معرفة تفاصيل وإشكالية هذه المسألة، ومن هنا توجهنا للإدارة العامة للمرور للوقوف عليها ومحاولة معالجتها واستبيان الحقيقة. مدير إدارة الثقافة المرورية بالإدارة العامة للمرور، المقدم موسى عيسى الدوسري، يطلعنا على أهم خبايا الشاحنات وأسرارها ومخالفاتها، والقوانين المتعلقة بها، كما إنه يناقش مسألة قانون المرور، مدعماً ذلك كله بإحصاءات مهمة ربما توصلنا إلى طبيعة المشكلة وحجمها. يقول الدوسري: أولاً، نود التأكيد أن الإدارة العامة للمرور شغلها الأول والأخير تأمين سلامة مستخدمي الطريق كافة، وهذا ما جعلها تسعى باستمرار لإيجاد الحلول الكفيلة للحد من الحوادث المرورية وضمان عدم تكرارها للحفاظ على الأرواح والممتلكات من الخطر ولهذا تجري الإدارة مسحاً إحصائياً بيانياً لمعرفة أسباب وقوع الحوادث للحيلولة دون تكرارها ومنها حوادث الشاحنات، وبطبيعة الحال هناك أوقات يمنع فيها مرور الشاحنات والآلية الثقيلة ولضمان انسياب الحركة المرورية على بعض الشوارع منعنا مرور الشاحنات والآليات الثقيلة من السير على جميع الشوارع الرئيسة أثناء فترة الذروة المرورية الصباحية من الساعة 6:30 إلى الساعة 7:30 صباحاً والمسائية من 1:30 إلى 2:30 بعد الظهر، وفي شهر رمضان من الساعة 7:30 إلى 8:30 صباحاً والفترة المسائية من 1:30 إلى 2:30 بعد الظهر لذا ترجو الإدارة تعاون المواطنين معها وتعتذر عن أي إزعاج قد يسببه هذا الإجراء لهم. أما عن الشوارع الرئيسة المقصودة بالمنع فهي حسب الدوسري: (جسر الشيخ عيسى، جسر الشيخ حمد، شارع الشيخ خليفة الكبير، شارع الحد وعراد، شارع الغوص، شارع الفاتح، شارع الملك فيصل، الشوارع الداخلية بمحافظة العاصمة، الشوارع الداخلية بمحافظة المحرق، الشوارع الداخلية بالمحافظة الوسطى، شارع الشيخ عيسى بن سلمان مع كوبري الشيخ سلمان إلى المنامة، شارع خليفة بن سلمان، شارع الشيخ سلمان من دوار عوالي إلى إشارة القفول، جسر سترة، شارع الاستقلال من إشارة سند إلى دوار بوابة المدينة، شارع ولي العهد، شارع البديع، جسر الشيخ خليفة، شارع الزلاق). أما بخصوص المخالفات الخاصة بالشاحنات يقول الدوسري: هناك عدد من المخالفات التي تتضمن سير هذا النوع من المركبات ومنها مخالفة شروط المتانة وصلاحية الهيكل وصلاحية الإطارات وعدم وضع غطاء الحمولة وعدم التقيد بالمسار المخصص للشاحنات. وفي ما يتعلق بخصوص إحصاءات مخلفات الشاحنات فيذكرها الدوسري على النحو الأتي: مخالفات الشاحنات والمركبات الثقيلة خلال مايو الماضي:­ مخالفات شروط الحمولة 587 بدون غطاء على الحمولة 63 أما في ما يتعلق بوجود قوانين وأنظمة يؤكد الدوسري أن قانون المرور المعدل والذي هو في طور الاعتماد، يشتمل على معالجة عدد كبير من السلوكيات المرورية الخاطئة، وكذلك تشديد للعقوبات لضمان الالتزام بالأنظمة والقواعد المرورية. ويختم الدوسري أن هناك تنسيقاً مستمراً بين الإدارة العامة للمرور وإدارة الأشغال ووزارة الداخلية للحد من وقوف الشاحنات في المناطق السكنية. رحلنا من التنظير في انتظار الواقع الملموس، فالناس أصابها الرعب جراء عدم تقيد أصحاب الشاحنات بالقوانين المعمول بها في الدولة، وما الأرقام التي طرحها المرور، إلا مؤشر واضح على استهتار عدد كبير من السائقين الذين يسوقون شاحناتهم العملاقة بتهور، فيعبثون بأرواح الأبرياء، وحان وقت حصاد جني ثمار القوانين الصارمة، وشكراً للمرور على تعاونها.