كتب – جعفر الديري:

لا تزال كثير من العوائل والأسر البحرينية، تحرص على موائدها العائلية وإن بشكل أسبوعي، وترى في مقدم شهر رمضان، فرصة مباركة لتعزيز هذه الموائد، خصوصاً وأنها تقام في أجواء روحانية، بعد عناء الصوم والامتناع عن الأكل والشرب. تجد هذه العوائل أن غياب هذه الموائد؛ مسؤول عن كثير من سلوكيات أبنائنا، فهي تعبير عن الألفة والمحبة وليست مجرد صحون وطعام يؤكل، وقد تكفلت بإضفاء القوة والصلابة للأجداد.

كل ذلك جميل، غير أن هناك من الناس، من يرفض هذه المائدة، ويجدها طرحاً غير معقول، متعللاً بعدم إمكان إجبار أطفال اليوم على مائدة عائلية واحدة، وسط مشاغل الآباء والأمهات وجريهم وراء لقمة العيش، ووسط عالم مليء بالأشياء لا تترك فرصة للأبناء للقاء بعضهم. إزاء هذه الآراء نتساءل؛ حتى متى تستطيع العوائل البحرينية أن تحافظ على هذه الموائد؟ وهل يكمن بالفعل إجبار الجيل الجديد على الالتزام بها؟!...

صحة أبنائي

من جهتها تؤكد ربة البيت فاطمة سيد علوي أن أبناءها يدينون بصحتهم للمائدة العائلية، مشيرة إلى أن منع الأطفال من تناول الوجبات السريعة (الفاست فود)، أمر بالغ الصعوبة بل أشبه بالمستحيل، إلا أنها تحرص ما استطاعت على توفير ما يطلبونه على مائدتها من طعام، لكن الفرق هو أنها من تصنعه. وتعرب علوي عن سعادتها بصحة أبنائها، مضيفة: عندما ذهبت بأبنائي للكشف عليهم في المستشفى، وجدت صحتهم في أحسن حال، وعندما علمت الطبيبة بحرصي على الطعام الجيد؛ امتدحت ذلك وتمنت لو تقوم جميع النساء بما أقوم به، وشخصياً آمل من جميع الأمهات مراعاة أكل أبنائهم، ربما تجد المرأة صعوبة في ذلك، لكن سعادة أبنائها وصحتهم تتطلب منها أن تفعل ما تستطيع لتجنبهم المرض، فالحقيقة أن المائدة هي سر صحة الأبناء أو مرضهم لا سمح الله، وعليها أن توليها الأهمية القصوى، فإن الأبناء خصوصاً الأطفال منهم، أمانة في أعناقنا، ولابد من رعايتهم ونحن مسؤولون عنهم أمام الله تعالى، ولمن تتعلل من الأمهات، أقول لهن؛ عندما يمرض ولدك ويئن أمامك تدركين أن معنى ذلك أن يكون الطعام ملوثاً؛ عندما يبكي الطفل بسبب طعام كان يمكن لك أن تتجنبيه كيف يكون شعورك؟! عليك أن تثقي بنفسك وتسعي لحماية عائلتك، فالمائدة التي يجلسون حولها هي مناط الصحة أو المرض.

سلوكيات خاطئة

من جانبه يرجع الموظف بشار حسن كثيراً من سلوكيات شباب اليوم، لغياب المائدة العائلية، ويرى أنها ليست مائدة وحسب، بل مجتمعاً وألفة ومشاعر وأحاسيس فياضة فيها كثير من الحب والحنان والبر والإحسان، وليس المقصود بها أطباقاً وطعاماً، بل أيد تجتمع على طعام من صنع ربة البيت، وذوقها، طازجاً وليس مثلجاً يسخن، لا طعم له ولا بركة فيه. يقول حسن: فلننظر مثلاً إلى الأجيال السابقة ونقارنها بجيل اليوم، سنجد فرقاً شاسعاً في القوة والجسم وقوة العقل، بل حتى في الالتزام الديني، فللمائدة آثارها على من يجلس حولها، وهو أمر يؤكده الواقع، كما تؤكده الدراسات التي تكشف عن جملة من الفوائد الجسمية والنفسية ينالها المحافظ على المائدة العائلية. وإلا فبماذا نفسر قوة الأجيال السابقة، وقدرتها على العطاء، حتى لو بلغ أحد أبنائها المائة عام؟! أليس السر في الطعام والمائدة العامرة بكل طعام طازج؟!.

وقت ضيق

أما الموظف جلال أحمد فلا يعترف بمثل هذه المائدة، ويرى أن حياة اليوم خلاف ما كانت عليه بالأمس، لذلك علينا أن نكون واقعيين، فمن غير المعقول أن نرغم أبناءنا على الجلوس إلى مائدة في البيت، في حين أن جميع الأطفال يستمتعون بالطعام الخارجي. ويضيف أحمد: أن هذا الطرح غير واقعي أيضاً، من ناحية الوقت، فالناس اليوم يعانون من ضيق الوقت، فالأب يعمل والأم تعمل ولا يلتقون إلا قليلاً، فمتى يمكن جمع الأبناء على مائدة واحدة؟! كيف يتم ذلك، وكل منا يجري طوال اليوم لكي يؤمن اللقمة لأبنائه. يخبرني أحد الأصدقاء أن زوجته تعمل صباحاً وهو يعمل مساء فلا يلتقيان سوى ساعتين قبل النوم، وزوجته من تقوم برعاية أبنائه، فمتى يمكنها أن تطهو لهم شيئاً، ومتى يمكنها جمعهم على مائدة واحدة؟!.

تقليد أسبوعي

بدوره يشير الشاب إياد علي، إلى أن لكل منا عقل يزن به الأمور، والمائدة العائلية تقليد قديم، لكنه لا يزال موجوداً في العائلة البحرينية، وإن كان بنسبة أقل بكثير من السابق. لكن بحسب ما ألاحظه فإن الأسرة البحرينية، تحرص على هذه المائدة، أيام العطل والإجازات والمناسبات، على أقل تقدير. طبعاً من الصعب أن يتقبل شباب اليوم هذه المائدة، لكنهم أيضاً لن يمانعوا متى ما وجدوا قرانهم من الأهل فيها. أما الشيوخ من كبار السن، فيجدون فيها بغيتهم ويفضلونها على سواها، بل تجدهم يسخرون من شباب اليوم والوجبات السريعة، وما يتناولونه من طعام جاهز، وهي ملاحظات واقعية حقيقة، فإن آباءنا لديهم من القوة والصحة الشيء الكثير، حتى إن شباب اليوم لا يستطيعون مجاراتهم، حضرت يوماً مسابقة بين الشباب، كان أحدهم يتباهى بقوته، حتى إذا دخل مع رجل عجوز، غلبه الرجل العجوز، لقوة عضلاته، رغم أنه في خريف العمر والشاب في ربيعه.

حسنات رمضان

فيما تؤكد السيدة خديجة أحمد أن شهر رمضان المبارك كله خير، ومن حسناته هذه الموائد العائلية العامرة بكل ما لذ وطاب، وهي والحمد لله، تقام في البيوت ويحرص عليها الجميع، بما فيهم الشباب، ونحن في البحرين والحمد لله، أصبحت هذه الموائد بالنسبة لنا من مفردات شهر رمضان، والسبب أن الناس بحاجة إليها، فهم يصومون طوال اليوم، لذلك يشتاقونها، وليس أجمل من مائدة يلتف حولها أهل البيت، ويسعدون بالأكل والشرب والأحاديث. إن هذه المائدة بحسب أحمد توفر أموراً كثيرة رائعة، فهي تمنح أهل البيت الإحساس بالألفة وتزيل كثيراً من عوامل الزعل، وسوء الفهم، لكن للأسف لم يبتل الإسلام بأمر أكثر من تنكر أبناؤه لكثير من توجيهاته، فقد حث ديننا الحنيف على المائدة العائلية، واعتبرها ذات آثار رائعة على نفسية الأطفال، لكن المسلمين للأسف الشديد لا يلتفتون إلى الشيء إلا بعد أن يتنبه له الغرب. فالعلماء اليوم يؤكدون أن الأحاديث العائلية على المائدة العائلية عن المواقف والإيجابيات والسلبيات، يعلم الأطفال كيفية التقييم السليم للأحداث وتحديد الجيد والسيئ منها، مشيرة إلى دراسة حديثة نشرتها مجلة «مشروع القصص العائلية»على 40 عائلة يوجد فيها طفل واحد على الأقل بين 9 و12عاماً» تم تسجيل أحاديثها على العشاء وملأت استبيانات خاصة تقيم الوظائف الأسرية، تمت فيها متابعة الأطفال لمدة 3 سنوات بحيث تمت مناقشة الأحداث الإيجابية والسلبية معاً، وبعد تحليل المناقشات ونوعية القصص والأحاديث والتفاعلات الأسرية على مائدة العشاء واختبار معرفة الأطفال بتاريخ عائلاتهم، تبين الأثر الإيجابي العظيم لهذه الأحاديث على الأطفال.

خطأ الآباء

ومن ناحيته، يلقي الشاب بدر إبراهيم المسؤولية عن تراجع مستوى فهم وإدراك وطمأنينة الأبناء إن جاز هذا التصنيف على كاهل الآباء والأمهات، فهم بحسب ما ترى، لا يحرصون على تنبيه أبنائهم لأهمية المائدة العائلية، مضيفاً: كم هو محزن أن تعطي الأم أو الأب مبلغاً لأبنائها ليشتروا به وجبة جاهزة لهم، يتناولونها كل بمفرده وهو يشاهد التلفاز. الأمر المؤلم أكثر أن الأمهات بالتحديد لم يعد يهمهن هذا الأمر، فهن لا يرغبن في الطهي ولا بتحلق أبنائهم حولهم، فيما كنا في السابق متى تغيبن عن مائدة الغداء أو العشاء، نعاقب بالحرمان من الوجبات، لنظل بجوعنا طوال اليوم، وكل ذلك من أجل تعويدنا على الطعام الصحي وجمال الاجتماع مع الوالدين والأخوة والأخوات. ويردف إبراهيم: لو أن كل أم تتبصر قليلاً لوجدت أن غياب المائدة العائلية، سبب لأبنائها معاناة كبيرة، فإذا كانت الدراسات في أوروبا وأمريكا وهما من أكثر الدول تقدماً، تثبت أن أكثر من 16% من الأطفال، يعانون مشكلة الوزن الزائد، بسبب الأكل بين الوجبات، والنقص في النشاطات البدنية وكذلك، نظراً لغياب تناول الطعام الصحي الذي يتبع الهرم الغذائي، فنحن في البحرين أولى أن نعي هذه الأمور، فأطفالنا أكثر عرضة لزيادة الوزن، بسبب الوجبات السريعة التي يتناولونها ليل نهار، وبسبب عدم انقطاعهم عن تناول الحلويات. وكل ذلك، لأننا لم نعد نوفر لهم الغذاء الصحي المتنوع. وكيف لنا أن نوفر لهم ذلك، دون مائدة تجمعهم، يتناولون فيها الطعام ضمن العائلة وتوجد فيها كميات كبيرة من الفواكه والخضر ومشتقات الأجبان والألبان، مع التقليل من المقالي والسكريات والمشروبات الغازية.