أميـــنـــــــــــة البنـعـــــــــــــــلـي

رئيس مركز الإرشاد

للاستشارات النفسية

التربية من أكثر المفاهيم شيوعاً واستخداماً في الحياة، فالتربية في اللغة من كلمة ربى أي «نما ونشأ وهذب» ورغم تعدد وتنوع المفاهيم السائدة عن التربية عند العلماء قديماً وحديثاً، إلا أنه في نهاية المطاف يتفق أغلبهم على مضمون التربية بمفهومها الثقافي العامي «بأنها الجهد الذي يبذله الوالدان في رعاية الأطفال وتأمين احتياجاتهم الجسدية والنفسية، وإذا ما تعمقنا أكثر بالتربية لنصل إلى الفيلسوف أفلاطون فيرى التربية هي التي تُضفي على الجسم والنفس كل جمال وكمال، وهو مفهوم يشمل كل النواحي الاجتماعية والنفسية والصحية، حيث يعمل الوالدان بالدرجة الأولى على تربية أبنائهم على العادات والتقاليد والسلوكيات الإيجابية المُحببة والمرغوب بها في المجتمع، وهي عملية في غاية الأهمية لما لها من مُترتبات مستقبلية على الفرد وعلى المجتمع في المستقبل.

ويكاد يُجمع علماء النفس والتربية على أن 90% من العملية التربوية تتحدد في السنوات الأولى من عمر الطفل، فالتربية لا تعني الاهتمام بالاحتياجات الأساسية للطفل كالأكل والشرب وتأمين السكن والملبس، فهذه احتياجات أساسية لابد من توفيرها، لكن التربية تتضمن المفهوم الأوسع والأشمل من القيم المنبثقة من الدين الإسلامي ومن العادات والتقاليد المجتمعية، فهي عملية ليست بقصيرة وإنما تحتاج لفترة طويلة يتمكن الوالدان من خلالها غرس وتوجيه أطفالهم على ما هو متعارف عليه، وكثير من العلماء يؤيدون توجيه الطفل منذ نعومة أظفاره لأنها فترة أسهل وأيسر بكثير من مرحلة المراهقة والشباب، وهي مرحلة إعداد وتدريب وتعويد، وهي أشبه بدورة حياة النبات فالتربية كما شبهها أرسطو إعداد العقل لكسب العلم كما تعد الأرض للزرع.

أما بالنسبة لمفهوم التعليم دائماً ما يرتبط بالعملية التعليمية والمدرسية والتعليم في اللغة من عَلَمَ أي لقن، والتعليم عبارة عن إيصال المعلومات المختلفة إلى المتعلم عن طريق شخص غالباً ما يكون المعلم أو أحد الوالدين وهي أكثر ما تكون عملية تلقين، فالتعليم عملية افتراضية أي أنها غير ظاهرة في ذاتها وإنما يستدل عليها بنتائجها وآثارها. والتربية والتعليم ليستا كلمتين مترادفتين بل بينهما عموم وخصوص، فالتربية أشمل من التعليم الذي هو جزء من التربية بينما يكون التعليم محدوداً بما يقدمه المعلم من معلومات ومهارات واتجاهات.

لنلقي نظرة على واقعنا كأولياء أمور من خلال هذه التساؤلات التي سأترك لكم الإجابة عنها... والتي سنناقشها في مقالات قادمة بإذن الله... في وقتنا الحالي من يقوم بعملية تربية أبنائنا؟ هل نحن كأولياء أمور نركز على تربية أبنائنا قبل تعليمهم؟ مع من يقضي أبناؤنا معظم وقتهم؟ كم من الوقت نقضيه مع أبنائنا لهذه العملية «التربية»؟ كيف نقوم بمتطلبات هذه العملية «التربية»؟