في عالم العلاقات السياسية والدبلوماسية والدولية، أعطى ميثاق الأمم المتحدة والقوانين النافذة، الحق لشعب كل بلد من بلدان العالم، أن يختار شكل نظامه السياسي والدستوري، وما يرافقه من برامج سياسية واقتصادية وعسكرية معلنة أو سرية، شرط ألا تهدد الأمن والاستقرار الدوليين، وكذلك لأي بلد أن يختار الشعارات السياسية المرافقة لها، ليصل إلى أعلى تعبئة جماهيرية وحشد شعبي لدعمها، ويتقلص هامش المرونة لدى نظم الحكم التي تتخذ من الإسلام السياسي إطاراً عاماً في تبني برامجها وشعاراتها، لأن الدين الإسلامي حدد مبادئ قيمية وأخلاقية في التعامل مع الجميع بمن فيهم الأعداء، وتصدع الآية 59 من سورة الأنفال بتحديد نظرة الإسلام في العلاقات العقدية من الأطراف الأخرى، فتقول “وإما تخافن من قوم خيانة فأنبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين”. فالإسلام لا يجيز نقض العهد مع المتعاهدين الذين ينقضون عهودهم، إلا بعد إشعارهم بذلك، ولكن الخديعة صارت سمة للعلاقات الدولية الراهنة، حتى لم يعد ممكناً تقديم الخد الأيمن لليد التي صفعت الأيسر تحت أي ظرف، وعلى هذا فإن البلد الذي يزعم اعتماد مبادئ الإسلام في علاقاته الدولية، أن يكون ذا مصداقية تتناسب مع قيم الدين الإسلامي، في كل ما يطرح من شعارات أمام جمهوره وأمام الرأي العام العالمي، وليس من حقه الإقدام على ممارسات متصادمة مع الأهداف والشعارات المعلنة، حتى لو كانت ذات طابع سري، ففي عالم اليوم لا أسرار أبدية، وهذا الأمر ينطبق على أي بلد في العالم إلا إيران لأنها ذات عقيدة باطنية. لكثرة ما يردده الإيرانيون من شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل في المناسبات العامة، ولأنهم يدوسون العلمين الأمريكي والإسرائيلي المرسومين على أرضية الشوارع التي تستعرض فيها قطعات الجيش أو الحرس الثوري الإيراني، فقد بدت تلك الممارسات، وكأنها أهم جزء من المنهاج العقائدي الراسخ والمعبر عن قدسية الموقف الذي تتبناه الزعامة الإيرانية، التي جاءت إلى الحكم في شباط 1979، وسعت إلى جعله عنواناً في ممارسات يومية على مستوى الشارع الإيراني، وطقوس مقدسة. أمريكا وإيران في نوفل لوشاتو ولكن ما كان يجري على الأرض، من اتصالات أمريكية إيرانية ومن وقت مبكر من عمر الحكم الجديد في إيران، بل حتى أثناء وجود الخميني وفريق العمل المرتبط به في نوفل لوشاتو قرب باريس، حينها وصل وفد من البيت الأبيض على وفق رواية أول رئيس للجمهورية الإيرانية أبو الحسن بني صدر، والتقى الوفد بأمر من الخميني، إبراهيم يزدي الذي شغل منصب وزير للخارجية في حكومة مهدي بازركان، وكذلك بآية الله عبدالكريم موسوي أردبيلي، الذي أصبح لاحقاً رئيساً لمجلس القضاء الأعلى في إيران الثورة، ووضعت هذه الاتصالات أساس العلاقات بين البلدين، وتوجت فيما بعد بزيارة ماكفرلين لطهران أثناء المراحل الخطرة من الحرب العراقية الإيرانية، وعقد صفقة السلاح الإسرائيلي لإيران والتي سميت بإيران كونترا. مع الوقت أخذت شقة الخلاف بين اتجاهين داخل الزعامة الإيرانية بالاتساع، وعكست صراعاً حامياً على السلطة، وربما أخذ لبرهة وجيزة صفة الخلاف المبدئي بين توجهين، وتطورت الأزمة الصامتة بين الخميني من جهة، وباقي رموز الزعامة الإيرانية الجديدة من جهة أخرى، بسبب التصادم بين موقف العداء العلني الذي يتبناه الخميني تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، مع أن مياه الود كانت تنساب بلا انقطاع بين طهران وواشنطن، ومثّل الطرف الأول فيه الخميني ومعه فريق من المعممين، في الجانب الآخر وقف أبو الحسن بني صدر، أول رئيس منتخب لإيران بعد سقوط الشاه ومعه كثير من العلمانيين والمتنورين ويسانده عن بعد معممون لا يريدون ربط أنفسهم بموقف سياسي معلن، وأدى الصراع إلى تساقط متتابع لكثير من قيادات الخط الأول للثورة الإيرانية، غاب بعضهم بقرارات مباشرة من الخميني، وبعضهم بتفجيرات في المراكز العليا للحكومة، ما تزال حتى اليوم تثير التساؤلات الحائرة، على الرغم من مضي أكثر من ثلاثة عقود عليها، ورحيل معظم منفذيها ومخططيها، وضحاياها من قبل، وطرف ثالث اختفى محجوراً عليه في منزله. وتحول الخلاف إلى مواجهة فيما عدّه بني صدر، بين شرعية صناديق الاقتراع التي جاءت به إلى منصبه، وبين دور طارئ للخميني، فرضته فوضى المشهد السياسي الساخن للثورة الإيرانية، ومكنته من القفز إلى الموقع الأمامي في قيادة الثورة، بعد تردد طويل وخشية من العودة إلى طهران من نوفل لوشاتو، انعكس على نحو أسئلة قلقة من الخميني، كان يطرحها بإلحاح على بعض القيادات التي كانت تتحمل أعباء المتابعة اليومية لأدق التفاصيل في مسار الانتفاضة الدموية، التي كانت العاصمة الإيرانية تشهدها ضد أجهزة أمن حكومة الشاه. يقول بني صدر: إن الخميني كان خائفاً من احتمال عدم سقوط الشاه، وكانت هواجسه تخرجه عن السيطرة على تماسكه المطلوب في شخصية القائد المفترض، ولم تسعفه مداركه في إيجاد جواب شاف لمصيره فيما لو تأكد نجاح الشاه في قمع انتفاضة الشعب الإيراني، بسبب هذه المخاوف كان الخميني متردداً جداً في مغادرة فرنسا إلى إيران، وتولي قيادة الجماهير الغاضبة والباحثة عن زعامة مستعدة للمضي معها حتى نهاية الشوط، بل بلد أعطى شعبه طاعة عمياء لرجال الدين، فأصر على البقاء في نوفل لوشاتو ما لم يتأكد من خروج الشاه من طهران، فالخميني على حد وصف بني صدر كان متردداً بحيث يمكن للمحيطين به هناك رؤية الحيرة تتقلب بين عينيه بسهولة، ويبدو أن هذا هو أحد الأسباب الجوهرية لتخلص الخميني من معظم عناصر الخط الأول من مساعديه الذين عرفوه عن قرب خلال إقامته في فرنسا أو في النجف. التعاون الإسرائيلي الإيراني قمع آية الله الخميني الأصوات التي ارتفعت بالاعتراض على توجهاته، حتى لو جاءت من مقربين، وشهدت مراكز القيادة الإيرانية دوامة عنف أتت على كثير من الرموز الدينية والسياسية للثورة، ومما فاقم من أزمة الحكم، تعدد الرؤى حول التعاطي مع ملف الحرب العراقية الإيرانية، التي أرادها الخميني الخطوة الأولى على طريق تنفيذ شعار تصدير الثورة الإسلامية، ووصلت الأزمة ذروتها حينما لجأ بني صدر إلى قاعدة جوية بعد صدور أمر بإلقاء القبض عليه، ومنها تمكن من الفرار من إيران إلى فرنسا التي سبق وأن أقام فيها طالباً وبعد ذلك مخططاً في فريق الخميني، ومما أزعج الخميني أن فرار بني صدر تم بعد تنسيق على أعلى المستويات مع منظمة مجاهدي خلق صاحبة اليد الطولى بتأجيج الاحتجاجات ضد الشاه. وتركز الجدل على شراء الأسلحة من إسرائيل، وكاد أن يوقع الحكم الجديد في مأزق بسبب الشعارات المعادية لإسرائيل، التي ترتفع عالياً في سماء طهران وسائر المدن الإيرانية، ومن دون مقدمات، انفجرت قنبلة كبيرة عندما أبلغ (وزير الدفاع اجتماعاً عسكرياً أنهم بصدد شراء سلاح من إسرائيل، عجبنا كيف يفعل ذلك؟ قلت: من سمح لك بذلك؟ قال: الإمام الخميني، قلت هذا مستحيل! قال: أنا لا أجرؤ على عمل ذلك لوحدي. سارعت للقاء الخميني وسألته: هل سمحت بذلك؟ قال: نعم إن الإسلام يسمح بذلك، وإن الحرب هي الحرب، صعقت لذلك، صحيح أن الحرب هي الحرب، ولكنني أعتقد أن حربنا نظيفة، والجهاد هو أن نقنع الآخرين بوقف الحرب والتوق إلى السلام، نعم، هذا الذي يجب عمله وليس الذهاب إلى إسرائيل وشراء السلاح منها لحرب العرب، لا لن أرضى بذلك أبداً، حينها قال لي : إنك ضد الحرب، وكان عليك أن تقودها لأنك في موقع الرئاسة). هذه مشاهد خلفية كشفها بني صدر، وكشفت جانباً مما جرى في إيران خلال الحرب، وذلك شأن داخلي إيراني، ومن حقوقها السيادية في اختيار أصدقائها وتوصيف أعدائها، وليس من شأننا أن نطلب منها أن تنظر إلى العرب بعين الرضا، أو إلى إسرائيل وأمريكا بعين السخط، على الرغم من أنها كانت أشرّت على الاثنتين كونهما الشيطان الأصغر والشيطان الأكبر، وناصبتهما عداء تلفزيونياً بدأ الغاطس من حقائقه الخفية يظهر تباعاً، فإيران التي تزايد على العرب في دينهم وفي القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى، نجدها ترتد في أول اختبار مبدئي إلى موقف مناقض تماماً لشعاراتها المعلنة في معاداة إسرائيل، ويسلط هذا السلوك الضوء على نمط التفكير البراغماتي الذي تعتمده إيران وعلاقاتها مع الخارج، وهذه خاصية تنفرد بها الشخصية الإيرانية بصرف النظر عن طبيعة نظام الحكم فيها، فحسابات المنفعة تطغى على القيم والمبادئ، حتى عندما تكون الشعارات الإسلامية هي أكثر الشعارات ترديداً على ألسنة المسؤولين أو المتظاهرين أو في أجهزة الإعلام، واللافت في هذه النقطة أن من يسمى بزعيم الثورة الإسلامية وصاحب براءة اختراع بدعة ولاية الفقيه، هو من أجاز شراء السلاح من إسرائيل أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وأن من رفض تمرير الصفقة ولم ينجح في مسعاه هم الذين نبذهم الخميني ووصفهم بالعلمانيين المعادين للثورة الإسلامية، وهذه واحدة من مفارقات الثورة الإسلامية في إيران، حينما تمرر أسوأ القرارات السياسية بفتوى دينية من شخص ظل يزعم لنفسه عداء إسرائيل وسعيه لتحرير فلسطين، ولو بدلو ماء من كل مسلم على إسرائيل! لم يكن الإسلام عند الخميني أكثر من جسر له خاصية الجذب العالية لأوسع قطاعات جماهيرية، وأراده قدرة غلابة لقمع الأفكار الأخرى بأسلوب الفتوى المكفرة للآخرين، من أجل العبور إلى الأهداف الإيرانية المعلنة والخفية، قومياً في إقامة الإمبراطورية الفارسية الجديدة، وطائفياً في توظيف التشيع كلافتة لتبرير التوسع على حساب البلاد الإسلامية. وارتبطت هذه الظاهرة في سلوك إيران السياسي، بما تشهده المنطقة من استقطاب وصراعات إقليمية ودولية، كانت تأخذ أشكالاً وصيغاً مختلفة في كل مرحلة من المراحل، وهي اليوم تأخذ قوة دفع هائلة من خلال تزييف الشعارات الثورية التي تدعيها إيران لنفسها، مستغلة حالة معيبة من التقاعس العربي في مواجهة المتاجرة الرخيصة بقضايا الأمة وخاصة القضية الفلسطينية، من جانب الغرباء الذين هم في الواقع أبعد الناس عنها وأكثرهم زهداً بها. إيران مافيا كبيرة مؤخراً شهدت موسكو اجتماعاً جديداً لمجموعة 5+1 مع إيران بشأن ملفها النووي، وبعد الاجتماع ذكر أكثر من مسؤول غربي أن الاجتماع حقق تقدماً ملموساً، ولا أحد يدري ما هو المقصود بالتقدم الملموس! هل تحقق ذلك لأن إيران تنازلت عن جزء من مفردات برنامجها النووي؟ أم أن الدول الست هي التي تنازلت لإيران وأطلقت يدها في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، مقابل إيقاف التخصيب بنسبة 20%، لتتراجع عنه متى ما أرادت؟ إيران تريد توظيف ملفها النووي حتى قبل تحوله إلى قوة ردع حقيقية، لانتزاع تنازلات دولية وإقليمية، والاعتراف لها بدور المتحدث الرسمي باسم المنطقة والمعبر عن إرادتها، على الرغم من أنها لا تختلف عن إسرائيل في احتلال جزء من أرض المنطقة وتطمع بأجزاء أخرى، فضلاً عن أنها لا تجيد لغتها وأنها أكثر دولها تصادماً مع الدول الأخرى، ويبدو أن دخول روسيا على خط التمهيد لهذا الدور، وجد صداه عند كوفي عنان المكلف من جانب جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، بإيجاد حل للأزمة في سوريا، فقد طالب عنان أن تكون إيران جزءاً من أي حراك دولي لإيجاد مخرج من دوامة الأزمة. وهذا أمر لو حصل فإنه يعرض أمن المنطقة لأخطار فادحة، فيما لو منحت إيران هذا الدور العابر للحدود، فهي ومنذ تدخلاتها بتأسيس حزب الله اللبناني، وتوظيفه كرأس حربة لها في شرق المتوسط، كانت تخطط للانتقال من حالة التدخل في شؤون كثير من البلدان، إلى الحصول على ورقة قوية تجعل منها قوة مطلوبة في الاتصالات والمباحثات التي قد تجرى في أي وقت من الأوقات لحل الأزمات التي أسهمت هي باختلاقها أصلاً. فهل يحق للدول الكبرى عقد صفقة مع إيران؟ وخاصة عندما لا يرتبط الأمر بإيران وحدها وطموحاتها المشروعة وغير المشروعة، وإنما يرتبط بالأمن والاستقرار الدوليين في منطقة ظلت على مر العصور، مركز الأحداث وصنع القرارات الدولية بما فيها قرارات الدول البعيدة عنها، وعاملاً لنشوء الإمبراطوريات وزوالها. ينبغي للدول العربية المالكة للإرادة السياسية، أن ترفض منح هذه الفرصة لإيران مهما كانت الظروف، لأنها إن حصلت عليها، فإن عجلتها ستدور بتعجيل يكون من العسير السيطرة عليه مستقبلا، فدول المنطقة قادرة على التعبير عن مصالحها حتى بفرض أنها غير قادرة على الدفاع عن نفسها في الوقت الحاضر، بسبب انشغالها بملفات ملفقة تم إعدادها بإتقان من جانب تحالفات دولية، كانت إيران على الدوام جزءاً فاعلاً فيها، مثل ملفات الفتن الطائفية والنزعات الانفصالية التي عانى منها الوطن العربي طويلاً، والتي بدأت باتفاقية سايكس بيكو ولم تتوقف حتى اليوم، وكانت نسختها الجديدة شطر السودان إلى دولتين، وما ينتظر الدول القلقة، أسوأ من ذلك، لذلك يجب أن يكون للدول العربية كلمتها في الملف النووي الإيراني، ليس بمعنى استدراجها لكي تقدم تنازلاتها الخاصة لدور إقليمي لإيران مقابل فرملة مؤقتة على برنامجها النووي، وبعد تكريس هذه المكاسب يعاد فتح الملفات نفسها مجدداً، لانتزاع المزيد من التنازلات، هذا ليس تصوراً خيالياً لنوايا إيران المقسمة على مراحل، بل هو وقائع مستلّة من الأرض، من تجارب القضم الإيراني التدريجي للأراضي والمياه العراقية والعربية في شط العرب، وإقليم الأحواز والشاطئ الشرقي للخليج العربي وجزره، من مضيق هرمز وحتى المدينة التي يقام فيها المفاعل النووي الروسي في شمال الخليج العربي، وهي من بين أخطر ما يهدد البيئة والأمن في المنطقة، ولو كان للعرب حضور استراتيجي في العلاقات الدولية لأمكن إجبار روسيا على التراجع عن هذا الانحياز العدواني ضد الأمة العربية، فالمطلوب عربيا الخروج بموقف واحد يرتقي إلى مستوى التحدي الذي يواجه المنطقة. الأمن القومي والجامعة العربية يتعرض الأمن القومي العربي لأخطار الاختراق الخارجي، وخاصة دخول إيران على خط الأزمات العربية البعيدة جغرافياً عن حدود فارس، وهنا يطرح سؤال منطقي وملح، ما هو موقف جامعة الدول العربية مما يجري؟ هل تنتظر حصول الكارثة كي تدعو لعقد اجتماع طارئ للقمة أو لوزراء الخارجية؟ أم أن على العرب التصرف خارج إطار مؤسسة الجامعة العربية التي اعترتها شيخوخة أفقدتها أسنانها هذا في حال امتلاكها لأسنان أيام شبابها؟ إن الطرف الذي عليه أن يتحسس موضع الوجع، هو الذي يقف على مقربة من النار المستعرة قرب بيته، وهنا تتحدد مسؤولية دول مجلس التعاون الخليجي بالدرجة الأساس، فإيران إن وصلت كما تخطط هي وروسيا إلى شواطئ المتوسط وحرية أسطولها في عبور قناة السويس، ستوظف ذلك لتحقيق قفزات على الضفاف القريبة من المياه الدافئة، وستكون الجزر الإماراتية الثلاث، مجرد قاعدة متقدمة لتحقيق إنجازات أكبر، فشهية الولي الفقيه وأدواته المحلية لا حدود لها، وربما تجد في ما تعدّه تقاعساً من أصحاب الحق في الدفاع عن حقهم، مسوغاً للسطو على مال شائع. إن ضمان الأمن الجماعي لمنطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي من التهديد النووي الإيراني، يتطلب تنسيقاً عالياً بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل ربما يتطلب ما هو أبعد من ذلك، من خلال تسريع خطوات تفعيل دعوة الاتحاد الخليجي، وقد يمثل توظيف النفط كسلاح لممارسة الضغط على الدول التي ظلت تستهين بثقل العرب وتتجاهل مطالبهم، لدفعها إلى إعادة النظر بمواقفها التي لا تعبر عن رؤية سليمة، الفرصة المواتية لوقف تداع أكبر، لأنها تعودت في الماضي على الاستهانة بمواقف العرب بسبب توزع مواقفهم على محاور شتى. إن دول مجلس التعاون الخليجي تستطيع إيجاد قاعدة ارتكاز نوعية لها في مجال العلاقات الدولية، لأنها المنتج الرئيس لأكبر كمية من النفط الخام في العالم، وأكبر سوق استثمارية للشركات الكبرى، ومالكة لأكبر الفوائض المالية في بنوك العالم، ولو أنها وظفتها في الدفاع عن حقوقها على نحو سليم، لما تجرأت دولة كبيرة أو صغيرة على تجاهل ردود الفعل العربية، لذلك ومن باب المصلحة القومية العربية عموماً والخليجية خصوصاً، يجب الضغط من أجل ربط رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بجملة من الضوابط القانونية الصارمة، منها وقف التخصيب بكل درجاته وإزالة كل غموض يتعلق ببرنامجها النووي، ووقف الانتهاكات التي تمارسها السلطات الإيرانية ضد القوميات والأديان والمذاهب في الداخل، بما يضمن تطبيقاً صارماً لاتفاقيات لحقوق الإنسان، فليس من الحكمة أن تطلق يد إيران في انتهاكات حقوق الإنسان مع الشعوب الساكنة داخل خريطتها الجغرافية، من دون موقف دولي حازم جانب من الدول الكبرى ومن المنظمات الحقوقية والإنسانية، في حين تلاحق ولعوامل سياسية، دولاً أخرى سجلها في هذا المجال أنظف ألف مرة من السجل الإيراني الحافل بالانتهاكات الصارخة كلها. هناك أربع دول نووية في آسيا، يجب أن تخضع لنظام أمن دولي بإشراف الأمم المتحدة وبموجب الفصل السابع، وهذه الدول هي إسرائيل المرفوضة من جانب المحيط الذي زرعت فيه بالقوة العسكرية، فالعرب ليسو على استعداد لأداء مهمة التفاوض مع إسرائيل بشأن ترسانتها النووية تحت أي ظرف، على ذلك فإن الأمم المتحدة هي التي يجب أن تنهض بهذا الواجب، وإلا فإن على العرب وخاصة الدول التي تمتلك قدرة مادية، النهوض ببرنامج نووي متعدد الأغراض لضمان التوازن الاستراتيجي والردع المتبادل، مع دول ظلت تستصغر شأنهم بمناسبة وغير مناسبة، وعالم ينظر إلى الوضع القائم على أنه الوضع الذي يناسب مصالحه وحساباته الاستراتيجية، وهناك الهند وباكستان، اللتان تعيشان سباق تسلح يزيد من وطأة الفقر الذي يعيشه شعباهما، بسبب اقتفاء كل منها لخطوات الأخرى في مجال التسلح، وخاصة النووي والصواريخ مختلفة المديات، وكوريا الشمالية التي ركزت على التسليح مما أحدث مجاعة مروعة لشعب تقتطع اللقمة من فمه، لتذهب إلى برامج السلاح التي تريد الحكومات الوراثية من خلالها ابتزاز العالم ومنحها أكثر مما تستحق، وعلى العموم يمكن ملاحظة أن البرامج النووية في آسيا تقع في دول مجزأة، أو دول تغتصب أراضي لا تعود لها مثل إيران وإسرائيل. اجتماعات 5 + 1 إن تجاهل دول المنطقة في اجتماعات 5+1 لا بد أن يقرع جرس الإنذار وخاصة في منطقة الجزيرة والخليج العربي، من أن صفقات دولية يتم التحضير لها لتكون على حساب العرب، كما كان الأمر على الدوام في جميع الاتفاقيات والصفقات الدولية، منذ سايكس بيكو ووعد بلفور، فهذه المفاوضات تريد أن تعطي حقوقاً لإيران ستنعكس أخطارها على المنطقة بالدرجة الأولى، والأمر لا يتعلق باتفاقية لإقامة مزارع للزهور الهولندية أو العطور الفرنسية أو مشتقات الألبان الدنماركية أو الويسكي الاسكتلندي أو شبكة مطاعم ماكدونالد الأمريكية، أو تخلي روسيا عن الكافيار لصالح إيران، أو إقامة مراكز ومصانع لإنتاج الحرير الصيني الطبيعي في إيران، إنها مفاوضات تتعلق بالتكنولوجيا النووية التي تريد طهران توجيهها لإرهاب العرب بالدرجة الأولى، وتحقيق المزيد من القفزات في مجال الجغرافية السياسية على حساب أرضهم، وإرغامهم على التغريد مع سرب الولي الفقيه، ذلك كله يجري وسط صخب إعلامي إسرائيلي أمريكي زائف عن الخشية من برنامج إيران النووي، وتهديدات تصعد وتيرتها وتنخفض في واشنطن وتل أبيب بتوجيه ضربة لهذا البرنامج المثير للجدل السياسي والقلق الأمني إقليمياً ودولياً. إن العرب أكثر طرف متضرر من تطور البرنامج النووي الإيراني، لأنه ومهما قيل أو طرح في المحافل السياسية الإيرانية، ومهما بذلت الزعامة الإيرانية من جهد لتصويره على أنه لتوازن الردع النووي مع إسرائيل، فإن الأمر لا يعدو عن كونه جهداً إيرانياً منسقاً، من أجل إرهاب العرب وإخضاعهم لمنطق الابتزاز، لأنهم لوحدهم لا يمتلكون المكافئ النوعي لهذا البرنامج، وبالتالي فإنهم أسرع طرف في الاستجابة لما تفرضه طهران من ضغوط سياسية تدفع بهم للتصرف على نحو يحقق لإيران كل ما تريد من دون أن تطلق رصاصة واحدة إن لم يوجدوا الرد المقابل، كما تحقق لها ذلك في العراق وأخذت قوة الدفع ببرنامجها السياسي النفاث، من خلال الهيمنة الحقيقية على العراق بعد الاحتلال الأمريكي، تدفعها لتطوير أهدافها المعلنة كما حصل من خلال رفع الصوت في المطالبة بالبحرين وعسكرة الجزر الإماراتية العربية المحتلة الثلاث، والممرات الملاحية في الخليج العربي.