أرجع مجلس أمناء هيئة الإذاعة البريطانية المعروف باسم “بي بي سي تراست” ما أسماه التغطية المتحيزة لـ«بي بي سي” فيما يخص أحداث البحرين لصالح المعارضة على حساب الأطياف الأخرى في المجتمع البحريني إلى “ضيق الوقت المتاح لإعداد التقارير، تأثر المراسلين بموجة الربيع العربي إذ انتقل معظمهم من مصر وليبيا إلى البحرين، نقص البيانات والمعلومات لدى المراسلين عن البحرين ما أدى إلى إغفال البعد الطائفي للاحتجاجات، اعتقاد المراسلين أن مقاساً واحداً يناسب الجميع ومحاولة استنساخ الثورة المصرية ما أدى إلى عدم إعطاء الإصلاح الحكومي في البحرين حقه، عدم إمكانية التأكد دائماً من محتوى اللقطات التي يبثها الناشطون”.

وقال مجلس الأمناء في تقريره الرابع تحت عنوان “الحياد والدقة في التغطية الإعلامية”، إن التغطية الإعلامية التي واكبت الأحداث في عدة دول عربية كان بإمكانها أن تتوخى قدراً أكبر من الحياد والمصداقية”، مؤكداً أنه “ كان بالإمكان التأكد من محتوى اللقطات التي يبثها الناشطون عبر هواتفهم”.

وأضافت أنها توقّعت أن يردّ المديرون التنفيذيون لهيئة الإذاعة البريطانية على اتهام البحرين لهم بالانحياز “ولكن لم يحصل ذلك ويبدو أنهم بدلاً من أن يسعوا إلى دحض أي اتهام بالتكتم أو غض النظر، استبقوا الانتقادات من الطرف المقابل واعترفوا بالانحياز إلى درجة ما خلال الأسابيع الأولى من الاضطرابات لصالح المعارضة”.

ونقل التقرير عن فران انسورث، رئيس الإخبار قوله: “في البداية كنا نناضل لنتخطّى التعقيدات وميل نشرات الأخبار إلى اختزال الأحداث يعني أنّه كان من الصعب سرد قصّة معقّدة”، في حين قال جون ويليامز مدير الإخبار العالمية: “لقد نظرنا إلى ما كان يحدث في البحرين من خلال ما كان يحصل في أماكن أخرى وافترضنا أن الأغلبية الشيعّية كانت مضطهدة من الأقلية السنّية، لكن المسألة كانت أكثر تعقيداً من ذلك، وقد تم تصحيح هذا الخطأ في وقت لاحق وتمّ تحقيق الحياد شيئاً فشيئاً”.

أما بيتر هوروكس، مدير الإخبار العالمية، فيضيف: “من المهم أن نفهم وجهة النظر السنية تجاه تهديد المتمرّدين ليس من باب التبرير لكن لكي نفهم لماذا كان النظام يردّ بتلك الطريقة”. وقال إنه ليس الوحيد الذي شعر بأن “هيئة الإذاعة البريطانية كفّرت عن ذنبها عندما أرسلت غاردنر فرانك، مراسل بي بي سي في الأمن في أبريل إلى البحرين وهو رجل يتمتع بخبرة طويلة في المنطقة، إذ شعرالمسؤولون التنفيذيون أنّ هذه الخبرة والمعرفة بخلفيات الأمور ستمكن جاردنر من تقديم رواية أكثر تنوعاً وغير منحازة عن الصراع في البحرين مثل تلك التي قدمها زملاؤه في العام الماضي”.

وأشار التقرير إلى أن “غاردنر نفسه كان واضحاً جداً حول هذا الموضوع حين قال هناك بالتأكيد مشكلة في شهري أبريل ونوفمبر من العام الماضي، ولذلك ذهبتُ إلى هناك مرتين إثر اتهام هيئة الإذاعة البريطانية بتقديم قصّة مغلوطة من جهات عديدة واستمعتُ إلى الكثير من الشكاوى من البريطانيين المغتربين والسنّة، والآسيويين الوافدين الذين قالوا إن تغطية بي بي سي كانت من جانب واحد في الأشهر الأولى”، مشيراً إلى أن هذا الانحياز كان ربما “لعدم امتلاكنا لمكتب قاري أو محللين أكفّاء أو صحفيين مقيمين.

وأضاف غاردنر، بحسب التقرير،: “أرسلنا إلى البحرين أناساً مباشرة من ميدان التحرير أو من تونس، وقد طبّق هؤلاء نظريّة مقاس واحد يناسب الجميع، وأن المحتجين جيّدون والحكومة سيئة”.

وضرب التقرير أمثالاً بتغطيات صحفية تناولت أحداث البحرين منذ فبراير العام 2011 وحتى انحسار الأحداث بينها “ تقرير أعد في 24 ساعة أو أقل في ظروف صعبة للغاية ونقل كثيراً من المعلومات في دقيقتين قصيرتين وسعى إلى إشراك المشاهدين بشكل فعال في الدراما الإنسانية”، مشيراً إلى أن هذا “يعطي مثالاً جيّداً على حرفية البي بي سي من ناحية ولكنه يبرز إهمالاً بالغ الأهمية من ناحية أخرى إذ لم يشر التقرير إلى الانقسامات الطائفية والصراعات السابقة”.

واستدرك التقرير أنه “لا يمكن أن نتوقّع من الصحفيين أن يحفظوا عن ظهر قلب تاريخ أي صراع يعدّون حوله تقريراً”، وخلص التقرير إلى أنه “إذا كانت هذه هي حصيلة تقارير هيئة الإذاعة البريطانية، فإننا نجد لعدم الارتياح الذي أعرب عنه بعض المديرين التنفيذيين وبعض الشكاوى المقدمة من قبل السلطات البحرينية ومؤيديهم ما يبرّره”.

وسرد التقرير وجهات نظر سياسيين بريطانيين حول البحرين بينها مقابلة صحفية مع ديفيد ميلور، وهو وزير سابق في الحكومة البريطانية، إذ أكد أنه “يجب على الحكومة البريطانية أن تفهم المشاكل التي تعاني منها البحرين”، مشيراً إلى أنه “ليس جميع أعضاء المعارضة من المعتدلين بل منهم من تدرب في إيران التي ادعت سابقاً السيادة على البحرين”.

وأكد المسؤول البريطاني أن “البحرين شبه ديمقراطية ليبرالية ومتسامحة اجتهد ملكها وقام بمجهود كبير لخلق مؤسسات برلمانية”، مشيراً إلى أن “للغرب مصالح استراتيجية جد هامة في البحرين يجب أن تؤخذ في الحسبان قبل التسرع في الحكم(..) وآخر ما يحتاج إليه الغرب هو وجود حكومة موالية لإيران في البحرين”.

وأكد تقرير مجلس الأمناء “استمرار البي بي سي قراءة أزمة في البحرين في سياق ما سمي بالربيع العربي إذ كان من المؤمل نسخ الثورة المصرية، إلا أن ليبيا تمكنت بسهولة من كسب اهتمام وسائل الإعلام بينما تراجع الاهتمام بأحداث البحرين”، وقال التقرير إنه “بحلول 25 فبراير كان على اوين بنات جونز أن يحذر مستمعي برنامج اليوم إلى أنه “من السهل مع ما يحدث في ليبيا نسيان أحداث البحرين”.

ورأى التقرير أنه “يمكن وصف تغطية ال بي بي سي للأحداث في البحرين بأنها غير متوازنة ومتسمة بالارتجالية خاصة من طرف المسؤولين عن إرسال الصحفيين لتغطية الأحداث في الخارج”، مشيراً إلى أنه “ في منتصف فبراير ومنتصف مارس لم يكن هناك أي صحفي من ذوي الخبرة والمعرفة الجيدة بالأوضاع في البحرين، ولم يكن بإمكان أي أحد منهم البقاء في البحرين أكثر من أيام قليلة”.

وأشار تقرير البي بي سي إلى أن تقرير لجنة تقصي الحقائق تحدث عن انتهاكات إلا أنه أكد أن “حكومة البحرين كانت أبعد ما تكون عن رد فعل متعنت وقاس كالذي قام به القذافي في ليبيا في نفس الفترة، والرئيس الأسد في سوريا في وقت لاحق والحكومة بذلت جهداً وعبرت عن حسن نيتها لنزع فتيل الأزمة وعملاً بتوصيات لجنة تقصي الحقائق قامت بتدابير تهدف إلى تهدئة الرأي العام وعملت من خلال توصيات صاحب السمو الملكي ولي العهد على القيام بمفاوضات مع كل ألوان الطيف السياسي في محاولة للتوصل إلى حل للأزمة المستمرة ومن بين تلك التدابير تمكين المحتجين من الوصول إلى دوار دول مجلس التعاون (سابقاً)، الاستغناء عن خدمات أربعة وزراء من الحكومة، العفو عن مجموعة من الأشخاص مطلوبين للعدالة في قضايا سياسية والسماح للقادة السياسيين في المهجر بالعودة إلى وطنهم كما سمحت البحرين بالمظاهرات والمسيرات وأمرت قوات الأمن بضبط النفس وعدم تفريق المتظاهرين ولم تسجل حالة وفاة واحدة خلال الفترة بين 18 فبراير و15 مارس 2011”.

وأضاف أن “محاولات ولي العهد فشلت في التوصل إلى حل تفاوضي وأدت حالة ضبط النفس هذه إلى تصاعد حدة العنف الطائفي وتعطل سير الدروس في المدارس بسبب مشاركة الطلبة في المسيرات السياسية، والاشتباكات العنيفة في جامعة البحرين والهجمات ضد المغتربين وتعطيل حركة المرور في الشوارع الرئيسية في المنامة، وإنشاء “لجان شعبية” ومناطق تفتيش في العديد من الأحياء المجاورة للتصدي للمخربين وفي الفترة الفاصلة بين 12-13 مارس تدهورت الحالة الأمنية والنظام في البحرين إلى حد كبير”.

وقال التقرير إنه “حين وصل جاردنر إلى البحرين ووجه أسئلة محرجة للمسؤولين وحين كان يحرر التقارير حول نقاط التفتيش وحظر التجول المفروض من قبل الحكومة أشار إلى أن معظم أهل السنة والوافدين وجدوا في ذلك كل الاطمئنان بعد الفوضى وإقامة حواجز في الطرق من قبل المتظاهرين وكانت هذه اللمسات مفيدة، حيث تعطي بعداً إنسانياً للطائفة السنية وهواجسها بدلاً من البيانات الوزارية المقتضبة أو المظاهرات المؤيدة للحكومة، كما لاحظ جاردنر أن موقف المعارضة كان متذبذباً حينما عرض عليهم ولي العهد الحوار ملمحاً إلى أنهم يشتركون في تحمل المسؤولية فيما يحدث الآن ولم تكن النتائج لا ممتدحة ولا مطمئنة بالنسبة للحكومة ولأن “تحت الرماد اللهيب”.

وحضر بيل لو إلى البحرين، بحسب التقرير، وقدم تقريراً مدروساً إلى “أخبار المساء” تحدث فيه عن قائمة المظالم وجهود الملك الحقيقية للإصلاح وقد استجوب بيل أحد كبار ضباط الشرطة الأجانب الذي يعمل لإعادة تدريب الأجهزة الأمنية فأشار إلى أن “خطب رجال الدين الشيعة تحرض علي التوتر والعنف وقال “بقدر ما يتصاعد العنف تقل فرص هذا البلد الصغير في التوصل إلى حلول سلمية”.

وخلص التقرير إلى أن “الأحداث في البحرين لم تقع تغطيتها بشكل مكثف مثل ليبيا على الرغم من المصلحة الاستراتيجية لبريطانيا في البحرين والاتصالات الوثيقة معها وهي نقاط تم التركيز عليها مراراً وتكراراً في بداية الأزمة”، مشيراً إلى أن “أهم الأسباب الواضحة لهذا الاختلاف هي أولاً أن الأحداث في ليبيا كانت أكثر درامية، و(ثانياً) أن العائلة المالكة البحرينية لم تصل إلى ما قام به العقيد القذافي (أو عائلة الأسد في سوريا) من ناحية حجم وهول الفظائع التي كانوا بوسعهم ارتكابها ولذا من غير الوقعي أو المعقول أن نتوقع أن تحظى البحرين بنفس التغطية مثلها مثل ليبــــــيا لأن الفـــــرق بين الحالتين شاســـــع نوعاً ما”.