كتب - علي الشرقاوي:
في ساحة الغناء ، في كل الأوقات ، في كل الأماكن ، هناك جيل يؤسس وجيل يستفيد من التأسيس، جيل يضع اللبنات الأولى لأيِّ شيء، وجيل يواصل رفع البناء، إلى أنْ يتوقف ويأتي بعده جيل آخر وهكذا.
ويوسف فوني كما أراه دائماً، هو الصوت الغنائي المختلف الذي جاء بعد عمالقة التأسيس، محمد بن فارس وضاحي بن وليد ومحمد زويد. المبدعون الذين من خلالهم ارتفع صوت الغناء الجميل الأصيل، وهم الذين عانوا أكثر من غيرهم، لتثبيت الغناء وإخراجه من الدور، الأماكن المرفوضة من المجتمع، بسبب سيطرة الآراء التي تخشى الغناء، وإيصاله إلى المستمعين في البحرين وخارج البحرين، خصوصاً بعد ظهور اسطوانات القار، التي حركت الإبداع في الغناء وحولته إلى خبز يومي، يقتات منه كل المحتاجين إلى تغذية الوجدان، وتنظيف العواطف من الهموم اليومية .
شيء من الحياة
من المعروف لكل بحريني أن يوسف فوني من مواليد جزيرة المحرق، أرض المبدعين في كل المجالات، في الشعر والمسرح والفن التشكيلي وفي كرة القدم أيضاً. ولد عام 1928 واسمه الكامل هو يوسف بن جاسم بن محمد الملقب بيوسف فوني. وكانت والدته العراقية السيدة سكينة بنت إسماعيل البصري، هي التي ربته على حب الفن الغنائي والرسم. وحينما وصل يوسف للسادسة من عمره أرسلته والدته ليدرس القرآن الكريم عند المطوعة عائشة البواسطة، ومن ثم انتقل بعدها إلى أحد المدارس الخاصة في المحرق، وكانت هذه المدرسة تسمى دار العلم، وفي نهاية الثلاثينات واصل دراسته في مدرسة الهداية الخليفية.
الدخول إلى عالم الغناء
كل من تابع البدايات الأولى لعزّاف العود في البحرين، يعرف أنهم ابتدروا التلحين على الكلن ( وهو علبة صفيح دهن لخمسين كيلو كرام، توضع عليه الأوتار، والتي عادة ما تكون من خيوط النايلون التي تستخدم لصيد الأسماك).
ويوسف فوني بدأ التعلم على هذه الآلة وهو في الثالثة عشرة من عمره، محاولاً تقليد ما يسمع من أغان تخص المطربين البحرينيين المعروفين محمد بن فارس وضاحي بن وليد ومحمد زويد. إذ كان يسمعهم عن طريق الاسطوانات التي تتباهى القهاوي الشعبية، راغبة في زيادة عدد الزبائن، فالقهوة التي تذيع الأغاني وتملك جرامفون خاص بها، هي القهوة التي تتحول إلى قهوة مشهورة، يأتي إليها الزبائن من كل مكان. وفي صباه كان يوسف فوني يرتاد المقاهي الشعبية في المحرق بقصد سماع الاسطوانات.
ورشة الغناء في القهاوي الشعبية:
يذكر لنا الفنان يوسف محمد الذي كتب شيئاً من سيرة فوني، أنَّ فوني كان يذهب إلى مجلس علي بن موسى، حيث اعتاد أنْ يشاهد هناك الفنان جاسم العمران يعزف على آلة العود وبرفقته صديقه الفنان يوسف قاسم يعزف على الآلة الكمان، وكان فوني لا يملُّ من مشاهدة العازفين من خلال نافذة المجلس. وقد تميَّز يوسف عن إخوته بحبه للرسم والموسيقى.
السير في طريق الشهرة
يقول يوسف محمد إنه بدأ ذيوع صيت يوسف فوني في حي الزياني بالمحرق، وكذلك في الأحياء الأخرى القريبة باعتباره مطرباً ناشئاً ذا شعبية، رغم صغر سنه. وحين بلغ فوني سن الشباب وكان ذلك في بداية الأربعينات، اختاره أعضاء دار يوسف بن عبدالعزيز أن يكون المطرب الرئيس للدار، حيث تقع (بفريق) الصنقل بالمحرق.
استمرار مسيرة النجاح
فكل من يملك الإصرار يستطيع أنْ يكون ما يحلم أنْ يكون، استطاع الشاب يوسف فوني، بإصراره ورغبته العارمة في أنْ يكون مغنياً مختلفاً عن الآخرين، وأنْ يواصل مشواره الفني بعزم وإرادة، فتكلل ذلك الإصرار على المضيِّ في طريق الفن، بأن دعاه عبدالرحمن الساعاتي صاحب شركة للإسطوانات لتسجيل إسطواناته، وكانت أغنية بعنوان ‘’يحيى عمر قال قد طابت السمرة’’، وهي من ألحانه وغنائه وكان ذلك بداية الأربعينات.
كلمات أغنية يحيى عمر
«يحيى عمر قال إذا قد طابت السمـرة
يطيب قلبي وقلب العاشق المسلـوب
على صفا ود من ذا الحين إلى بكره
والقات والشاذلي ما بيننا مسكوب
أحيد باب الهوى يحتاج لـه ستـرة
ومن يحب العسل يصبر لقرص النوب
إنَّ الهوى والمحبة مثلما الجمرة
لكل عاشق مُعنّى له منـام مسلـوب
يامنية القلب حبك قـد غـدا شهـره
الله يحميك من خصلة بـلا أسلـوب
توعد وتخلف وتوقد في الحشا جمـره
الله لا حكّمك يا خشف يـا رعبـوب
لا تحسب إن الهوى حالي كما التمره
حلاه حالي إذا ما مـرره المحبـوب
فكم مضوا ناس قبلك من بني عـذره
راحوا ملوك الهوى ما منهم منـذوب
دلا دلا بي صدفنـي العطيلـي مـره
فقلت ارفق بحالـي أيهـا اليعسـوب».
بسبب نجاح أغنية ‘’يحيى عمر قال قد طابت السمرة’’ وانتشارها في الأوساط الشعبية، أخذ أصحاب محلات الإسطوانات في البحرين يتنافسون في تسجـيل إسطوانات المطرب يوسف فوني، ومن أشهر تلك التي اشتهرت للمطرب يوسف فوني في عقد الأربعينات وبداية الخمسينات ‘’كاسين ليمون’’ و’’أنا ويلي على خل جفاني’’ و’’تمنيت الصبا’’ وأغنية ‘’قال مصيوب الغواني’’ وغيرها من الأغاني. وقد استمر المطرب يوسف فوني في تحقيق نجاحاته الفنية الغنائية، وأصبح في سنوات قليلة من نجوم الغناء في البحرين والخليج العربي، وقد لفت هذا النجاح اهتمام الفنان العماني النشيط سالم راشد الصوري صاحب محل سالم فون لتسجيل وبيع الإسطوانات، والذي أقام في البحرين وأسهم من خلال نشاطه الفني في نشر الأغنية البحرينية منذ الأربعينات حتى نهاية عقد الستينات. ولشدة إعجاب الفنان سالم راشد الصوري بموهبة المطرب يوسف فوني قام بالاتصال به وبالاتفاق معه لتسجيل عدد من الإسطوانات في الهند، وكان ذلك في عام 1955 وبدأ أسلوب أغاني يوسف فوني في الانتشار، فقام عدد من المطربين الخليجيين بإعادة تسجيل عدد من أغنياته القديمة بأصواتهم، ومن أولئك المطربين الفنان محمد حسن، الفنان جعفر حبيب من البحرين، ومن الكويت الفنان حسين جاسم الذي أعاد بصوته تسجيل أغانيه.
أغانٍ كثيرة
من أغاني فهرس أعمال الفنان يوسف جاسم فونى: أحبة ربى صنعاء، الألف إني في الهوى، الله أكبر عظيم الشأن سبحانه، البارحة أحييت ليل الملا، العود ليمن ترنم، أمس الضحى فى عذابي، أنا قلبي على خلي، أنا والله ما أنسى كل غالي، أنا يا الله سألتك وانته اعذر، ترحم زلتي ياذا المعاني، تسلم ياسلمان ..يا ليلة دانة تسلم ياسلمان، تمنيت الصبا إللي راح يرجع، حبيبي زورنى باليوم ساعة، سافر حبيب الروح، سبحانك الله يارحمن ياذا الجلال، سلامي عندما ناحت حمامة، عظيم الشان يسّر لي مرادي، غريم الحب لا يبصر ويسمع، قال الفتى الشاقي، قال مطيوب الغواني، قد أودع القب نار الشوق والفكر، قلبك صخر جلمود، كاسين ليمون وشربيت، لولا محبتكم، مادرينا، مالك غنا عنا، من ذاق طعم الهوى، من صميم القلب أهديلك سلام، يا أسمر ليش تهجرني أنا، ياريم وادي عفيف، يا سعدي أنا الليلة، يا من يجيب الدعاء، يا ناس من مثله، يحيى عمر قال إذا قد طابت السمره، يقول بومطلق الأسما من الطلسم.
الرحيل لا يعني النهاية
اذا كان المرض لم يمهل يوسف فوني، والذي بترت قدمه بسبب مضاعفة مرض السكر، وتدهورت حالته الجسدية والنفسية وتوفي في مثل هذا اليوم، فإن أغانيه التي تركها، عبر حياته الفنية، ستبقى يتذكرها كل قلب محب، ليس في البحرين فقط، الأرض التي انطلق منها إبداعه، إنما في كل الدول العربية والعالم.