كتب – هشام الشيخ ومحيي الدين أنور:
مبانٍ قديمة جداً، لوحات وأسلاك الكهرباء وعدادات مكشوفة داخل البيوت.. مواقد غاز بجوار الأسلاك، أغراض العمال وملابسهم المبللة ملاصقة لها..، غرف ضيقة، دون نوافذ أو أي مظهر من مظاهر الحياة سوى أجساد تترامى هنا وهناك..هو حال سكن العمال في البحرين ، خاصة السائبة منها.
مرّ شهر على حادث مروع قضى بسببه عشرة عمال آسيويين أواخر مايو الماضي، بسبب حريق نتج من تماس كهربائي، في حين لا يزال ملف المساكن المتهالكة للعمال، يراوح مكانه دون حل يمنع تكرار وقوع مثل تلك المآسي.
«الوطن” زارت مناطق تتجمع فيها أعداد كبيرة من العمالة الوافدة في قلب المنامة، للتعرف على الأخطار المحتمل مواجهتها في منازلهم، حيث هناك أغلبية مساكن العمال قديمة وغير آدمية وكثير منها يحتاج إلى صيانة وترميم، بينما يبدو بعضها -على غير الحقيقة- بحالة جيدة بسبب الواجهة المصبوغة الخادعة. مشاهد صادمة تغص بها تلك الأماكن التي لا يمكن إطلاق وصف مسكن عليها نظراً للحالة المزرية التي يعيشها قاطنوها، وتبدو من الداخل كما لو أنها تقع في إحدى البلدان الأشد فقراً في العالم.
كان لافتاً أن التوصيلات الكهربائية جميعها عشوائي، والأسلاك متآكلة وتمتد على الأسقف الخشبية، وسط غياب أبسط قواعد الأمان والسلامة، وغياب تام للنظافة ، في مساكن يصبح الحديث فيها عن توفير طفايات الحريق مثاراً للسخرية وضرباً من الترف!
العمال الذين التقتهم “الوطن” يعلمون مدى خطورة الوضع، لكنهم يقولون إنهم لا يملكون فعل شيء في سكن يضطرون للمشاركة بين 10 أشخاص للغارفة الواحدة، فلا هم يستطيعون تعديلها بحكم معاشاتهم القليلة التي يرسلون أغلبها إلى أسرهم في بلدانهم، فضلاً عن أن هذه بالأساس مشكلة صاحب السكن وليس المستأجر.
العمال أقروا أنهم يعشيون ظروفاً خطيرة إذ ليس لديهم خيار أخر ولا يستطيعون تحمل تكاليف مسكن محترم، وهؤلاء العمال أغلبيتهم العظمى ممن يطلق عليهم “فري فيزا” من الذين يأتون بتأشيرات عمل صالحة لكنها وهمية، والأخطر أن عددا ممن التقتهم “الوطن” انتهت صلاحية إقامتهم ويقيمون في المملكة بشكل مخالف للقانون.
هيئة تنظيم سوق العمل اكتفت بالحديث عن مسؤولياتها في هذا الإطار، إذ قال الرئيس التنفيذي للهيئة أسامة العبسي: “نحن نرصد مخالفات العمال أثناء مزاولة العمل وفي أماكن عملهم (..) والقانون لا يسمح بالتفتيش على مساكن خاصة إلا بإذن من النيابة”.
وأضاف أن الهيئة مستمرة في أداء دورها في التفتيش على المخالفات طوال الوقت، إلى جانب حملات التفتيش المشتركة التي تنفذها بالتعاون مع وزارة البلديات، والداخلية، وإدارة الهجرة، ووزارة الصحة، مؤكداً فعالية تلك الحملات في التصدي لظاهرة العمالة غير النظامية.
وأوضح أن البلديات هي صاحبة الحق في رصد مخالفات البيع في الشارع، حيث يأتي دور هيئة سوق العمل عقب إثبات مخالفة العامل.
وأضاف أن النجاح الذي تحققه حملات التفتيش يواجه صعوبات تتعلق بعجز مراكز الإيواء عن استيعاب أعداد العمال قبل إنهاء إجراءات ترحيلهم إلى بلادهم التي تستغرق بين 2-4 أيام، موضحاً أن مركز الإيواء لا يمكن أن يكون سجناً لاعتبارات إنسانية.
وزارة العمل أكدت للوطن، في أكثر من مناسبة، على لسان الوزير جميل حميدان، ومدير قسم التفتيش العمالي أحمد الحايكي ، أن مسؤولية وزارة العمل تنحصر في مساكن العمال المسجلة في وزارة العمل لشركات حقيقية تعمل بشكل قانوني.
وكما هو معلوم فإن التشريعات الحالية لا تلزم صاحب العمل بتوفير مساكن للعمال، أو تجميعهم في منطقة جغرافية واحدة، كما إنه لا يوجد قانون يبيح دخول مساكن خاصة وتفتيشها ، حيث تعتبر مساكن العمال غير النظاميين ضمن المساكن الخاصة، التي يستأجرونها من المالك مباشرة.
النائب أحمد قراطة تفقد تلك المساكن أيضا، وتوجه بنداء إلى وزارتي البلديات والصحة، باتخاذ إجراءات عاجلة لإغاثة القاطنين بتلك المساكن خصوصا في مجمع 302 في الدائرة الثانية بالمنامة، حيث وصفها بأنها “لا تصلح حتى يعيش فيها الحيوانات”.
وقال لـ«الوطن”: “ يجب إزالة تلك المباني ، واتخاذ كافة الإجراءات من قبل الوزارات المعنية بالتعامل مع مشكلة مساكن العمال والعمالة السائبة”، مشيرا إلى أن “النواب سيلجؤون إلى استخدام أدواتهم البرلمانية في حال استمرار تقاعس عن حل المشكلة”.
وما يثير كثيراً من علامات الاستفهام أن أفراد تلك العمالة السائبة هم من غاسلي السيارات، والباعة الجائلين، الذين أصبحت بعض مناطقهم تبدو كأنها أحياء بمدينة هندية، حيث ينتشرون بوضوح وبأعداد كبيرة، يسهل على أية حملات تفتيش رصدهم.
وفي ظل غياب تحرك جاد أو رغبة حقيقية لدى الجهات المعنية بحل المشكلة، يظل من غير المعروف من المستفيد من بقاء تلك المساكن المتهالكة، وسبب ترك كل هذه الأعداد التي تقيم وتعمل بشكل غير قانوني في وضح النهار، رغم وجودهم في تجمعات معروفة، ومن هي الجهة التي ستكون مسؤولة عن الكارثة المقبلة التي ستقع مستقبلاً لهؤلاء العمال.