بالأمس جاءني أرق شديد لظروف ألمت بي.. فلم أستطع النوم.. تقلبت على فراشي يمنةً يسرةً.. لم تغمض لي جفن.. ولم تر عيني الظلام.. حتى أذن الفجر.. رددت مع المؤذن وسألت الله عز وجل أن تكون كفارة على ما اقترفت من أخطاء في حياتي وتجاه من أحب..

ما أجمل الاعتذار بعد صحوة الضمير وينطق بها القلب قبل اللسان.. لقد أدركت أن الاعتذار لا يسقط من هيبة الإنسان.. رغم أن الاعتذار قاس وينكأ الجرح من جديد ويعيد الألم والخطأ مرة أخرى.. لكن بالاعتذار تصفو النفوس.. وتودي إلى الصفح والتراضي.. ويسود الاطمئنان.. وراحة البال.. لذا تجدني دائماً أحاول تجاوز الأخطاء والانتقال من المشكلة إلى حلها.. وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون)..

أقول آسف يا ربى عن كل موقف لا يرضيك وجدتني فيه.. آسف يا رسولي على تقصيري بتطبيق سنتك واتباع هديك.. آسف يا نفسي لقد أشبعتك بالملذات دون تهذيب واتبعت هوى الشيطان.. آسف يا أمي لقد قصرت في بركِ لكثرة سفري.. آسف يا والدي لبعدي عنك كثيراً.. آسف يا زوجتي لتحملك عناء تربيتك لأبنائنا، لكن هي الظروف الصعبة التي أبعدتني عنك.. آسف يا أبنائي فلم أجد الوقت الكافي للجلوس والأنس معكم.. آسف يا أخوتي عن كل موقف صعب لم تجدوني فيه.. آسف يا أقربائي لعدم تواصلي معكم على الدوام.. آسف يا أصدقائي لتقصيري بخدمتكم وزيارتكم.. آسف يا زملائي فمنذ فترة لم التق بكم.. أسف لكل من علمني حرفاً ولم استطع رد الجميل له.. آسف لكل من ساعدني ووقف معي في محنتي وفي همي وفي حزني ولم أستطع رد جميله ولا عشر معشار ما قدمه لي..

آسف لكم أيها القراء عن كل كلمة خرجت منى نابية أو غير لائقة أو مقال قرأتموه ولم يعجبكم.. آسف لكل مسلم تعرفت عليه لاحقاً أو سابقاً وقصرت في وده وتواصلي معه.. آسف لكل من أخطأت في حقه ولم أعتذر له.. آسف لكل من أسأت إليه بقصد أو دون قصد.. آسف وآمل أن يصلكم اعتذاري.. فهل تتقبلون اعتذاري.؟ بعضنا يعتقد أن الاعتذار لا يتم إلا اعتقد أنه أخطأ خطأ لا يغفر.. أو ذنب لا يغتفر.. ونتناسى أنه ليس هناك إنسان معصوم عن الخطأ.. وأقلهم حظاً وهو الذي يواجه أخطاءه ويتدارك الأخطاء محاولاً إصلاحها قدر الاستطاعة.. وهذا هو السعيد في حياته..

الاعتراف بالخطأ شيء جميل.. ومن شيم المسلم الحق.. وقدوتنا التي نسير عليها هو رسول الأخلاق صلى الله عليه وسلم عندما لكز أحد صحابته لم يكتفِ صلى الله عليه وسلم معتذراً بأن أخرج بطنه ليقتص منه ذلك الصحابي بل قال (اللهم أيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له طهوراً).. هذا شيء جميل وخلق نبيل ونهج نبوي أصيل إذا اعتذر لك المخطئ أن تبادر مباشرة بقبول الاعتذار وتتسامح وتعفو.. حتى وإن كنت تعلم أنك على حق ومظلوماً والآخر على باطل وهو الظالم لك.. متذكراً قوله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)..