كتب - حسن خالد:

حقق الإسبان اللقب الثالث على التوالي خلال المشاركة الثالثة في المسابقات الكبرى وبأداء أثبت للجميع أن “كما كان للهولنديين والألمان عصر في السبعينات وكما كان لليوفي فريق أحلام في الثمانينات، فإن الألفية الحديثة أصبحت مصطلحاً إسبانياً”.

المنتخب الإسباني كان يجمع منتخبين، منتخب على أرض الميدان ومنتخب على دكة الاحتياط، وكان بإمكانه أن يجلب معه منتخباً ثالثاً ولكن اللوائح لا تسمح سوى بثلاثة وعشرين لاعب، وهذه هي ثمار التخطيط السليم والمدروس، فإن الإسبان لم يعملوا من أجل 5 سنوات قادمة بقدر ما خلقوا بيئة أخصب من أي بيئة أخرى، وتعمدت أن تصنع نوعية محددة من اللاعبين، نوعية اللاعب المرن مع الكرة الشاملة، الكرة التي ابتكرها رينوس ميتشيلز في السبعينات وأصيب بدائها يوهان كرويف في التسعينات ونقلها للبيئة الإسبانية في نهاية الثمانينات عندما تولى قيادة النادي الكاتالوني، فإن كل اللاعبين الذين ولدوا في فترة نهاية السبعينات والثمانينات وضعوا في أكاديميات وبيئات خصبة كأكاديمية “لا ماسيا” التي لها العدد الأكبر من المواليد في المنتخب الإسباني بتسعة لاعبين في التشكيلة أي لاعبي برشلونة.

إضافة لبيبي رينا حارس ليفربول والتلميذ السابق في المدرسة الكاتالونية، إذاً فالتخطيط السليم جعل من الكرة الإسبانية تجربة من أفضل التجارب في تاريخ كرة القدم بدون مبالغة، بالتفوق في كل الفئات العمرية والجنسية حتى، في الناشئين والشباب ومنتخب الفتيات الأقل من 17 والأول، هذا ليس سوى نتيجة للعمل الدؤوب المتفاني ذي النظرة الثاقبة البعيدة.

أيضاً تطور اللاعب الإسباني في الدفاع والذي كان مركزاً يشكل نقطة سوداء في هذا المنتخب، لم تكن إسبانيا تملك مدافعين بالجودة التي تملكها الآن، بل أيضاً أصبح المدافع الإسباني متعدد المراكز كما هو سيرجيو راموس الذي باستطاعته أن يلعب محوراً دفاعياً وظهيراً أيضاً، ولاعب الارتكاز الباسكي مارتينيز الذي اكتشفه بييلسا في الموسم الماضي بأنه من أفضل المدافعين في إسبانيا، فخرج اللاروخا من هذه البطولة وهو الفريق الذي لم يتلقَ سوى هدف دي ناتالي في أُولى مبارياته ضد الإيطاليين، إذاً فتنوع اللاعب الإسباني وقدراته المختلفة بالمراكز، كإنييستا لاعب الوسط العبقري الذي بات يلعب في جناح الهجوم، ونجم السيتيزن دافيد سيلفا الذي يشارك إنييستا في مركزه ولكن على الجهة اليمنى، كل ذلك جعل من إسبانيا تلعب كرة شاملة مثالية جداً، الفريق لم يكن فقط منظومة داخل الميدان، بل خارجها أيضاً بالتلاحم كان أبرز سمات هذا المنتخب وأفضل ما فيه من صفات، فوضع كل من لاعبي القطبين ريال مدريد وبرشلونة حداً للنزاعات المحلية ووثقوا حبل التعاون فيما بينهم، وهذا ما كنا نشاهده يومياً خلال فعاليات كأس الأمم الأوروبية في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، فنرى لاعبي البارسا والريال في صالة البولينغ، أو نراهم على مائدة عشاء، كل ذلك انعكس على الروح الإسبانية على أرض الملعب.

من أجمل الأمور في الحياة على الإطلاق أن يرى المرء نفسه ناجحاً وفق عمل مسبق، التخطيط طويل المدى جعل الإسبان يحصدوا ثلاثية، وأهدوا ديل بوسكي لقب المدرب الأول في التاريخ الذي يحصل على أقوى بطولات كرة القدم “دوري أبطال أوروبا مع الريال” وكأس العالم قبل عامين والآن يورو 2012، استطاع هذا الجيل بتعددية ألوانه وبكل تجرد وجدارة أن يكون من أفضل من داعب المستديرة على الإطلاق!