تحقيق - طارق مصباح:

«بلغت متأخرات فواتير الكهرباء والماء 69 مليون دينار، منها 22 مليون دينار للفواتير التي تزيد كل واحدة منها على 20 ألف دينار”

هذا ما أعلن وزير الطاقة عبد الحسين ميرزا خلال جلسة النواب بتاريخ (10 يناير 2012).

وأوضح الوزير في تلك الجلسة نفسها أن ثلث متأخرات الكهرباء والماء البالغة 69 مليوناً سببها 153 مواطناً ومؤسسة فقط، تجاوزت المبالغ المستحقة على كلٍّ منهم حاجز الـ20 ألف دينار، بما يشكل مجموعه 22 مليوناً و155 ألف دينار. وأعلن، أيضاً، أن مستوى الإنتاج الكهربائي في المملكة قفز مرتفعاً إلى أكثر من 4000 ميغاوات بعد تدشين محطة الدور للطاقة والمياه بتاريخ 2 مايو 2012 كأضخم مشروع مستقل لتوليد الكهرباء وتحلية المياه وأكبر مشروع صناعي للقطاع الخاص في البحرين، مشيراً إلى أن حاجة المملكة من الطاقة الفعلية لا تتعدى 3150 ميغاوات.

من الأرقام إلى الواقع!

لكن هذه الأرقام وهذه الإنجازات يسمع بها المواطن البسيط ومشكلات الكهرباء تكاد تحاصره في ظل حرارة جو دائمة في أغلب أشهر السنة!

وهذا الكلام ليس منا إنما من مواطنين التقيناهم وطالبوا بإصلاح “البنية التحتية” لخدمات الكهرباء في عدد من المناطق.

ويبدو أن لمدينة حمد الكبيرة قصة مختلفة مع الكهرباء لذلك توجهنا إليها لمعرفة احتياجات أهلها والوقوف على مشكلتها الحقيقية مع الطاقة التي تحول ليلنا نهاراً وصيفنا شتاء.

المواطن خليفة العبيدي الذي تصل إليه فاتورة كهرباء بأكثر من 300 دينار شهرياً، يشرح لنا ملابسات وصول هذه الفاتورة المرتفعة إليه وإلى غيره بالقول: نحن في مدينة حمد لا يعطوننا أكثر من مترين في القابل وات “كيبلات”، وهذا يسبب ضغطاً كبيراً على الكهرباء فترتفع بذلك قيمة الاستهلاك ومعها قيمة الفاتورة، ناهيكم عن الاحتراق الدائم لكيبلات الكهرباء تحت الأرض.

علمنا أن هذه المشكلة التي يعاني منها هذا المواطن كانت نتيجة للتصميم الخاطئ لمدينة حمد إذ صممت بحيث تخدم البيوت الصغيرة وقت إنشائها. أما اليوم ومع توسع النطاق العمراني للمدينة فالمشكلة أصبحت أزمة تؤرق السكان..

وهذا هو المواطن عبدالله المخضبي أراد تأمين مستقبل أفضل لأبنائه فوسع داره وبنى شقتين لأبنائه في البيت نفسه ولكنه لم يدرى أن هذا “الجرم” الذي ارتكبه سبب له ضغطاً في وصول التيار الكهربائي إلى منزله واحتراق دائم للكيبلات تحت الأرض بسبب المشكلة السابقة نفسها كلفته الكثير من الخسائر!

أما المواطن راشد الذوادي، فله قصة أخرى إذ اضطر مع عائلته أن يوصل “أسلاك كهربائية” لكي تصل الكهرباء إلى منزله بعد تكرار انقطاعها عن منزله وفساد الأطعمة فيه و«خراب” عدد من الأجهزة نتيجة هذا الانقطاع، فما السبب يا ترى؟!

أترك الكلام للذوادي: “ازداد التطور العمراني نتيجة الكثافة السكانية والمحطات الكهربائية في المناطق القديمة ما زالت لا تلبي الاحتياجات المطلوبة” وتساءل: “من يعوضنا عن الخسائر المتكررة التي تلحق بنا نتيجة ذلك”؟!

نحتاج نظرة

إنسانية من المسؤولين

تحدثنا إلى الناشط الاجتماعي جمال داوود والذي طالب بنظرة إنسانية من قبل المسؤولين في زيادة الطاقة الكهربائية من خلال زيادة طول الأسلاك الكهربائية “التسليك” لمواطني مدينة حمد بعد أن وسعت نسبة كبيرة منهم دورها وانتشر البناء العمودي والأفقي فيها من أجل أن يسكنوا معهم أبناءهم.

وأضاف داوود : أصبحت العائلات البحرينية تمتعض من مجيء قارئ العداد وتمنعه من دخول البيت فنشأ صراع ونزاع بين هيئة الكهرباء والمواطنين! مطالباً بعقد لقاءات بين كبار المسؤولين المعنيين في الكهرباء والبلديات والمواطنين لبحث مشكلاتهم واحتياجاتهم بهذا الصدد.

الاحتراق المستمر

اقترح مواطنون حزمة من الحلول لهذه المشكلة، فهل تجد آذاناً صاغية من المسؤولين؟!

المواطن إبراهيم زين الدين قال إن زياد طول القابل وات “الكيبلات” الأرضية لبيوت مدينة حمد سيعطي قوة احتياطية مستقبلية تقي من الانقطاع المتكرر للكهرباء والاحتراق المستمر لهذه الأسلاك تحت الأرض بالقرب من بيوتهم.

لكن المواطن أحمد عبدالعزيز رأى أن الحل في أن تضع وزارة الإسكان حلاً جذرياً فاعلاً لمشكلة الإسكان والإسراع في تقليل مدة الانتظار لتكون خمس سنوات على أكثر تقدير لكي لا يحدث ضغط على البيوت في شتى المناطق نتيجة توسعها وزيادة استهلاك الكهرباء فيها بينما كمية الكهرباء التي تصل إلى تلك المناطق لا تغطي الاحتياجات المطلوبة.

لن أدفع

ومن مدينة حمد توجهنا إلى مدينة عيسى، وحللنا ضيوفاً في مجلس النائب عيسى القاضي، إذ احتد النقاش وأبدى المواطنون استياءهم من استمرار تكرار انقطاع الكهرباء عنهم. وذكر المواطن أحمد حسين الهرمي موقفاً يتكرر معه وهو أن الفاتورة التي تأتيه دائماً يكتب عليها “ورثة أحمد حسين الهرمي” على الرغم من أنه على قيد الحياة، وقال: إن كثيراً من المواطنين بلغت مبالغ فواتيرهم أكثر من 7 آلاف دينار نتيجة عدم دفع فواتيرهم المستحقة.

وتعارض مع حديثه المواطن عبدالله العوضي الذي قال: إن خدمة الكهرباء ليست بالمجان لذا فإن على المواطنين الالتزام بدفع فواتيرهم أولاً بأول، متسائلاً: ما ذنبي أنا عندما ألتزم بالدفع ولا يقطع التيار عني بينما لا يدفع غيري وتصل مبلغ فاتورته إلى أكثر من 5 آلاف ثم تسقط عنه بمكرمة”؟!!

وطالب المواطن محمود البنخليل بإجراء دراسة حول أسباب تخلف نسبة كبيرة من المواطنين في دفع فواتير الكهرباء المستحقة عليهم طوال سنوات، وقال: أعرف بعض العائلات الفقيرة تعتمد فيها العجائز على أجهزة كهربائية وهم في حالة فقر ولا يستطيعون دفع تلك الفواتير، مطالباً بتوفير باحثين اجتماعيين في هيئة الكهرباء لدراسة الحالات الصعبة وعدم قطع التيار من دون معرفة السبب.

وتساءل البنخليل: أين مولدات الطوارئ في المناطق في حال استمر الضغط على محطات الكهرباء وانقطع التيار الكهربائي؟! مناشداً الهيئة توفير تلك المولدات في الأماكن الحساسة، مشيراً إلى إمكانية حدوث أزمة كهرباء في بعض الأوقات تتطلب وجود مثل تلك المولدات.

عدت بالحضور إلى سؤال المواطن عبدالله العوضي الذي تساءل عن فائدة الالتزام بدفع الفواتير إن عُلِمَ أن هناك مكرمة ستلغيها! فأرجع الناشط السياسي عبدالله بوغمار السبب في ذلك إلى الحكومة، وقال: إن الحكومة هي التي تسببت في تراكم الفواتير ووصولها إلى مبالغ خيالية فاقت عند بعضهم أكثر من 12 ألف دينار عندما استحدثت “المكرمة” التي أسقطت الفواتير المتأخرة.

الناشط الاجتماعي خالد المران اتفق مع بوغمار وأكد أن هذا الأمر يجافي جانب العدل، مطالباً أن تكون قيمة الشريحة واحدة حتى لا يحدث التلاعب في استهلاك الكهرباء وحساب العداد.

وقال المواطن حسن عرفة: لن ألتزم بدفع الفاتورة لأن الحكومة قد تتكرم وتسقطها عنا”! بينما رفع أحمد الهرمي شعار “المواطن البحريني لا يستطيع دفع الفواتير الحالية”.

مطالبة بـ «تصفير الفواتير»

وعندما توجهنا بالقضية إلى النائب عيسى القاضي قال: أنا أطالب الحكومة، وهذا مقترحي في المجلس النيابي وأبلغته إلى وزير الطاقة: المواطنون يطالبون بتصفير فواتيرهم الحالية وأن تنشأ محطات طوارئ في المحافظة الوسطى كما أنشئت في المحرق والرفاع.

وشكر القاضي جهود وزير الطاقة ورئيس هيئة الكهرباء والماء تعاونهم مع ما يطرح تحت قبة البرلمان، مناشداً أيضاً النظر في قضايا ما زالت معلقة عند بعض المواطنين من مستحقي الزوايا والذين لم يحصلوا عليها بسبب خدمات الكهرباء قرب بيوتهم. واتفق مع ما سبق الناشط الاجتماعي أسامة الخاجة الذي طالب بإعادة النظر في تكلفة التعرفة في فاتورة الكهرباء وتوحيدها ليستطيع المواطن دفع الفاتورة وأن تطور الهيئة من جانبها مشاريعها المتعلقة بخدمات الكهرباء، بينما علق الناشط السياسي عيسى سالمين: إن الصيف بدأ ولا يمكن أن نطالب المواطنين في ظل هذا الجو الحار أن لا يشغلوا المكيفات، وعلى الحكومة أن تحصد قيمة المتأخرات من الشركات الكبيرة أولاً وأن تلغي قيمة الفواتير السابقة للمواطنين.

بيت المحطات ومحطة في بيت!

اتصل بي عدد من المواطنين لأزورهم في بيوتهم لا لشيء إلا لمعاينة المضايقات التي يعانون منها لسنوات مع خدمات الكهرباء، المشكلة يا جماعة تعدت “الفواتير الخالية” إلى أمور لا يمكن تفسيرها!!

الحالة الأولى: أخذ بيدي المواطن عارف رمضان – من سكنة مجمع 813 بمدينة عيسى – لألتقط صورة غريبة لإنشاء محول كهرباء لصق بيته الذي تسكن فيه خمس عائلات، المشكلة أن الهيئة أخطرته أن المحولة الثالثة ستبنى قريباً منهم!! إنه يستغيث فـ “بدلاً من إزالة الخدمات في هذه الأرض لأحصل على مكرمة الزاوية يبنون 3 محطات عليها، بينما توجد مساحات خالية قرب بيتي!!

وأكد لنا المواطن أن سكان المجمع يقفون معه ويطالبون بإبعاد هذه المحطات إلى مكان أبعد نظراً لضررها الصحي.

الحالة الثانية: هل سمعتم عن محولة كهرباء داخل بيت؟! فكيف إذا علمتم أن هذه المحطة تعد من “الطراز القديم”! طبعاً ستقولون “الله يستر”!. هذا ما عاينته والتقطت له صورة في بيت المواطن عيسى بوهيلة من سكان المجمع نفسه، فمنذ 35 عاماً عندما حصل هذا الرجل على وحدة سكنية انتشلته من الشتات مع أسرته.. انتقل بوهيلة مع أسرته من المحرق إلى مدينة عيسى طلباً للراحة ولكنه ذات يوم وبعد عودته من العمل فوجئ بإنشاء محول للكهرباء في ساحة بيته!

الموضوع لم ينته هنا ولكنه بعد محاولات كلها باءت بالفشل لم يستطع تحريكها قيد أنملة على الرغم من أنه مستحق لمكرمة الزوايا وهذه المحطة في منطقة المكرمة!

وأضاف وهو يصف المعاناة: احترقت هذه المحطة ثلاث مرات، وهي من طراز قديم وكلما تعطل فيها شيء جاء العمال ليصلحوها! وكثيراً ما تنقطع الكهرباء عن المجمع.

واختتم بوهيلة حديثه معنا موجهاً كلمة إلى هيئة الكهرباء: إنني أحملكم مسؤولية خمس عائلات تسكن في هذا البيت وبخاصة 12 طفلاً لا يجدون مكاناً يلعبون فيه في ساحة البيت!!

إننا نناشد المسؤولين في الكهرباء والماء وعلى رأسهم وزير الطاقة الدكتور عبدالحسين ميرزا والرئيس التنفيذي لهيئة الكهرباء والماء الشيخ نواف بن إبراهيم بن حمد آل خليفة التدخل الفوري ورفع معاناة هؤلاء المواطنين وغيرهم وتقديم التسهيلات كافة لينعموا بالراحة في بيوتهم ويحصلوا على حقوقهم.

وزارة الكهرباء ترد

أفادت هيئة الكهرباء والماء في ردها على ما سبق من مشكلات المواطنين وتعليقاتهم ومقترحاتهم أن هناك تحسناً ملحوظاً في مؤشرات اعتمادية شبكة توزيع الكهرباء مقارنة بين 2011 والفترة الماضية من 2012، إذ كان المتوسط الشهري لمؤشر “فترة الانقطاع لكل مشترك SAIDI 80 دقيقة مشترك في 2011، مقارنة بـ26 دقيقة مشترك متوسط الأشهر الماضية من 2012. وبالنسبة إلى مؤشر “متوسط الزمن انقطاع – CAIDI في 2011 نحو 1107 دقيقة انقطاع، مقارنة بـ498 دقيقة انقطاع للفترة المنتهية من 2012.

وأكدت الهيئة أنها لن تكتفي بهذا التحسن وستبذل مزيداً من الجهود لخفض هذه المؤشرات لتصل إلى مستويات أفضل ينافس مثيلاتها في الدول المتقدمة، ونفذت الهيئة سعياً لهذا الهدف، أعمال فحص وصيانة شملت 3082 محطة كهرباء فرعية و5236 صندوق تغذية حائطي، ونفذت الهيئة أعمال تطوير لشبكة توزيع الكهرباء من خلال رفع سعة 81 محطة توزيع، والعمل جارٍ لتقوية 297 جزءاً من شبكة الجهد المنخفض، و405 مشروعات استبدال قابل وات “كيبلات” الجهد المنخفض، وتنفيذ 166 مشروع تقوية لشبكة جهد 11 ك.ف، و5 مشاريع استبدال “كيبلات” وتدشين جهد 11 ك.ف في 10 محطات رئيسة جديدة في مناطق مختلفة.

وأضافت الهيئة أنها راجعت وحدّثت جميع خطط الطوارئ الاحترازية في جميع الإدارات المعنية، شملت الإجراءات اللوجستية وتتضمن ضم عدد من الفنيين التابعين للمقاولين، بغية زيادة فرق عمل الصيانة الطارئة مع زيادة عدد المولدات الكهربائية المتنقلة لتصل إلى 124 مولداً، وزيادة عدد خطوط هواتف الطوارئ من 35 إلى 65 خطاً.

هذه مشكلات الكهرباء وفواتيرها وامتناع الناس عن دفع هذه الفواتير، فهل من حل؟