كتب - طارق مصباح:

أبناء الدائرة الأولى في الرفاع يسمون دائرتهم “الدائرة المنسية”، ويقولون : إن هذه التسمية تنطبق عليها لأن مجمعاتها شهدت تطوراً بطيئاً في الفترة الأخيرة، وبدت ملامح هذا التطور على استحياء بعد أن صبر الأهالي سنوات “عجافاً”!

شكاوى كثيرة طرحها علينا الأهالي أخذنا وألقيناها على طاولة العضو البلدي محمد موسى البلوشي، وانتظرنا الإجابة، ثم تجولنا في مجمعات هذه الدائرة والتقينا، واكتشفنا، من خلال العضو البلدي وإجاباته أن أغلب مجمعات هذه الدائرة تستغيث، وقليل منها تشهد تطوراً، وهذا يعني أن الدائرة الأولى لم تصل بعد إلى مرحلة التجميل التي شهدته كثير من مناطق محافظات المملكة ومجمعاتها!!

«فريج لبنان».. في الرفاع!

هل سمعتم بـ«فريج لبنان”.. هذه منطقة بحرينية وهي مجمع 909، الذي سعدت كثيراً عندما رأيت فيه قواعد الوحدات السكنية وأسسها التابعة للمشروع الإسكاني الجديد.

ويشكو أبناء المجمع 909 من أن أراضي مجمعهم مجمدة منذ نحو 15 عاماً! لماذا حدث هذا؟ وما أثر هذا القرار على السكان؟!

دعونا نستمع إلى حديث أقدم امرأة سكنت هذا المجمع، وهي أم عبدالله التي يعرفها الكبير والصغير، والتي تربى في بيتها أغلب رجال الرفاع ونسائها، هذه المرأة ما زالت تسكن في بيتها القديم المتهالك، تقول: “بيتي يقع ضمن منطقة البيوت التي سيبنى عليها المشروع الإسكاني للجنوبية، إلا أن هناك تأخيراً في استملاك البيت في المحاكم لأن الأمر متعلق بأسهم الميراث”.

هذه المرأة صبرت 15 عاماً ولا تدري هل ستعيش طويلاً مع هذه الحال أم أن أحداً من المسؤولين سيرأف بحالها؟!

انهيار سقف

«بسبب طول مدة وقف إعطاء تصاريح الترميم والبناء في مجمعنا انهار سقف بيتنا وازداد تدهور الأمور.. وما زلنا ننتظر الفرج”.

كذلك وصف المواطن ياسر فرحان بشير حالة بيته الآيل للسقوط الذي يعيش فيه في مجمع 909 مع عائلته و4 عائلات أخرى!، وكنت تلمس في حديثه الأسى.

ولكن ليس بشير وأم عبدالله هما الحالتين الوحيدتين في هذا الفريج، بل إن أغلب سكان بيوت هذا المجمع صبروا أكثر من عشر سنوات، ولكن “تثمين” وزارة الإسكان لبيوتهم طال وحاصرتهم ظروف قاسية عدة، فلا هم يستطيعون ترميمه ولا الوزارة ثمنته لشرائه ولا هم حصلوا على الخدمات الإسكانية! فمن أين يبدأ الحل وما هو ولماذا يحدث هذا كله بهؤلاء القوم؟!!

من 60 يوماً إلى 15 عاماً!

أرض مجمدة منذ 1997 على الرغم من أن قانون رخص البناء يسمح بوقف إعطاء الرخص في مدة لا تتعدى 60 يوماً!! واليوم وبعد 15 عاماً يُبنى مشروع إسكاني يضم 77 وحدة سكنية العمل جار فيه، وقرب هذا المشروع بيوت هذه مشكلاتها!

العضو البلدي محمد البلوشي علَّق على ذلك قائلاً: إن “مجمع 909 تحت التطوير ومشروع الصرف الصحي قيد العمل فيه وتم إدراجه ضمن مشروع وزارة البلديات للتنمية الحضرية”.

وبشأن مشكلة توقف رخص الاستملاك والبناء والترميم لنحو 15 عاماً والتي ألقت بظلالها السلبية على الأهالي، قال البلوشي: تم استملاك بعض البيوت في المجمع بأمر من ولي العهد والعمل جارٍ على الانتهاء منها قريباً، ولكن وقف إعطاء وزارة الإسكان لتراخيص البناء والاستملاك والترميم جاء لاستملاك بقية بيوت المجمع لتوسعة المشروع الإسكاني ولكن هناك بطء كبير ولافت في استملاك البيوت بسبب التأخر بتثمينها وتخليص معاملات الميراث ومشكلات أخرى لعائلات هذا المجمع ونتمنى أن تجد طريقها إلى الحل قريباً.

مساحات كافية!

استياء واسع تلمسه لدى الأهالي سببه أن هناك مساحات واسعة شاسعة مدَّ البصر في المحافظة الجنوبية ولكن المشاريع الإسكانية فيها ما زالت تحبو بخجل! الحياء مازال هو الصفة السائدة لتلك المشاريع التي لم تصل بعد لبعض الطلبات التي انتظرت منذ 1992م!

العضو البلوشي أشاد بالجهود المتواضعة لوزارة الإسكان لتغطية جزء من 1600 طلب لسكان المحافظة الجنوبية، وأوضح أنه طالب ببعض الأراضي للمشاريع الإسكانية وأخرى لاستراحات وحدائق وملاعب ولكنه في الغالب لا يجد الرد الوافي والجواب الكافي لا من البلديات ولا من الإسكان!

بنية تحتية متخلفة!

المواطن خليل إبراهيم ناصر وصف الحالة الصعبة التي تعيشها مجمعات الرفاع بقوله “البنية التحتية لأغلب المجمعات منذ التسعينيات، حتى سوق الرفاع لا يتناسب مع كثافة الزبائن الذين يزورنه والسيارات والعمارات التي تحيط به والزحمة في ازدياد..

العضو البلوشي طالب -كجزء من الحل- بعدم منح تراخيص بناء عمارات لا تشتمل على مواقف لسيارات سكانها، ولكنه ذكر أنه تم استبدال أعمدة الإنارة الأرضية بالأعمدة القصيرة التي تركب على جدران البيوت وهي أرخص وعملية بنحو أكبر وتوفر مساحات أوسع في الشوارع، معرباً عن أمله في تعاون هيئة الكهرباء في وضع أعمدة إنارة بدل تلك التي أزيلت مع أعمدة أسلاك الكهرباء ودفنت في الأرض، وأمله في أن يتعاون أصحاب البيوت في الموافقة على وضع تلك الإنارة على بيوتهم.

أزمة بيئية ومشكلات اجتماعية

المتجول في مجمع 901 يرى حجم المصيبة التي يعانيها السكان، فهو من المناطق المنكوبة بسبب تأخر وصول مشروع الصرف الصحي، فالمجاري تفيض بنحو مستمر وتسبب أزمة بيئية وصحية تهدد حياة الأهالي وتمنع الصغار من اللعب في الأحياء وتعكر صفو حياة الكبار!

وأثناء تصويري إحدى “البالوعات” التي تفيض بمياهها الملوثة في شوارع المجمع مرَّ أمامي أحد شباب الحي وعلَّقَ: “خلاص تعودنا.. الوضع صار طبيعي يا خوي”!!

العضو البلدي قال: إن مجمع 901 سيشمله مشروع الصرف الصحي في منتصف 2013، وأضاف: “بعد تعاون الجهاز التنفيذي في شفط هذه المياه على مدار الساعة سيحضر المقاول، الذي سينفذ المشروع، سيارات الشركة لشفطه، كما قمنا بتركيب 14 عمود إنارة جديد لتقوية الإضاءة.

وذكر البلوشي أنه تم الانتهاء من ربط المجمعات 905 و907 و911 بشبكات الصرف الصحي.

زحمة يا دنيا زحمة!!

سيارات تقف في منتصف “الدواعيس”.. شاحنات تنافس السيارات في المواقف العامة.. سيارات تصطف بنحو خاطئ تعيق انسيابية الحركة! مشاهد تلازم المجمعين 907 و911 والمنطقة الواقعة بينهما في شارع جرداب، العضو البلدي محمد البلوشي رأى أن إدارة المرور مقصرة بغيابها عن هذه المنطقة لرصد المخالفات والتقليل من آثارها التي خلقت مشكلات اجتماعية بين السكان نتيجة الازدحامات المرورية والوقوف الخاطئ وسد الشوارع وبناء عمارات شاهقة بين الأحياء السكنية، ونحن نقول : لا بد لهذا التخبط من علاج جذري لأن هناك مساحات صغيرة يوقف السكان سياراتهم فيها وهم خائفون من تحولها إلى عمارات، وحينئذٍ لن يجد أحد موقفاً لسيارته إلا خارج الرفاع!

البلوشي ذكر أن مشروع صيانة طرق مجمع 907 وتنظيمها تأخر كثيراً مما أدى إلى تفاقم المشكلة.

وقادنا البلوشي إلى أرض مخصصة لمواقف السيارات في مجمع 905 قرب مسجد بن طوق امتلأت بسيارات تابعة لمحل لتأجير السيارات، استغل الموقف ووضع فيها سياراته وسكان الحي لا يجدون مكاناً لسياراتهم، فماذا عسانا أن نقول؟!!

أكبر المصائب!

لعل ما تم رصده في تلك الدائرة يهون أمام أكبر “مصيبة” تكدر صفو حياة سكان مجمعات الدائرة الأولى وبخاصة مجمع 905، دعونا نستمع إلى ما يقوله الأهالي:

عبدالله محمد مطر أخذ بيدي إلى محال بيع السكراب وأكد لي أنها تعمل حتى منتصف الليل وتزعج الأهالي بأصوات الطرق والسحب واللحام بينما كثير من المحال والكراجات تغلق قبل الساعة 8 مساءً!

أما فارس سالم الرويعي، فقال إن وجود الكراجات قرب بيوتنا يسبب لنا قلقاً مستمراً لأن بعض الحرائق حدثت فيها مما أدى إلى تضرر البيوت القريبة منها! فهل من مجيب، مواطن آخر شكا قائلاً : إن “حاويات القمامة تمتلئ سريعاً بمخلفات الكراجات ومحال السكراب ولا يجد السكان مكاناً لوضع أكياس القمامة، مما شكل مشكلة تلوث ثلاثية الأبعاد.

هكذا وصف سعد سالم إدريس المعاناة التي يعانيها سكان مجمع 905.

لا تقف المشكلة عند هذا الحد، ولكنها تتعداه إلى مشاكل سكن العمالة الأجنبية العازبة في البيوت القديمة وخروجهم بملابس غير لائقة وحدوث تصرفات لا أخلاقية منهم تجاه أطفال المجمع ونسائه.

أذكّر القارئ الكريم أن مجمع 905 هو المجمع نفسه الذي شهد قبل شهر تقريباً حادثة وفاة عشرة عمال في بيتهم القديم المتهالك الذي يفتقد لأدنى اشتراطات السلامة والأمان، وليس هو فقط، بل إنني أثناء جولتي رأيت أن أغلب بيوت هذه العمالة متماثلة في الهم، ولا ندري هل ستتكرر الكارثة مرة أخرى؟!

لن تصدق إلا إذا رأيت!!

قبل أن أطرح الموضوع على العضو البلدي، قادني عدد من سكان المنطقة إلى بيت قديم تفوح منه روائح نتنة وقالوا لي إن هذا البيت بما فيه هو أكبر خطر على السكان، طرقنا الباب وطلبنا من العمال القاطنين فيه الدخول وإذا بي أُصدم بأكياس كبيرة من الرز والطحين والمواد الغذائية مكدسة فوق بعضها في أرجاء البيت الذي انتشرت فيه شتى أنواع الزواحف والحشرات والقوارض! عمال “لابسين من غير هدوم”.. إنارة خافتة في بيت أشبه بـ«بيت الأشباح”.. مطبخ خشبي ومواقد قديمة تقليدية.. توصيلات كهربائية رديئة ومكشوفة.. ملابس معلقة على الجدران.. إنه سكن العمالة العازبة لمن لم يشاهده من قبل!!

انتشار القوارض

أحد السكان قال لي إنهم يسمعون أصوات الفئران تلعب داخل هذا البيت مع غروب الشمس إلى قبيل الفجر، وذكر لي آخر أنه شاهد الفئران الكبيرة الحجم والمخيفة تخرج من المجاري القريبة من البيت ومن نوافذه المكسورة!

ربما لن يصدق بعضهم ما أروي لكم، ولكنه الواقع المؤلم الذي جعل كثيراً من أهالي الرفاع يغادرون المنطقة التي عاشوا طفولتهم البريئة وشبابهم الجميل فيها إلى مناطق أخرى أكثر تنظيماً وأروع جمالاً وأنقى من الناحية الصحية.. إنه حقاً أمر صعب للغاية..

الممثل البلدي للدائرة الأولى بالجنوبية محمد البلوشي قال: إن وزير شؤون البلديات والتخطيط العمراني جمعة الكعبي وافق على المقترح الذي تقدمت به لنقل المنطقة الخدمية في مجمع 905 إلى أرض مخصصة بالقرب من مصنع ألبا، وأشار إلى أن العمل جارٍ على استملاك تلك الأرض.

البلوشي يعتقد أن هذا المشروع هو الحل الجذري للمأساة وفهو يقول: نتمنى أن يتم الإسراع بتنفيذ هذا المشروع المهم جداً وأن يتم نقل الورش والكراجات وسكن العزاب وأن يتم تخصيص مواقف للشاحنات في تلك المنطقة بعد المشكلات المتكررة والشكاوى والملاحظات والمضايقات للأهالي.

وبانتظار الفرج..

في ختام جولتي في الدائرة الأولى في المحافظة الجنوبية ذكر لي البلوشي أخباراً طيبةً وهي أن مشكلات الدائرة كلها لها حل ولكنها تحتاج إلى تعاون الأهالي والوزارات المعنية، وأكد لي أن أغلب المشكلات في طور الدراسة والتنفيذ وبعضها يتعلق بتأخر تعاون بعض المقاولين أو بشح الأراضي أو بانتظار مشروع الصرف الصحي الذي سيتبعه التطوير الشامل والتخطيط المنظم، وأن الحلول ماضية في طريقها ولكنها تحتاج إلى صبر لأنها متدرجة إذ أنفقت الدولة ما مجموعه 9 مليون دينار على الدائرة الأولى خلال 2011 و2012، وأن الميزانية المخصصة للدائرة ستتضاعف في السنوات المقبلة، وقال: الأمور الآن أحسن من قبل ولله الحمد.

وشكر البلوشي اللجان الأهلية التي تتعاون معه في المجمعات 901، 905 و911 مشيداً بتعاون الأهالي الذين يقدمون ملاحظاتهم. و«الوطن” تتمنى الإسراع بتنفيذ المشروعات العالقة والتي هي في طور التنفيذ، وأن لا تكون هناك مماطلة غير مسوغة من بعض الجهات الحكومية أو غيرها للإسراع ما أمكن بتخفيف آلام المواطنين.. فهل يأتي الفرج قريباً؟!