الذين يبحثون عن حل لما اصطلحوا- حقاً وباطلاً - على تسميته- أزمة البحرين - خارج أرض البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي، هم صانعوها، والفكرة هي داينمو التأزيم، وهي المشكلة وليست الحل، فالحل في جدلية البحرين أو الحل البحريني، وفي الاستراتيجية الحاكمة اليوم أمور الشان الخليجي العربي كلها، (القرار المستقل).

إذا كان بوسنر على يقين من قدرة الوفاق على ذلك، ألا يعني هذا تورطها؟

محور الجدل الخليجي

ثمة محور أساس ربط المؤتمرات والندوات والفعاليات التي عالجت أمور أمن الخليج العربي كلها، منذ بداية الصحوة الخليجية إثر تكشف فراغ اتفاقات الحماية الأجنبية ومعاهداتها، وانصرافها لاستلاب القرار السياسي الخليجي، أمام قادة دوله، والتي رفعت درجة إنذارها أحداث فبراير الطائفية في البحرين، بالتزامن مع فعاليات الحراك المدني العربي، في مواجهة الأنظمة الشمولية القمعية العربية، واصطلح على تسميته بالربيع العربي، ذلك المحور هو استراتيجية استقلالية القرار الخليجي، ومستلزماتها، وهو ما تجلى في المؤتمر الأخير الذي عقد في المنامة تحت رعاية مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة DERASAT بالتعاون مع المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية بالعاصمة البريطانية – لندن RUST يومي 12- و13 يونيو الحالي، في قاعة فندق سوفتيل بالمنامة، تحت لافتة “أمن الخليج العربي: الحقائق الإقليمية والاهتمامات الدولية عبر الأقاليم”.

ومن الجدير ذكره هنا، أن استقلالية القرار الخليجي، من واقع البحرين -أمثولة- تواجه تحديين رئيسين، الأول يتمثل بتعدد مراكز القرار، أو تشتت القرار الخليجي، والثاني والذي يقلل الكثيرون من شأنه، بينما هو في الحقيقة حصان طروادة الذي يهدد بابتلاع الخليج أرضاً وشعوباً، وليس بمصادرة القرار الخليجي والهيمنة عليه وحسب، وهو التحدي المذهبي الطائفي -المسيس - الذي أصبح أداة استراتيجية في معادلات التغيير أو الانقلاب أو الاحتلال أو الهيمنة أو الاستلاب الأجنبي الذي يموهه الغرب أو يشفّره بمفردة (الإصلاح)، وهو ما أشار إليه في كلمته في المؤتمر صراحة وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة حين قال: إن “التطرف المذهبي من أبرز مهددات أمن الخليج في ظل وجود أطراف دولية تغذي هذا التطرف وتدعو للتفرقة وتعمل لتسييس الدين واستغلال المذاهب لمبتغيات سياسية متطرفة خلقت حالة من الإرهاب تتبناه بعض الأطراف، وهو ما يشكل تحدياً أمام إقامة الدولة العصرية المتسمة بالتعايش السلمي”.

في حين أشار مستشار الملك للشؤون الدبلوماسية ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة محمد عبدالغفار، إلى العامل الأول الذي رسمناه في استقلالية القرار الخليجي والمؤثرات المحلية والإقليمية والدولية التي تعيق فرضه بتأكيد ضرورة التعامل مع التحولات التي يشهدها العالم العربي ومناطق أخرى من العالم باستراتيجيات مستحدثة تتواءم وحجم تلك التحولات، وخصوصاً أن بعض تفاعلاتها أصبحت تؤثر على الأمن الداخلي والأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون.

ورأى عبدالغفار أن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دول مجلس التعاون إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد جاءت لتعكس تحولاً في الفكر الإستراتيجي لدول المجلس بما يتناسب مع متطلبات الأمن الوطني والأمن الإقليمي لهذه المنظمة الإقليمية المهمة.

ومن المؤكد بلا لبس، أن الوحدة الخليجية هي الركن الأساس لاستقلالية القرار الاستراتيجي الخليجي وفاعليته، ليس في المضمار الأمني وحسب، وإنما في عموم مناحي الحياة الأخرى، فضلاً على أنها الاستجابة الحية والوحيدة القادرة على احتواء تحديات الراهن الخليجي.

بين الأمن القومي وحقوق الإنسان

إلى ذلك أشار الدكتور جوناثن إيال مدير دراسات الأمن الدولية بالمعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية ببريطانيا إلى الأهمية الاستراتيجية لمملكة البحرين في الأمن الإقليمي، وهو الأمر الذي نركز في استهدافه في أغلب أطروحاتنا بشأن الثابت والمتغير الاستراتيجي في الأرخبيل العربي، لا بل في إقليم الشرق الأوسط بعامة.

إذ تستهدف ركائز الدولة العربية الخليجية ونظامها العام: الحاكم والاجتماعي، تحت تسميات ولافتات متنوعة لخداع الآخر، وصياغة قناعات جديدة سرابية الأسس، توحي بأنها معطيات العصر الراهن، عصر الشعوب، وغلبة حقوق الإنسان، في حين أن أعرق الدول تجارب في مراعاة حقوق الإنسان، بريطانيا على سبيل المثال، يقول رئيس وزرائها (عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي فلا يحدثني أحد عن حقوق الإنسان!) بمعنى أن ثمة تراتبية لا بد من إيلاء أولوياتها الأهمية التي تستحق في جدول الاستحقاقات، ومن يقرأ ويسمع ويرى الكيفية التي تعاملت بها الشرطة الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وهما ثلاث دول تعد من أعرق دول العالم تجربة وتراثاً في مراعاة حقوق الإنسان، يستنكر التصريحات التي أدلى بها عدد من كبار مسؤولي إداراتها الحكومية وأعمدة نظامها، بشأن السلوك المتحضر الذي ألتزمته شرطة وقوى امن الداخلية البحرينية في مواجهة عصابات المولوتوف وقطع الطرق ومستخدمي السلاح الأبيض تحت شعار (اسحقوهم)، ومطالباتهم قوى الدفاع عن النظام وحماية القانون وفرضه، بضبط النفس، مع أن الانتهاكات والمخالفات والمواجهات العنفية بينة لكل ذي عينين، ومن هنا يأتي قولنا إن جدلية البحرين هي الحل البحريني، فإذا كان الجدل البريطاني الحاكم في قوانين الكينونة والوجود والثبات والتطور، يبيح لرئيس وزراء بريطانيا أن يقدم أولوية الأمن القومي على مفردات حقوق الإنسان واستحقاقاتها، فلماذا يحرم على رئيس وزراء البحرين أن يمكن جدلية البحرين من أن تفرض حلها؟! أليس هذا هو الخروج على المنطق المتوازن والكيل بآلاف المكاييل، واحد تخريجات المؤامرة؟

المواطن في المنظومة الخليجية

وفي حين تحول الإنسان البريطاني في مطاحن الرأسمالية الغربية، التي تلبست عصرنا هذا لبوس العولمة، إلى برغي من براغي آلات الإنتاج، ورقم من أرقام الاستثمار المربح، والرصيد المتنامي ربا في البنوك، وبغير ذلك يجري سحقه، في منظومة اجتماعية مفهوم العدالة فيها في توزيع الدخل القومي قائم على النفعية الخالصة، بعيداً عن أي توجه إنساني، وهم الذين عابوا على الاشتراكيين مبدأ “من كل حسب طاقته وكل حسب عمله”، وعلى الشيوعيين مبدأهم الطوباوي “من كل حسب عمله ولكل حسب حاجته”، في حين تقدم الدولة والنظام العربي الخليجي بخصوصيته المميزة، على خروج الكثير من الحكام على قواعدها التأسيسية وديناميكيتها الأم، جدلاً يحتكم إلى قواعد تأسيس منظومة حاكمة لا يكون الفرد أو المواطن فيها عبداً مطحوناً، بل عنصراً فاعلاً في متلازمة الخبز والأمن والديمقراطية والاحتكام والحكم والمحكومية، ومنها تنبع العدالة التي يجد الرأسمال نفسه وفكره وآلياته في صميم لجة عدائها والتقاطع معها.

لبس المفاهيم والتباسها

وهذا هو سر التباس المفاهيم ولبسها المتعمد الذي يلجأ إليه، ليس الرأسمال العالمي ومؤسساته وحسب، وإنما كل من ينهج طريق الاستعمار والاستحواذ والهيمنة، للتعمية على غاياته الأساس، وهو ما نلمسه في الخلط بين حرية التعبير التي كان المسلم العربي أول من مارسها بمواجهة الحاكم، وأمثولة العربي الذي خاطب الخليفة الراشد أبا بكر بهذا الخصوص واضحة ولا تحتاج حتى استذكاراً، والتحريض على التمرد الفارغ والتقاطع والمخالفة الجرمية، وسيلة لغرض سياسي، وبين النقد بهدف التصويب والتقويم، والاختلاق بقصد توجيه اتهام، وافتعال الدليل عليه، وبين الاقتراح والدعوة للتحاور حوله، والدعوة للتغير بالقوة وممارسة فعاليات إقصاء الآخر!!

جدلية البحرين إذن.. هي الحل البحريني، والحل البحريني هو فتح الأبواب بين غرف البيت البحريني، وسماع آراء ساكنيها الآخرين جميعاً، من دون شروط ومن دون فروض، والحوار حول هذه الآراء ومناقشتها بنية الفهم عبر التفاهم للوصول لا بنية الغلبة، وإغلاق الطرق وصم الآذان.

وزير بريطاني يتجول في البحرين

وفي هذه الصفحة يحضرني بعض ما قاله وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط البريطاني ألستر بيرت في زيارته الأخيرة للبحرين، بهذا الصدد، إذ أكد بحرينية الحل، وأن بلاده لن تكون وسيطاً بين البحرينيين!! وهو كلام سليم، وفي منتهى المنطقية لو اقترن بالفعل على الأرض، إذ أشار بيرت إلى أن بلاده تدعم الحريات وفي مقدمتها حرية التعبير لكنها تقف بالتأكيد ضد العنف والتحريض على الكراهية الطائفية.

وهذا في الحقيقة اعتراف باللبس الذي وقعت فيه بعض أنظمة الغرب وأجهزة إعلامها في تعاملها مع أحداث فبراير في البحرين وامتداداتها إلى اليوم!!

لكن ما قاله بيرت مكملاً - كنت هنا آخر مرة في ديسمبر الماضي وهذه فرصة مهمة بالنسبة لي كي أتحدث لممثلين عن الحكومة وجمعيات سياسية ومنظمات مدنية وكذلك الاطلاع على الأوضاع عن قرب بعد مرور أشهر على صدور تقرير اللجنة الملكية المستقلة لتقصي الحقائق!! يوحي بأنه إنما تجول كمفتش عام لجرد المتحقق من افتراضاته وجداوله وسياسة بلاده في البحرين، فبأية صفة يعلل هذا الوزير في دولة أجنبية، جولته على ممثلي الحكومة والجمعيات السياسية والمنظمات المدنية، والاطلاع على أوضاع البحرين عن كثب؟! ولا علم لي برخصة منحتها الحكومة البحرينية لهذا الوزير للقيام بتلك الجولة، ولا بوجود بروتوكول للتعامل بالمثل في هذا الشأن بين بريطانيا والبحرين!! هذه جولة لا أقرأ في تفاصيلها غير التدخل، ودعك من عبارات: دولة صديقة، ونقدم الدعم، فتلك أغطية مهلهلة نعرفها لـ«أبو ناجي” من قديم الدهر، لا بل أن الوزير البريطاني كشف عن ممارسة رقابة صارمة ومستدامة على سلوك البحرين والبحرينيين حكومة وشعباً بجميع مكوناته، ويمكن لمس ذلك في قوله إشارة إلى مجريات مؤتمر جنيف لمجلس حقوق الإنسان والمراجعة الدولية لملف البحرين “نحن ندعم تنفيذ التوصيات الحقوقية ونحن سعداء بالعمل مع الجانب البحريني لا سيما وزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان صلاح علي وشخصيات حكومية أخرى من أجل دعم أي خطوات تطويرية من أجل دعم الوضع الحقوقي في البحرين”.

ولا بأس أن نذكر هنا، أن ما يريده الوزير هو رسم خطوات الإصلاح التي يطالب بها، على وفق تقرير بسيوني، كما صرح، إنما يجب تأكيد أن ذلك خيار بحريني محض، فماذا لو أن البحرينيين ارتأوا تجاوز تقرير بسيوني إلى ما هو أفضل، وعلى وفق الجدلية البحرينية التي يتمحور حديثي حولها؟ هل يتوقف كل شيء لأن تقرير بسيوني هو القالب المطلوب وحسب؟ وهذا لا يعني انتقاصاً من التقرير المذكور، بقدر ما هو تساؤل مشروع حول احتمال قائم تطرحه الخصوصية البحرينية، ورفضها وساطة أي طرف، مهما حسنت نيته، كما هو الحال مع جهود الخبير الأمني البريطاني جون ييتس -وإن كان عمله هنا ليس خطوة رسمية بريطانية، كما قال الوزير، بل توصية مستقلة- إلى جانب خبراء أمنيين آخرين!! أو رسمية كما هي جولة الصديق البريطاني، أو الصديق الأمريكي، فالأمريكان أيضاً أدلوا بدلوهم في البئر، وهم يرون المسعى يكاد يؤتي أكله من جانب النظام البحريني في دعواته إلى الحوار، ولا أعني هنا أنه سيثمر مؤكداً، فليس من مصلحة الطرف الإيراني ودرناته المزروعة في الأرض البحرينية أن يتحقق حوار ناجح يلغي مرامي قم وطهران وغاياتها في جمهورية البحرين الإسلامية، إنما أقصد فلاح النظام في طرح أوراقه وإحراق الأوراق الصفر المضادة.

الدلو الأمريكي

والدلو الأمريكي أدلاه مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل مايكل بوسنر الذي زار البحرين هو الآخر وأكد أنه طالب خلال لقائه جمعية الوفاق أن تدفع باتجاه الحد من أشكال العنف والممارسات غير السلمية في الشوارع، وأن تكون جزءاً من معادلة الحوار الوطني والعمل مع أطياف المجتمع البحريني كافة لتمهيد الطريق نحو مستقبل أفضل!!

ولا أدري تعقيباً على هذا الكلام الذي أثار جملة من الأسئلة المهمة ببالي، أية صفة خولت بوسنر الطلب من جمعية الوفاق ما طلب؟! وهل أن لديه أدلة على أن بإمكانها الحد من العنف والممارسات غير السلمية في الشوارع؟ وإذا كان على يقين من قدرتها على ذلك، ألا يعني هذا تورطها؟

ولفت بوسنر في مؤتمر صحافي عقده بالسفارة الأمريكية إلى أن لقاءه “الصريح والمنفتح” مع الجمعيات السياسية أفضى إلى “تأكيد حساسية المرحلة وأنه حان الوقت للجلوس إلى طاولة واحدة للتحاور الإيجابي والتفكير بإبداعية لخدمة مصالح المجتمع ومنفعته بالدرجة الأولى”.

وشدد بوسنر على أن مملكة البحرين كانت ولا تزال “شريكاً وحليفاً وصديقاً مهماً للولايات المتحدة الأمريكية”.

وإذا حذفت العبارة الأخيرة بصفتها تماثل عبارة الصديق البريطاني في الهدف والأسلوب، فاني أجد نفسي مجبراً على تكرار سؤالي، بأية صفة يتحدث بوسنر بهذا الأسلوب الذي يوحي وكأنه يملك سلطة غامضة على جمعية الوفاق!! تتجاوز حتى سلطة النظام والحكومة؟!

وأتمنى أن أكون أسأت الفهم والتحليل، بدلاً من أن أكون مصيباً، حتى لا تخسر البحرين صداقة حقيقية تاريخية ربطتها بأمريكا بسبب تدخلات مرفوضة في الشأن الداخلي البحريني، فبوسنر هو الآخر قام بجولة شبيهة بجولة الوزير البريطاني آنفة الذكر، إذ يقول:

«خلال زيارتي التقيت عدداً من كبار المسؤولين والمحامين والصحافيين والكادر الطبي ونشطاء في حقوق الإنسان وأعضاء في عدد من الجمعيات السياسية، واطلعت على الكثير من التطورات التي حدثت منذ زيارتي الأخيرة في شهر فبراير من هذا العام، وكانت نقاشاتي هنا مثمرة ومنفتحة وحيوية عكست مدى عمق العلاقة الطويلة بين حكومتي البلدين وشعبيهما!!

ولا أدري وسؤالي هذا يفتقر إلى البراءة لكنه لا يفتقر إلى المشروعية والمنطق، هل بإمكان مسؤولين آخرين من دول صديقة للبحرين القيام بجولات مماثلة؟

والمسؤول الأمريكي هو الآخر يركز على مسارين في مهمته البحرينية، الأول هو تقرير بسيوني وضرورة الانصياع التام لما فرضه، والآخر ملف حقوق الإنسان، وإذا كنا في المسار الأول رضينا التقرير ووضعنا احتمال البناء فوقه، فإننا بالنسبة للموضوع الثاني نعيد إلى الأذهان مقولة رئيس وزراء بريطانيا في ما يخص ترتيب الأولويات، ولا أبغي هنا التقليل من شأن المطالبة بالإصلاحات في ملف حقوق الإنسان في البحرين، لكنني أرى أنه أمر يخضع بالمطلق لديناميكية جدلية البحرين، وجدولة أولوياتها على وفق تحديات الراهن، وأن الراهن البحريني الذي يعيش أجواء مؤامرة محلية إقليمية دولية، ليس المناخ والبيئة الموائمة، لتحقيق بناء سقوف عليا في مديات زمنية محددة، وإنما يتيح وبمشقة أيضاً، لكنها لازمة ، بناء سقوف متعالية في مديات زمنية مفتوحة، مرهونة بتراتبية لا تقبل الجدل في أولوية أمن الكيان البحريني ووجوده، على مرتكز العروبة والتميز الخليجي، والنسيج الخاص للشخصية العامة البحرينية، والتراتبية التي أعنيها يحددها أبناء البحرين أنفسهم، أبناء بحرين ما بعد أحداث نوفمبر وبيان مشيمع الانقلابي وتصريحات الشيخين عيسى قاسم وعلي سلمان الذي ما زال صدى تهديداته يرن في فضاءات البحرين، حيث يقول:

“اعلم أن مجرد كلمتين بفتوى شرعية تجعل عشرات الآلاف من أبناء هذا الشعب يحملون أرواحهم على كفوفهم ويخرجون خروجاً لا يبقي ولا يذر”!! ولو كان هذا الخروج خروجاً لأجل البحرين لانتفت جملة لا يبقي ولا يذر، وحلت محلها جملة بنائية تبقي وتعمر، ولكانت هي الأساس الذي تبنى عليه المصالحة الوطنية، والحوار المثمر، لكنه خروج لغايات أخرى، يذكر فيه علي سلمان أنه خليفة عبد الأمير الجمري، خروج لا يبقي ولا يذر، وهو ما يجعل جدلية البحرين ترتب أولوياتها على وفق نسق آخر يملك من المشروعية ما يملكه كل بحريني من حق في بحرين عربية مستقلة يحكمها أبناؤها.

وأمامي الآن وعلى صفحات العديد من الصحف الوطنية البحرينية، تساؤلات منطقية عن زيارة المسؤولين البريطاني والأمريكي، وما إذا كانت تمت بدعوة بحرينية، أو برغبة بحرينية حتى، وفي رأيي فان هذه الزيارات جرت وستستمر ما لم توقفها الحكومة البحرينية، بغرض متابعة وجرد حساب متحقق سيناريو التغيير في البحرين المموه بمفردة (الإصلاح) - أكرر مفردة التغيير المموهة بمفردة – الإصلاح – ويفضحها تزامنها والقرار القضائي البحريني بشأن قضية الملاك الطبي في السلمانية ودوره في أحداث فبراير التآمرية الطائفية الدموية.

أحداث سوريا

وتأتي أيضاً بالتزامن مع تصاعد حدة الأحداث في سوريا باتجاه التغيير الحتمي، مع اختلاف الأسلوب، فالدموية الغالبة في سوريا لا يمكن استنساخها في البحرين، لأن ذلك يعني أن الدماء ستلون مياه الأرخبيل العربي كلها، مع عدم التقليل من شأن ما يسفك من دماء الشعب السوري، وإن كان الغرب لا يمانع في ذلك على وفق فروض مصالحه، لا يمانع لكنه لا يستطيع، ذلك لأن الكلفة أكبر من القدرة على استيعابها بله احتمالها، كما أنها ورقة خاسرة بالمعايير كلها، والبحرين إلى ذلك ليست وحدها، وإن لم يقم الاتحاد الخليجي بعد، لكن وحدة القرار الخليجي كما تؤكد مؤتمرات دوله، يقينية في القضايا المصيرية، فهي كتلة دول مجلس التعاون، ولهذه الكتلة استحقاقاتها وفروضها المختلفة إلى حد بعيد عن الوضع في سوريا التي يناهض نظامها الجامعة العربية، ولا تقف معها إلا إيران معدومة الفاعلية دولياً، بينما تقف مع البحرين كتلة مجلس التعاون ويقف العرب كلهم مع هذه الكتلة، فضلاً على الشركاء والأصدقاء في عموم العالم، وكتلة مجلس التعاون حين يحيق بها الخطر مباشرة، وتحترق أصابعها في البحرين، لن تقف مكتوفة الأيدي طبقا لإرادة الصديق أو الحليف الغربي، لا بد من الحل الناعم إذن كما بات الغرب يسمي تحركاته في البحرين، وعلى وفق الرؤية الغربية، وبمتابعة المتخصصين في إداراتهم، وهذا هو سبب تشخيص وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط البريطاني الستر بيرت وقرينه مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل مايكل بوسنر، لمتابعة سيناريو الحل في البحرين، الذين أفزعتهم رسالة القضاء البحريني الأخيرة، وفحواها أن القرار البحريني لن يجامل على حساب استحقاقات الكيان - الدولة - النظام - المجتمع - الثوابت البحرينية، وهي تقول بلسان عربي فصيح: إن جدلية البحرين، هي الحل البحريني، ولا حل غيره.