حاوره – عبدالرحمن صالح الدوسري:
جاسم علي محمد الكعبي، أحد المؤسسين للحركة الكشفية في البحرين. يمتلك خبرة طويلة وحياة مليئة بالمحطات المهمة، أهلته لأن يتقلد عدة مناصب، وأن تستعين به دولة الإمارات العربية المتحدة في تشكيل حركتها الكشفية، وقد صدر له مؤخراً كتاب بعنوان “رواد وقادة الحركة الكشفية في البحرين” جاء ليوثّق العاملين منذ العشرينيات والثلاثينيات وما بذلوه من أجل تأسيس الكشافة ونشاطاتهم في تلك الفترة. بدأ الكعبي الإعداد للكتاب منذ 2007 وصدر العام 2011 في أكثر من 250 صفحة، وقد حاول أن يدعم الكتاب بالصور التي تعيد القارئ لتلك الفترة التي كانت واحدة من أجمل الأيام التي كانت فيها الحركة الكشفية في البحرين رائدة.
«الوطن” التقت بجاسم الكعبي، للاطلاع على تجربته الغنية في الكشافة من خلال حديث ذكريات...
مدرسة الحد الجنوبية
بدأ جاسم الكعبي حياته من مدرسة الحد الجنوبية، ومنها يقول: انتقلت بعد الحد الجنوبية إلى مدرسة الهداية الخليفية في مرحلة الأول والثاني الإعدادي، ثم إلى المنامة الثانوية “ قسم المعلمين”، حتى تخرجت في يونيو 1966م. وبدأت كشافاً في مدرسة الحد الشمالية، وفي مدرسة الهداية صرت كشافاً متقدماً، وفي مرحلة التوجيهي أصبحت منتدباً، وأشرفت على فرقة الحد الشمالية. وأذكر ممن كان معنا في الحد كل من؛ حسن عبدالله الذوادي، محمد سعد الحوطي، عبدالعزيز إبراهيم العمادي، وعبدالعزيز جنيد، كانوا جميعاً في الحد، فمنهم من واصل ككشاف متقدم ومنهم من تقاعد.
ويضيف: أنا متزوج وأب لولدين وثلاث بنات، أما هواياتي فهي، الرحلات والعمل التطوعي، وكانت وظيفتي قبل التقاعد رئيس الأنشطة الشبابية بالمؤسسة العامه للشباب والرياضة. ففي أكتوبر 1967م بعد الانتداب لمدة سنة، أصبحت بين 67 و1968 مدرساً رسمياً ، وفي الوقت نفسه كنت قائداً كشفي، وبين عامي 68 و1969 صرت مدرساً وقائداً في الحد الابتدائية الإعدادية.
العمل في الإمارات
بعد ذلك تم انتداب الكعبي للعمل في أبوظبي. وبشأن ذلك يتابع: لقد تم انتدابي للعمل في أبوظبي وكنت مدرساً في مدرسة مالك بن أنس بين 69 و1970م وفي السنة التي تلتها 70 و1971م كنت مشرفاً ومدرساً في المدرسة نفسها، وعندما تم انتدابي إلى أبوظبي عملت مدرساً في المدرسة الحمدانية. هذه التجربة كانت جديدة علي، إذ كانت المسافة من منطقة سكني في أبوظبي إلى المدرسة 6 ساعات في طريق غير معبد بالإسفلت ورملي، وكانت وسيلة تنقلنا سيارات “الجيب” لمقاومة “التغريز” في الرمل. وفي العام 1972م تم تعييني في مكتب التربية بمنطقة العين في أبوظبي، وهذا المكتب كان المسؤول عن التربية والكشافة في أبوظبي، وعيّنت مسؤولاً عن الكشافة بمنطقة العين.
يشير الكعبي إلى أنه في العام نفسه أقيم مخيم كشفي شاركت فيه حوالي سبع عشرة مدرسة، وكان أغلب القادة في هذا المخيم من البحرينيين، ومنهم محمد ياسين، يوسف السعد، سعد الحوطي، عيسى مقهوي وحسن المرزوقي. وقد شهد المخيم حدثاً مهماً وهو كما يقول الكعبي: لقد وزارنا في هذا المخيم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، حاكم أبوظبي في ذلك الوقت. وأتذكر أنه زارنا وصلى معنا المغرب وظل إلى ما بعد صلاة العشاء، وزار جميع الفرق المشاركة في المخيم. وكان يسأل الجميع عن ظروفهم ومدى ارتياحهم في المعسكر وما النواقص التي يودون ملأها، وكان يسأل عن الطبخات والأكلات وهل أننا نشعر بالراحة؟. وقد أمر بذبح جمل للمخيم، كما أمر بتعيين خباز خاص للمخيم، وكذلك أحد المسؤولين في فرقة الخيالة ليكون متواجداً معنا، ما يشعرك ببساطة هذا الرجل وأنه لم يكن ليقوم بزيارة رسمية لكنه اعتبر نفسه إنساناً عادياً وليس رئيس دولة. وكان يسعده أن يشاركنا الأكل والتجوال وقضاء الوقت في المخيمات جالساً على الأرض بكل بساطة. رحمة الله عليه كان رجلاً بسيطاً ومحباً للآخرين.
العودة إلى البحرين
بعد أربع سنوات من العمل في الإمارات، عاد الكعبي إلى البحرين وعمل من جديد بمدرسة الحد، وقبل الحد تم تعيينه بصفة مؤقتة في مدرسة القضيبية الابتدائية وعراد الابتدائية. لكن بعدها تم انتدابه من جديد إلى أبوظبي حيث عيّن بمدرسة أحمد بن القاسم في أبوظبي بوظيفة مشرف إداري. ويضيف الكعبي: كنت أيضاً متطوعاً بلجنة أبوظبي الكشفية. وبعدها انتقلت إلى مدرسة “مصفح” الابتدائية وتبعد نصف ساعة عن أبوظبي ، وفي 77 و78 كنت المدير المساعد ومشرف تعليم وأعمل في لجنة التدريب للكشافة، وفي السنة التي تلتها تم تعييني مديراً للمدرسة. وهناك كنت أنظّم دورات تأهيلية للكشافة، بالتعاون مع الأخوة القادة في الحركة الكشفية.
المشاركات الخارجية
الكعبي حضر مشاركات خارجية كثيرة، يقول حولها: كانت أولى مشاركاتي الخارجية بين 71 و1972م حيث ابتعثت ممثلاً لأبوظبي في “التجمع التجوالي للحجاج” في مكة، وفي الموصل في المعسكر الكشفي العربي 1972م بالعراق، وكنت رئيساً للوفد الكشفي ومعي المرحوم عبدالكريم صنقور، عبدالرحمن جمعة، وكان الوفد يتكون من ثلاثين كشافاً. وكان رئيس الوفد الإداري هو محمد صقر من الشارقة، وكان مناطاً به تمثيل الإمارات في المؤتمر الذي يقام على هامش المخيم. بعدها عدت للبحرين لمدة ثلاث سنوات، وانتقلت إلى المؤسسة العامة للشباب والرياضية من العام 1980 إلى 2000م حتى تقاعدت.
العمل في المؤسسة العامة
أما العمل في المؤسسة العامة للشباب والرياضة، فيقول عنه الكعبي: عندما انتقلت إلى المؤسسة العامة للشباب والرياضة، عملت كمشرف للمعسكرات الشبابية بين 1967 و1981م، بعدها تم إسناد المراكز الصيفية وبعدها الجوالة لي، عند تأسيسها 1984م، وأشهرت أول عشيرة جوالة في 1985م، بعدها أشهرت أكثر من عشيرة ثم استحدثنا المختبرات العلمية. وكنا نوزع الطلبة في الثانوية وعلى المراكز العلمية، ليتم تخريجهم، فيتسلمون الشهادات والجوائز، ونقوم بمتابعتهم ونقيمهم. وأذكر أن علي حسن موسى وهو ملحق ثقافي في عمان وسالم رجب كانا من ضمن أبرز من عمل معي في هذا الجانب. بعدها أشهرنا جمعية الشباب والبيئة، وكان فيها د. إسماعيل مدني، وعملت فيها كنائب للرئيس.
ويردف الكعبي: أتمنى على المؤسسة العامة أن تهتم بتنمية المشاركين في برامج هذه الجمعيات، لأننا كنا نأخذهم في معسكرات ونقيم لهم الندوات ونخرج منهم طلبة ومشاركين يستفاد منهم في العديد من المجالات، وأنا لا أدري لماذا انتهت هذه النشاطات ولم يتبقَ إلا عشيرتين الآن في جامعة البحرين، ما يؤكد عدم اهتمام العاملين في المؤسسة العامة بهذه الناحية. لقد طالبنا بأن نقوم بدور الاستشاريين للجوالة والكشافة وبدون مقابل، فقط كنا نتمنى أن نقدم الخدمة للبحرين وأن نبقي على تاريخ الكشاف والجوالة، لكن لا حياة لمن تنادي حتى أن وزارة التربية والتعليم وفرت حجرة صغيرة لهم في معهد النور للمكفوفين سابقاً، مع أنهم من قدامى المؤسسين للكشافة والمرشدات وهم يعتبرون نواة الخبراء في هذا المجال ، وكل ما يوفر لهم هو دعم مالي بسيط من وزارة التربية والتعليم لا يساعدهم على إنجاز مشاريعهم. ويواصل: إننا نرى أن الدول الأخرى توفّر لهم كل متطلباتهم في الكشافة والجوالة، حتى أننا كنا قد عملنا على توفير مقر لنا في الجفير في مرحلة التأسيس وبعد أن قمنا بتجهيزه اكتشفنا أنه قد تم تحويله إلى إدارة الكهرباء دون إشعارنا بذلك أو حتى تعويضنا بدلاً عنه ، ذلك ما يدل على قلة الاهتمام. أتذكر أنني والأخ سعيد منصور من المالكية ومحمد الذوادي، وعلي عبدالله جمعة، وعيسى مقهوي، وسالم رجب، وحبيب جناحي لا زلنا نتواصل في المناسبات وندعو بعضنا البعض، ولا تزال تربطنا علاقة بالقيادات الكشفية، لكن هذه اللقاءات هي مجرد اجتهادات شخصية من المؤسسين من القادة في الحركة الكشفية، والسؤال أين اهتمام الجانب الرسمي في الدولة؟ لا تجد الجواب لدى المؤسسة العامة أو وزارة التربية. ما جعل المخيمات والنشاطات الكشفية في انحسار.
الرحلات الاستكشافية متعة
وحول برنامج الرحلات الاستكشافية يبين الكعبي أنه برنامج جاءنا من بريطانيا، مشيراً إلى أنه تقام امتحانات للمشاركين وكانت تجرى في هذه الرحلات ومن يتفوق يشارك ضمن الوفد، مضيفاً: لقد شاركنا في أكثر من مناسبة في هذا الجانب. وقد شاركت كطالب في مخيم الفنيطيس بالكويت، 1963م، ومخيم الصداقة في بيت حنينا بالقدس سنة 1966م، والشارة الخشبية بالكويت. كنت قائداً وكان معي محمد عواد، حسن المرزوقي، عيسى مقهوي، محمد رياح، والمرحوم إبراهيم الهاشمي، وأخذنا الشارة في 1968م كذلك شاركنا كمجموعة من قادة المخيم الفرعي الأول “ أوال “ وقد أقيم في منطقة سافره العام 1973م. كذلك كان هناك العديد من المخيمات في روضة الرفاع ومخيم بجدحفص لإعداد القادة. أما عن المشاركات المهمة التي ترأستها فكانت زيارة كوريا الجنوبية والمشاركة بمعسكر دولي وكنت رئيس الوفد العام 1982م حينها، وفي زيارة لفرنسا 1984م كنت برفقه محمد مبارك وعبدالله وليد، وكذلك مهرجان الغوص في الكويت 1984م. ومهرجان أيام البحر في جدة، والمبتكرات العلمية في أبها والعلمية في قطر ومسابقات القرآن الكريم في قطر والكويت والشارقة.
عشق مبكر للكشافة
ويبين الكعبي أن ما جعله ينخرط في الحياة الكشفية هو روح القيادة والعمل والتطوع، مردفاً: أتذكر أننا في المرحلة الثانوية كان قائدنا اللبناني المرحوم فوزي كزمه، وكانت علاقتنا به طيبة يجمعنا الاحترام المتبادل وكنا ثلاثة قادة نعمل معه أنا وعيسى مقهوي وسعد وكنا مساعدين له. ولا زلت أتذكر المرحوم عتيق سعيد وسلمان الدلال ومحمد عواد والمرحوم حسن الحساني، كانوا يقومون بتأليف الإسكتشات في المخيمات الكشفية في حفلات السمر، التي كانت تقام كل ليلة في مخيم فرعي، وكانت فقراتهم في آخر السهرات لأنها كانت جميلة وشيقة والكل ينتظرها. وكان الإقبال كبيراً على المخيمات الكشفية والعوائل البحرينية تحرص على حضورها رغم أنها كانت بعيدة في “سافرة” والمواصلات لم تكن متوفرة بالسهولة التي نجدها اليوم، لكنهم كانوا يحرصون على الحضور لأبنائهم وحتى من لم يكن له أبناء مشاركين في الكشافة كان يستمتع بالحضور ومشاهدة حفلات السمر. ومن الأشياء التي تعلمتها في الحياة الكشفية هي الدقة في الحفاظ على المواعيد واحترامها والتي لا زالت تلازمني إلى هذه اللحظة، فأنا دائماً ما أحرص على الحضور قبل موعدي لكي لا أسبب حرجاً للآخرين .
غيّرنا انطباع الكوريين
ويتذكر الكعبي مشاركته في المعسكر الدولي للكشافة، وعن ذلك يقول: هناك في كوريا الجنوبية كنا خمسة عبدالله وليد وعيسى رضي ومطر المالود وميرزا حسن وأنا، وكانت مشكلتنا اللغة فقليل منا من كان يتحدث الإنجليزية والكثيرون منهم لا يجيدونها بإتقان، لكننا استطعنا في كوريا أن نغيّر نظرتهم عن أهل الخليج، كانوا يتصورون أننا شعب كسول لا يحب العمل، وأننا عندما نشارك في مثل هذه المخيمات لا نجيد سوى إضاعة الوقت والسهر، ونكره العمل ودائماً ما نكون اتكاليين على غيرنا ، وهذا نتيجة مشاركات سابقة لإخوة آخرين من دول الخليج أعطوهم انطباعاً سيئاً. وعندما وصلنا كوريا كان الوقت مساءً، وكانت الوفود مجتمعة والمعسكر هو واحد من المعسكرات الدولية المعروفة على الخارطة الكشفية وكان يقام في الصيف، وفي العام 1982م بلغت أعمارنا فوق الثلاثين عاماً وطلب مدير المعسكر أن نعرّف باسمائنا. وبعد أن تعارفنا شعرنا من ردة فعل مسؤول المعسكر أنه قد تفاجئ بنا وعاملنا بشيء من “الاستهزاء” وكان ينتظر أن يكون المشاركين شباب في أعمار لا تتعدى العشرين فأجبته بأن العمر ليس بالمقياس ولكن عملنا هو من سيشفع لنا في المعسكر، فلا تتعجل بالحكم على الوفد الأمن بل أنتظر ما ستجده من عمل ونشاط خلال أيام المعسكر. ومن الطرائف التي لا زلت أذكرها أننا كنا قد أخذنا معنا صندوقاً كبيراً مملوءاً بالأرز والروبيان “ اليابس “ وكل أنواع الأكلات التي أعتدنا على أكلها والبهارات البحرينية والأجبان .
ويضيف: كنا بعد انتهاء “دوام” المخيم نقوم بطهي الأكلات البحرينية ونعدها بأنفسنا و«نعزم” المشرف على المخيم ليشاركنا، هذه الأعمال أجبرت المشرفين على المخيم أن يختاروا في اليوم الأول واحداً من الوفد كمشرف على النظام في المخيم، وفي اليوم الثاني جاء المشرف ليطلب منا مشرف آخر على الرياضة، وبعدها تم اختيار ثالث لتنظيم حفل الختام والسمر والذي شاركنا به باسكتشات كوميدية أسعدت الجميع لقدراتنا في التمثيل وتفاعلوا معنا كثيراً، وهو ما كان يجبر مشرف المخيم على مشاركتنا “غدوة” مجبوس ربيان يابس “ مربين “ وكان يطلب أن نعلمه كيف يطهوها. ويواصل الكعبي: في اليوم الرابع زارنا المشرف ليعتذر منا عن نظرته السابقة بأننا كبار في السن وجئنا للسياحة لا للعمل، وقال: إنني بنيت هذه الفكرة الخاطئة ممن سبقوكم من المشاركين من دول الخليج، وأنا بدوري اعتذر لكم كثيراً وأقدر لكم هذه المشاركة الفعالة، وأشكر لكم حضوركم معنا والتي استفدنا منها كثيراً في هذا التجمع، وأتمنى أن أراكم في مخيمات قادمة، وثقوا أن مشاركتكم لو تكررت سأكون سعيد بها. وقد قدمنا له في الليلة الختامية للمعسكر درع الكشاف البحريني تقديراً على احترامه للوفد وقمت بتسليمه الدرع كرئيس للوفد المشارك.
ابن الحد لا يهوى البحر
الكعبي ورغم أنه من الحد وهي المنطقة المحاذية للبحر، إلا أنه لا يهوى زيارته كثيراً، “غير أن والدي رحمه الله كان يمتلك “هوري” صغير، وكنت أرافقه كل ما استدعاني في رحلات صغيرة. وكذلك شاركت عمي في البحر لفترات كـ«حداق”، وفي “الفريج” كنا نقوم برحلات قريبة، لجزيرتي أم الشير وأبوشاهين في رحلات ليست بالطويلة. غير أني أهوى الحداق و«الغزل”، وقبل سفري إلى أبوظبي كنت وصديقي محمد بوقيس “نحدق” في “البوية” للسمك الصغير، وبعدها سافرت إلى أبوظبي. وكنت أهوى “الكشتات” والذهاب إلى المزارع كمجموعة من الشباب والأصدقاء في شارع البديع أو الصخير، حيث كانت الكثير من المزارع في البحرين مقصداً للكشتات سواء للشباب أو حتى العائلة وأهل الفريج، وكنا نتجمع لنستقل الباصات الخشب “البست” إلى كثير من العيون والمزارع المنتشرة في البحرين في ذلك الوقت.
إداري بنادي الحد
يتذكر الكعبي أنه في أحداث نكسة 1967م كان عضواً إدارياً في نادي الحد لمدة ثلاث سنوات، وقد شكل لجاناً لجمع التبرعات هو وصديقه سعد الحوطي إلى جانب بعض القادة والمدرسين، مبيناً أنه بفعل حبه للنادي أشرف على المقصف، وكان يرتاد مكتبة النادي الكثير من أهالي الحد، والجميع كانوا يقرؤون ويتابعون أخبار العالم من خلال الجرائد والمجلات والراديو، وكانت إذاعة صوت العرب لها الحظ الأكبر من اهتمام المستمع في البحرين، وكان صوت أم كلثوم يسمع في كل بيوت البحرين التي تمتلك “راديوهات” وحتى مقاهيها. وكان في النادي أنشطة عديدة ومباريات كرة القدم والطائرة وكمال الأجسام، وكانت النشاطات في النادي واللقاءات جميلة بين الناس.
حياة «الفرجان» نعمة
جاسم يعشق حياة “الفرجان”، التي تعني ارتباط العوائل في كل أنحاء البحرين وذلك لا يمثل أهالي الحد وحسب، “لقد كان للوالدة صديقات كثيرات يزرنها يومياً، فتجد بيتنا ممتلئاً بنساء الفريج، ومثله بيوتات الحد الأخرى. فكن يتزاورن يومياً، وكانت المساعدات والطبخات تتداول بين الأهالي، ولا يمكن لأي بيت يطبخ “ويبه” وما يذوقها جارة، رغم أن الإمكانات لم تكن متيسرة كما هو الحال الآن، إلا أن الناس كانوا قريبين من بعضهم البعض، ويتعرفون مشاكل بعضهم ويسعون لحلها والمساعدة على تجاوزها، الآن حتى ونحن عائلة توزعنا بين قلالي وعراد”، بالمقابل “أصبحت خاوية المنازل من الزوار والجيران، وأشعر أن الناس أصبحوا لا يودون زيارة بعضهم البعض وحياتهم مالت إلى الانطوائية، فلا تجد الزيارات ولا السؤال عن الآخر، لذلك لا تجد الحياة الاجتماعية التي كانت متواجدة. وأصبحت النساء يتكلن على الشغالات حتى إبداعاتهن في الطبخ تغيرت وأصبحن مسؤولات من بعيد والشغالة تعمل كل شيء، وهذه من السلبيات التي غيّرت حياتنا.
رمضان كان له طعم آخر
وبمناسبة قرب شهر رمضان، يعود الكعبي بذاكرته إلى الوراء قائلاً: في شهر رمضان عندما كنت مدرساً، كنا نذهب للمدرسة حتى خارج نطاق الدوام الرسمي. وليس كما هو حال اليوم، عندما يخرج المدرس من مدرسته لا يفكر بالعودة إلا في اليوم التالي. كنت مدرساً للعلوم والرسم واللغة الإنجليزية وأذهب إلى المدرسة لتحضير الطلبة للتجارب التي سيأخذونها في اليوم التالي ضمن الدروس المعتادة في المدرسة، فكنت ومجموعة من المدرسين زملائي نجرّب أولاً على أنفسنا التجربة العلمية مثلاً في المغنيسيوم أو غيرها، وذلك لنتأكد من نجاحها مئة في المئة، وكان هذا من شدة حبنا للدراسة، لكي لا نجربها أمام الطلبة وتفشل، وكان المدرس حريصاً على نجاح عمله أمام طلابه. ويضيف: لقد كان شهر رمضان مجالاً جميلاً للسهر والعبادة والعلم، وأتذكر أنني عندما كنت مدرساً للعربي في الحد أنه كان هناك مجموعة من الطلبة مستوياتهم ضعيفة، كنت أطالبهم بالحضور في الفترة المسائية وأدرسهم وأحاول أن أجعلهم طلبة يتجاوزون الآخرين، كل ذلك دون مقابل وكنا نسعد عندما نجد التجاوب من الطلبة، وما يهمنا هو أن نصل بهم إلى سلم النجاح ولم نكن نطلب أجراً أو مكافأة أو من يشكرنا.