كتب - طارق مصباح:

لاتزال ماكينة الموت الطائفية تحصد أرواح المسلمين في إقليم أراكان في دولة بورما في ظل صمت دولي وعجز حكومي! وكشفت آخر المعلومات عن تجاوز أعداد القتلى 400 قتيل، وارتفاع حصيلة الجرحى إلى درجة يصعب معها إحصاؤهم بسبب حالة الخوف والذعر التي تجتاح المسلمين في بورما.

وقامت حكومات دول مجاورة بإعادة عشرات القوارب الصغيرة المتهالكة المملوءة بالفارين، بحجة عدم إمكانيتها توفير المكان والطعام والمستلزمات الإنسانية لهم. ولكن أين تقع بورما؟ وما تاريخها؟ يقول الإعلامي محمد العرب إن جمهورية اتحاد ميانمار (بورما) هي إحدى دول جنوب شرق آسيا، التي انفصلت في 1937 عن حكومة الهند البريطانية بعد استفتاء شعبي. وأضاف: “يختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للدولة، ويتحدث أغلب سكانها اللغة البورمية ويطلق على هؤلاء (البورمان) وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة” واستطرد: “يوجد في بورما عدة ديانات ولكن أكثر سكانها يعتنقون البوذية، وأقلية يعتنقون الإسلام وهم يتركزون في العاصمة رانجون، ومدينة ماندلاي ثم في إقليم أراكان شمال حدود الهند”.

اغتصاب.. مذابح.. حظر تجول!

وذكر العرب أنه في اتصال هاتفي مع إمام مسجد في إقليم أراكان عبدالله حبيب محمد، أكد له أن المسلمين في بورما “يحتاجون لكل شيء” تقريباً، فلا مأوى ولا طعام ولا أمان. وأشار إلى أن تشتت العائلة الواحدة في أكثر من مخبأ ساهم في حالة من الخوف على مصير الأبناء وخاصة الفتيات اللواتي يتعرضن للاغتصاب، ما دفع البعض منهن إلى رمي أنفسهن في البحر أثناء رحلة العودة إلى بورما بعد إرجاع حكومة بنغلاديش لقوارب الفارين من الموت. وقال العرب إنه تحدث مع الناشط البورمي محمد نصر الذي أكد له سبب عودة المذابح وهو إعلان حكومة بورما الجديدة عن نيتها منح بطاقة المواطنة للمسلمين في أراكان، وهو ما اعتبرته الجامعة البوذية الماغ حرباً ضدهم لأنهم مازالوا يعتبرون المسلمين عرقاً دخيلاً على بورما ويصنفونهم كدخلاء. كما أوضح أن الموقف غير حيادي بالنسبة للجيش الذي أحاط المساجد في “مانغدو” ذات الأغلبية المسلمة وفرض حظر التجوال ومحاصرة أحياء الروهنجيا المسلمين حصاراً محكماً من قبل الشرطة البوذية الماغيّة. وأوضح الإعلامي محمد العرب أن الجيش ترك الحبل على الغارب للماغ البوذيين الذين زحفوا على قرى ومنازل المسلمين بالسيوف والسكاكين لتبدأ حملة إبادة منظمة ضد المسلمين في جريمة شارك فيها حتى كبار السن والنساء من البوذيين.

البرلمان سيشرد المسلمين!

في ظل تصاعد حرب الإبادة التي تشنها جماعة الماغ البوذية المتطرفة وهروب أكثر من 20 ألف مسلم إلى بنغلاديش المجاورة والتي ضيقت بشكل كبير على الروهنجيين المسلمين وإعادة 39 قارباً، بحسب منظمات الإغاثة العاجزة عن توفير الغذاء والدواء والمأوى للاجئين المسلمين. بينما أصبح الترقب من المجهول سيد الموقف في داخل إقليم أراكان بعد أن أقدمت الحكومة البورمية على اعتقال 30 شخصاً من جماعة الماغ لصلتهم بمقتل 10 رجال دين مسلمين في حادث فجّر أياماً من أعمال العنف الطائفي، حيث قتل 400 شخص -بحسب الناشطين- بينما تجاوزت أعداد الجرحى عتبة 2000. ضمن متابعته للأحداث في تلك البقاع ذكر الإعلامي محمد العرب أن صحيفة “نيو لايت أوف ميانمار” ذكرت في عددها يوم الإثنين الماضي أن 30 مشتبهاً بهم وضعوا في الحبس “ويجري التحرك ضدهم بموجب القانون”، في إشارة إلى الحادث الذي وقع في الثالث من يونيو حين أنزل الضحايا المسلمون من حافلة وضربوا وقتلوا. وذكر أنه التقى الناشط البرماوي محمد نصر الذي قال له إن المسلمين في بورما لا يثقون بالحكومة ولا المعارضة ويعتبرون مثل هذه الاعتقالات ما هي إلا لذر الرماد في العيون، فالمتهمون أكثر من 500 راهب بوذي من مدرسة للرهبان هناك، بينما اقتصر الاعتقال على 30 شخصاً ليس بينهم راهب. وأضاف أن نصر قال إن الجالية البرماوية المسلمة في بنغلاديش تعاني الأمرّين بسبب ضيق ذات اليد وقلة الطعام والشراب. وفي اتصال جرى بين الإعلامي محمد العرب وأحد الزعامات الدينية للمسلمين في بورما وهو الشيخ عبدالله المعروف، قال المعروف “نحن نتعرض لإبادة وسط صمت دولي، وكأنه لا يوجد على وجه الأرض شعب يُباد بدم بارد وأن الحكومة غير جادة في إيقاف العنف، وأنه لا يتوقع خيراً من تصويت البرلمان الذي ربما يثخن جراح المسلمين في بورما بتشريدهم عن بكرة أبيهم”.

الماضي الزاهر للمسلمين في بورما

دخل الإسلام هذه الدولة بعد ما جاء بعض الدعاة المسلمين من الخليج وجنوب الجزيرة العربية ومن الهند وغيرها، وأعجب أهل بورما بأخلاقيات الدعاة فدانوا بدينهم، وعملوا في الزراعة ثم هيمنوا على التجارة وتوطنوا في كثير من البقاع، وأكبر تجمع لهم في (أراكان). وجاء اسم (الروهانجيا) الذي ينتسب له المسلمون من اسم قديم لأركان وقد استقروا فيها قبل (الماغ) البوذيين ويمكن إثبات ذلك عن طريق العديد من الوقائع التاريخية التي تدعم هذه الحقيقة، ومما يدل على قدم المسلمين في هذه الدولة الآثار التاريخية مثل مسجد (بدر مقام) في (أكياب) عاصمة (أركان) وكذلك (مسجد سندي خان) والذي بني منذ 560 عاماً ومسجد (الديوان موسى) الذي بني عام 1258م ومسجد (ولي خان) الذي بني في القرن الـ15 الميلادي.

وكانت أحوال المسلمين آنذاك جيدة، وكانت لهم مكانتهم، بل أقاموا في أركان دولة إسلامية ما بين عامي 1430-1784 وكانت لهم عملات نقدية تتضمن شعارات إسلامية مثل كلمة التوحيد، إلى أن احتلت أركان من قبل الملك البوذي (بورديابا) عام 1784 وتعرض المسلمون بعدها لمذابح وطمست المعالم الإسلامية، وأحل الطابع البوذي مكانها، وتعرض المسلمون لمذابح متواصلة حتى جاء الاستعمار الإنجليزي.

وتشير الإحصائيات الرسمية في “ميانمار” (بورما) إلى أن نسبة المسلمين في هذا البلد البالغ تعداده نحو 55 مليون نسمة تقل عن 5%، ويقول “محمد منيسي” سفير مصر في ميانمار إن عدد المسلمين في هذا البلد يتراوح بين 5 و8 ملايين نسمة. وقال منيسي إن المسلمين هم أفقر الجاليات في “ميانمار” وأقلها تعليماً، ومعلوماتهم عن الإسلام محدودة. وأضاف قائلاً: إن عدد المساجد في العاصمة “يانجون” (رانجون) نحو 32 مسجداً، ودعا المنظمات الدولية المعنية بشؤون المسلمين إلى توجيه اهتمامها قليلاً إلى ذلك البلد.

يقول زعماء الجالية المسلمة في العاصمة “يانجون” (رانجون): إن الإسلام دخل “بورما” منذ القرن الأول الهجري على أيدي التجار العرب، في حين تقول السلطات إنه دخل مع الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1824، ومن هذا المنطلق يتم حرمان كل مسلم لا يستطيع إثبات جذوره في البلاد قبل هذا العام من الجنسية. ويضيف “أن شعب “الروهينجا” ينحدرون من جذور عربية وفارسية وهندية وتركية، ولغتهم هي خليط من البنغالية والفارسية والعربية، وهم من ناحية الشكل أشبه بسكان شبه القارة الهندية، غير أنهم في السلوك لا يختلفون عن السكان البوذيين، ويرتدون الزي الوطني (اللونجي) ويتحدثون البورمية ويفهمون التاريخ والحضارة البورمية”.

التضييق على المسلمين

حقيقة هامة عَلِمناها من ديننا الحنيف، وهي أن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها كالجسد الواحد، كما جاء في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” وهذا شعور كل مسلم تجاه إخوانه المسلمين مهما تباعدت بينهم البقاع أو تناءت بهم الديار. الشيخ عبدالله الحسيني أكد أن قضية بورما إنما هي جرح جديد بدأ ينزف في جسد أمتنا الإسلامية يُضاف إلى جراحاتنا المؤلمة في بلاد الشام، وذكر الحسيني أن إقليم أراكان في جنوب شرق آسيا وصل إليه الإسلام في القرن الثاني الهجري عن طريق التجار العرب، ثم في القرن الثامن عشر الميلادي احتله ملك بوذي وضمه إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة.

وأضاف الحسيني “عندها بدأت مآسي المسلمين هناك، من خلال طمس الهوية والآثار الإسلامية بتدمير المساجد والمدارس وبناء معابد مكانها، وتصفية العلماء والدعاء، والإبادة الجماعية للمسلمين بكل أنواع الاضطهاد من قتل وتشريد وانتهاك للأعراض ومصادرة للممتلكات حيث أبيد فيها أكثر من 100 ألف مسلم”.

وأوضح الحسيني أنه تم إلغاء حق المواطنة لهم ومنعوا من ممارسة أدنى حقوقهم السياسية، كما تم حرمانهم من الوظائف الحكومية ومواصلة التعليم العالي، والعمل القسري لدي الجيش بلا مقابل، كما منعوا من السفر لأداء فريضة الحج، وتم فرض عقوبات اقتصادية باهظة.

وأكد الشيخ عبد الله الحسيني أن كل ذلك كان من شأنه تقليل عدد المسلمين بأساليب شتى، مما دفع بالكثير منهم إلى الفرار بعقيدتهم ودينهم واللجوء إلى بعض الدول العربية والإسلامية، وقد ناقشت الأمم المتحدة ومنظمة آسيان ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها ملف الأراكانيين المسلمين منذ عقدين إلا أن الأمر على ما هو عليه لم يتغيّر ولم يتبدل، بل ازداد سوءاً، حيث تعتبر الأقلية المسلمة في بورما بحسب الأمم المتحدة أكثر الأقليات في العالم اضطهاداً ومعاناة وتعرضاً للظلم الممنهج من الأنظمة المتعاقبة في بورما.

حملة تطهير عرقي!

ها هم اليوم يُعيدون الكرة من جديد! حين أيقنوا أن العالم في سبات عميق تجاه قضية الأراكانيين المسلمين.. فمنذ أسابيع يعيش مسلمو ولاية أراكان الواقعة في غرب بورما أوضاعاً مأساوية صعبة.. بعدما تحولت المواجهات التي يشهدها الإقليم إلى حرب شاملة ضد المسلمين في بورما، فقبل أسابيع قُتل عشرة من دعاة بورما المسلمين لدى عودتهم من العمرة على يد مجموعات بوذية متطرفة، قامت بضربهم حتى الموت، وذلك بعدما اتهمتهم الغوغاء كذباً وزوراً بالوقوف وراء مقتل شابة بوذية، ومنذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة التي أحدثكم فيها تجوب عصابات مسلحة بالسكاكين وعصي الخيزران المسنونة معهم رجال الشرطة البوذية الحاقدة مناطق وبلدات ولاية أراكان، لتقوم بحملة تطهير ديني وعرقي راح ضحيتها ألفي مسلم، وحرقوا قرابة ألفين وستمائة منزل من منازل المسلمين، وبلغ عدد النازحين أكثر من تسعين ألفاً يعيشون في العراء بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء بعد أن رفضت دول الجوار استقبالهم، فمات من مات منهم؛ ومن عاش فإنه يعاني السقم والضياع والشتات، وسط تغييب تامّ متعمد من قبل السلطات البوذية لهذه الجرائم والانتهاكات البشعة، وتكميم صارم لوسائل الإعلام.

واجب النصرة

بعد كل ذلك.. تساءل الحسيني “هل سيسكت العالم اليوم كما سكت بالأمس -ونحن في زمن الإعلام- تجاه ما يحصل لإخواننا المسلمين في أراكان من أحداث دامية مفجعة انعدمت فيها كل معاني الإنسانية تحت مرأى ومسمع الشرطة البوذية المجرمة، وأمام صمت مريب للحكومة التي اكتفت ببعض النداءات لتهدئة الوضع”؟!!

وبشأن واجب النصر لأهل بورما، قال الشيخ عبدالله الحسيني إننا كمسلمين أمة واحدة، وجسد واحد، والله لن تفرق بيننا الألوان والأجناس واللغات والأوطان والحدود، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وعليه لابد لنا من أداء واجب النصرة تجاه إخواننا في أراكان من خلال المناصرة المالية ببذل المال ومد يد العون والإغاثة والمساعدة العاجلة لهم عبر الجمعيات والهيئات والمؤسسات الخيرية الرسمية، والمناصرة الإعلامية بالاستثمار الأمثل لنصرة قضيتهم العادلة عبر وسائل الإعلام المختلفة، والمناصرة القانونية بتحرك أهل الاختصاص في القانون لدعم قضيتهم وملاحقة المجرمين وتقديمهم للمحاكمة، والمناصرة السياسية بتبني القادة وأصحاب القرار والمنظمات الإسلامية لقضيتهم وتأييدها والذب عنها في الميادين السياسية المختلفة، ومن وسائل نصرتهم العظيمة، الدعاء الخالص لهم من غير كلل ولا ملل بأن يفرج الله عنهم ويرفع ما هم فيه من البلاء، ولنتذكر قول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، وقوله عليه السلام: (من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، فأروا الله من أنفسكم نصرة حقيقية صادقة بشتى الوسائل لإخوانكم”.