كتبت - عايدة البلوشي:

ربما بسبب العرف الاجتماعي، أو بسبب النظرة الكبيرة التي يوليها المجتمع للمرأة، كمنبع للطهر والعفاف، تختفي كثير من القضايا تحرش المرأة بالرجل، خصوصاً وأن طبيعة المجتمعات العربية بمن فيها البحرينية؛ مدعوة إلى الستر دينياً. غير أن الواقع يشهد بوجود كثير من قضايا تحرش المرأة بالرجل.

تحرشات قد تصل لحد المصارحة.. فما أسبابها، وما مدى انتشارها في مجتمعنا المحافظ؟

ألوان من التحرشات

^ كوب قهوة: عندما ذهب في أحد الأيام للقيام بمهام عمله كمسؤول صيانة في مؤسسة ما، قامت إحدى الموظفات بواجب الضيافة، وقدمت له كوباً من القهوة. شكرها وشرب قهوته. وبعد انتهائه من القهوة، أخذت كوبه وشربت بقايا قهوته من المكان نفسه الذي رشف منه قهوته. وبعد أسبوع خرج ليجد كيس هدايا على سيارته بتوقيعها. وبعد هذه الحادثة بشهور، تطور الأمر فلم تستطع كتمان مشاعرها، فاتصلت به خارج الدوام الرسمي، لتخبره بأن زوجها خرج وسيتأخر، وإذا كان يرغب في زيارتها فليتفضل، لأنها تحبه وتحب السمر معه، لأن بيتها هو الحصن الحصين.

^ اثنتان: كان أعزباً وموضع اهتمام زميلاته من آنسات وسيدات، لوسامته وأناقته. ترده رسائل من زميلتين متزوجتين يرغبن في إقامة علاقات معه، حيث تتسابق كل منهما للفوز به وإغوائه بالهدايا الثمينة والمطاعم الفاخرة وضوء الشموع والكلام الرومانسي في غياب أزواجهن، وثقتهم المطلقة في سلوك زوجاتهم التي قد تصل إلى درجة الإهمال. لقد استجاب لهن، وهو الآن مستفيد مادياً ومعنوياً من الاثنتين، ولا يشعر بأي تأنيب من الضمير، وقد وصلت إحداهن إلى مرحلة تعاطي الكحول معه في شقة خاصة.

^ مضيف جوي: هو مضيف جوي، كثيراً من تعرض لتحرش المسافرات، وهو يجد أن ذلك يحدث من باب التسلية. وهو مقتنع بأن التحرش اللفظي والعلني أمام الناس أصبح عادياً جداً، وكذلك التحرش بالنظرات، ولا يفهمه إلا من يكون معجباً بالآخر.

^ قطة ناعمة: تسببت له زميلته بالفصل من عمله وبملف في الآداب. لقد حاولت إغواءه بأسلوب القطط الناعم، ودعته مرة للحاق بها إلى حمام السيدات للاختلاء به إلا أنهما ضبطا متلبسين، فلم تعاقب، حيث ادعت أنه لحق بها، وكانت تقاومه.

^ في بريطانيا: أثناء دراسته في بريطانيا حاولت إحدى زميلاته إغواءه في السكن أكثر من مرة. واستغلت لحظة دخوله إلى غرفته ودخلت خلفه لتجبره. وخيرته إما أن يعاشرها أو تصرخ وتدعي عليه بمحاولة اغتصابها. استأذن منها لثوان للذهاب إلى المطبخ، وعاد وسكب البنزين عليه وأشعل الكبريت وخيرها بين الخروج من غرفته أو اشتعال النار فيه، فهربت. لكنه تعرض لانتقادات جمة من زملائه، وظل موضع تهكمهم فترة لا يستهان بها لكونه «مو وجهة نعمة».

^ رسائل قصيرة: كانت تصله رسائل قصيرة عبر الهاتف «رسائل غزل وغرام وحب»، كانت تعجبه وتستفز مشاعره، وتساؤلاته عن باعثها، حتى اكتشف أنها من مدرسته في الجامعة.

الحربي: أغلب التحرشات

تحـدث قبــل سن 18 عـاماً

من جانبه يشير المحامي حمد الحربي، إلى أن أغلب مشكلات التحرش، تحدث من قبل الفتيات بعد السن 18 عاماً، بعد تخرجهن من المدرسة، حيث تجد الفتاة نفسها في فراغ كبير، خصوصاً وهي تواجه صعوبة في الانخراط في الجامعات، إما نتيجة لمعدلها أو ارتفاع أسعار الجامعات الخاصة، لافتاً إلى أن أغلب هذه السلوكيات تتحدث في الجامعات الخاصة والبنوك أكثر من الوزارات بحكم انفتاحها.

ويؤكد الحربي صعوبة وصول مثل هذه القضايا إلى الجهات الرسمية، رغم وجود قانون يعاقب عليها، ووجود لجان تأديبية في مواقع العمل، نظراً لأن تقديم هذه القضايا من الرجل إلى المحاكم، تحوي صعوبة كبيرة، لأن كلمة المرأة هي المسموعة، ومن الصعب إثباتها خصوصاً إذا كانت تحرشاً لفظياً، لذلك أغلب الحالات تنتهي بحل من الداخل، كأن يطلب من الموظف أن يقدم استقالته.

المرأة أولاً

ويبين الحربي أن التحرشات قد تصدر من الرجل أو المرأة على السواء في مواقع العمل، لكن غالباً ما تكون المرأة هي من يتحرش بالرجل، بسبب لبسها وتبرجها وإبراز محاسنها، وفي كثير من الأحيان تستلطف المرأة الغنية الرجل متى كانت معجبة به، ومنهن من يمنح الرجل هدايا ثمينة بسبب إعجابهن

د. سوار: خوف الرجل

من التقريع يدفعه للصمت

تؤكد استشارية نفسية بمركز بتلكو د. شريفة سوار، وجود حالات لتحرشات تقوم بها المرأة في سبيل نيل الرجل، مبينة أن صمت الرجل عن التحرش به يعود لسببين، إما لرغبته بالستر عليها، حتى لو كان راغباً فيها، أو لخوفه من أن يتعرض للوم وانتقاد من حوله، حين يرفض هذه المرأة، واعتباره أحمقاً أضاع على نفسه فرصة كبيرة للاستمتاع.

تقول د. سوار: إن نبينا يوسف عليه السلام راودته امرأة العزيز عن نفسه. ويعتبر ذلك أشهر قصة لامرأة تتحرش برجل على مر التاريخ. لقد كانت امرأة العزيز تظن أنها ستستفيد في كلا الحالتين، فإما أنها ستنال ما تريد أو ببساطة ستتهمه هو بالتحرش، وستكون مصدقة من الناس لكونها امرأة، وغالباً ما يكون التحرش من قبل الرجال، لكن لابد من إنصاف بعض النساء اللواتي قد يفسر سلوكهن على أنه تحرش بزملائهم، بينما أثبتت الدراسات العلمية أن المرأة في مجال العمل أكثر تعاوناً في فريق العمل، وتلجأ إلى تيسير الأمور العالقة، وهي أكثر استخداماً لمهارات الدعم النفسي لزملائها، ومع ذلك توضع في دائرة الشك. كما تعاني المرأة من سوء تفسير سلوكها ممن حولها من الجنسين، وأكثر من يتحامل عليها هن بنات جنسها أولاً، ومن المجتمع.

معاملة ازدواجية

وتتابع د. سوار: على سبيل المثال لا الحصر، نجد أن زميل العمل متى أعلن قراره بالزواج، فإن سلوكه يؤول على أنه يبحث عن الاستقرار وتكوين أسرة وحماية نفسه، بينما إذا تزوجت إحدى الزميلات فإن زواجها هذا سيترتب عليه غيابها بسبب الحمل والولادة، بل ربما تترك العمل، ليتساءل مديرها: كم ستكلف المؤسسة مادياً. كذلك إذا ترك الزميل مكتبه فسيقال إنه مع أحد الزبائن أو يعمل خارجاً، بينما إذا غابت الزميلة فإنها تتسوق لا محالة. وأيضاً إذا وضع الرجل صورة عائلته على مكتبه، فهو ذو إحساس بالمسؤولية، بينما هي إذا وضعت الصورة ذاتها فإنها بالتأكيد تفضل عائلتها على العمل، وإذا تحدث الرجل مع زملائه، فهو حتماً يناقش بشأن مستجدات العمل، أما إذا تحدثت الزميلة فهي حتماً تغتاب أحداً من الناس، وإذا حدث وخرج أحد الموظفين مع المدير، فإنه لا شك يبني مستقبله الوظيفي، أما إذا خرجت هي فإنها حتماً على علاقة غير عفيفة. وإذا حصل الرجل على منصب أفضل في شركة أخرى يكون طموحاً ومستقبله باهراً وواعداً وإذا حصلت المرأة على منصب أفضل فإنها امرأة لذلك لا يمكن الاعتماد عليها للاستمرارية، هكذا هي في مواقع العمل.

وتوضح د. سوار أن المقصود بالتحرش الاجتماعي؛ هو مقايضة طرف لطرف آخر للقيام بتسهيل بعض الأمور للطرف الأول، بحيث يحصل كل الطرفين على احتياجاتهما كأن يسهل الأول وصول الثاني للتحرش جنسياً بالطرف الثالث، مقابل أن يحصل الأول على ما يرغب فيه. والنوع الثاني من التحرش الاجتماعي أيضاً ما يقوم به شخص في منصب مسؤول وسلطة من موقع العمل. فالتحرش الجنسي هذا يعني بالضرورة تلبية دعوات صريحة أو مبطنة من أحد الجنسين لرغبات جنسية.

أسباب أخرى

وتنفي د. سوار أن يكون الاختلاط في مجال العمل السبب الرئيس للتحرش، لافتة إلى أنه حتى في الأماكن غير المختلطة، قد يحدث أن يتلقى أحد الأطراف الدعوات أو الضغوطات نفسها من الجنس نفسه نتيجة لعلاقة شاذة، باستخدام الأسلحة الصامتة، فالمعروف أن المرأة لا تنطق، بل تلمح وتستخدم الملابس المغرية، والقصيرة الضاغطة التي تطلق العنان لخيال الرجل.

وترجع د. سوار أسباب التحرش؛ إلى عوامل عدة منها، ضعف الوازع الديني والتعرف المبكر على الجنس، أو اتخاذه وسيلة للكسب السريع. ومن الناحية النفسية فإن تحليله يقول إن التحرش يحدث نتيجة انحراف سلوكي للمرأة، مثلها مثل الرجل بحثاً عن اللذة وبالتالي تحدث الخيانات الزوجية المبنية على هذا الانحراف، بحثاً عن الحب. والسبب الثاني للتحرش؛ الشبق الجنسي المرضي ومن أمثلته السلام باليد والضغط عليها. وتضيف: شخصياً لاحظت في بعض مواقع العمل استخدام ألفاظ لا تناسب المكان إبان المخاطبة الشفهية مثل كلمة «أبوي» عيني» حبيب عمري، وقد لفت انتباه أكثر من موظفة في أكثر من موقع لسوء تأويل مقصدها لاحقاً. وتؤكد د. سوار أن ضبط التحرش في مكان العمل بنسبة 100 بالمائة يعتمد على الإدارة، حيث يدل ذلك على مدى نجاحها أو ضعفها، لافتة إلى أنه من المهم التشدد في القوانين بعدم السماح للموظف بالحضور بالشورت أو التي شيرت، والملابس غير اللائقة والقصيرة أو الفاضحة. ويلفت الحربي لوجود أسباب كثيرة لتحرش الفتاة بالرجل في مواقع العمل، في مقدمتها ضعف الوازع الديني والتربية، والحديث بين الزميل وزميلته عن أمور خارج نطاق العمل، ومعرفة كل منهما أسرار الآخر، بالتالي يتولد نوع من الإعجاب. وأحياناً يصل الأمر إلى تهديد الفتاة للشاب، كأن تقول له: «إن لم تخرج معي سأفضحك». وهنا تستخدم سلاح التهديد والوعيد. ومن الأسباب أيضاً تقليد الغرب والخروج من الهوية العربية البحرينية الأصيلة، ففي دولة علمانية، تكون الفتاة مسؤولة عن نفسها بعد السن الــ15 ربيعاً تفعل ما تشاء وتسافر متى تشاء لأن جوازها بيدها. كما نجد أن أغلب المشكلات الاجتماعية تحدث بسبب الاختلاط، متسائلاً: ما المانع من فصل الرجل عن المرأة في مواقع العمل؟.