كتبت – إيمان الخاجة:

كانت حياتها تسير بهدوء، تخيم عليها طيور السعادة والهناء، حتى توفي زوجها الكريم العام 2007، لتتبدل الحياة إلى حزن ودموع، كان ينذر بمزيد من أيام الشقاء، غير أن هدى الذوادي أم عبدالرحمن كانت أكبر فواصلت مشوارها مع أبنائها إلى بر الأمان.

لقد عاشت أم عبدالرحمن مع زوجها سنوات سعيدة، في بيت جميل يجمع شمل أسرتها، مملوء بالحب والحنان، حيث الضحكات ولعب الأطفال في زواياه، لكن فجأة انقلب الحال. تقول هدى: كان العام 2007 هو الصدمة التي قلبت حياتي، توفي زوجي دون سابق إنذار وبين يدي، مازلت أتذكر تفاصيل هذا اليوم، نظرته وكلامه، فبعد تناول الغداء شعر زوجي رحمه الله بتعب، فأخذته إلى المستشفى في الثانية والنصف ظهراً، وبعد نصف ساعة توفي بين يدي. لم أستوعب الصدمة ومازلت أتذكر نظراته أمام عيني وهو يوصيني بالأطفال، إذ كان ابني الكبير عبدالرحمن يبلغ من العمر حينها 9 سنوات، ومريم 7 سنوات ويوسف 3 سنوات، ولم أرغب بإخباره. وتضيف: لقد تعرضت لصدمة كبيرة في بداية حياتي، تعبت نفسيتي بشكل لا يوصف، حزنت، ذبلت، ولكن كانت كلمة والدي دائماً ترن في أذني حيث كان يقول: «ربيت بنتي قوية»، فكنت أسعى تطبيق هذا الأمر لأكون فعلاً كما عهد مني. وكنت أحاول ستر حزني. حيث سعيت إلى تربية أبنائي وإدخالهم أفضل المدارس، حيث كانوا يشكون من قلة التركيز ومع المدرسة تحسن وضعهم. وتتابع هدى: لقد عانيت من أطراف كثيرة، هناك أشخاص عادوني وآخرون قاطعوني بدلاً من الوقوف إلى جانبي، وكأن وفاة زوجي لي يد فيها، ولكني حاولت بجهدي واجتهادي ألا أشتت أبنائي وبقيت أسكن مع أهل زوجي ليكونوا مع جدهم وجدتهم. كانت الأمور والحياة صعبة في أولى مراحلها لأني كنت لا أحسن التصرف في كثير من الأمور حيث كان زوجي رحمه الله هو الذي يتكفل بالكثير منها، لكنني وقفت وواصلت إلى جانب أولادي حتى تعلمت كيفية الوقوف على أرض صلبة.

الوظيفة والأبناء

أم عبدالرحمن استمرت في عملها مدرسة في وزارة التربية والتعليم، من أجل إعالة أبنائها، إذ كان راتب زوجها التقاعدي بسيطاً وقد خصصته مع مصروف المؤسسة لدراسة أبنائها والمعهد والمدرسة الخاصة، كما إن أباها لا يقصر معها، وأهل زوجها يساعدونها. وتعمل هدى جاهدة من أجل توفير كافة طلبات أبنائها ومشاويرهم، تخرج معهم وتأخذهم إلى الحدائق والمتنزهات، وتقوم بتوفير المبلغ الذي تحصل عليه من المؤسسة لتسافر معهم وغالباً ما يكون إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، فخالتها هناك وتقوم بزيارتها والترويح عن أبنائها. وتشير أم عبدالله إلى مواجهتها صعوبة مع بعض الوزارات كونها أرملة، حصلت على علاوة غلاء المعيشة فترة ثم سحبت منها، وعندما توفي زوجها، سمعت أن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء أمر لها بوحدة سكنية من الإسكان، ولم تستلم إلا في 2012 وقريباً تسكن فيه بإذن الله.

أم عبدالرحمن تؤكد أن الحياة علمتها الاعتماد على نفسها وأن تكون أكثر ثقة، تشعر بغيرها وتساعد الآخرين، والحمد لله فإن أبناء المنطقة والأرامل يستشيرونها ويطلبون مساعدتها، ما ترك أثراً طيباً فيها وفي من يخالطها.

الخيرية الملكية

تعرفت أم عبدالرحمن العام 2009 على المؤسسة الخيرية الملكية، وبشأن ذلك تقول: لم أتقبل في البداية أن أسجل بها وأكون أرملة وسط الأرامل، كان الأمر حساساً بالنسبة لي ولم تهن علي نفسي، ولكني توكلت على الله وانضممت لها، ومع الوقت ومعاملة الموظفين الأخوية والدورات التي أدخلتنا إياها المؤسسة تغيرت بشكل كبير، وأثرت هذه الدورات في نفسي، خصوصاً دورة المهارات الوجدانية التي جعلت لي منطقاً في الحياة وغيرت من تفكيري كثيراً، حتى أبنائي تغيرت حياتهم إلى الأفضل، وقد تركت رحلة العمرة التي ذهبت بها مع ابني عبدالرحمن مع المؤسسة الخيرية أثراً كبيراً على شخصيته، أصبحت لديه ثقة كبيرة بنفسه، رغم أنها ليست المرة الأُولى التي أذهب فيها إلى العمرة، لكن عبدالرحمن كان في كل مرة يكون إلى جانبي ولا يتركني ولا يمكنه الاعتماد على نفسه، وفي رحلة المؤسسة أصبح أكثر اعتماداً على نفسه ويمكنه الذهاب والمجيء وقد حمل المسؤولية عني.

العمل التطوعي

تؤمن أم عبدالرحمن بأهمية العمل الخيري، ما دفعها لأن تتطوع في وزارة الصحة ومع النواب، كما تؤمن بأهمية السعادة، والسعي لتحقيقها في الحياة، وحول ذلك تقول: حكمتي في الحياة أن أعيش سعيدة قدر المستطاع، وأبتعد حتى عن الأمور التي تحزنني، وأحول الحزن إلى فرح. لقد كبر أبنائي وتعلموا الكثير، أصبح عمر عبدالرحمن 14 سنة، ومريم 12 ويوسف الصغير يبلغ 9 سنوات، والحمد لله فإن دراستهم ممتازة وحياتنا مستقرة نوعاً ما، وقد حاولت أن أحتويهم وأكون لهم الأم والأب والصديق، أحل مشكلاتهم، أعرف أصدقاءهم، أعلمهم مفاهيم الصداقة وكيف ينتقون أصحابهم، أشجعهم على أن يمارسوا دورهم في المجتمع وأحثهم على العمل التطوعي ومساعدة الغير، ومازلت أصارع الحياة وأمواج السفينة.

مشروع خاص

تحلم أم عبدالرحمن بأن يكون لها مشروع خاص، وحول ذلك تقول: بدأت مذ فترة بشراء الإكسسوارات وبيعها، وقمت بتعلم صناعة البهارات من والدتي، وأحاول صنع بعض الأشغال اليدوية لأسعى إلى زيادة دخلي وأعطي مجالاً آخر لأُسرة ثانية تستقبلها المؤسسة.

فأنا أتمنى أن أعيش في رفاهية نوعاً ما وأساعد الناس، إلى جانب ذلك بدأت بتغليف الهدايا وعمل توزيعات القرقاعون لأهلي وصديقاتي، وأفكر حالياً في مشروع وهو أن يكون لدي محال خاص لبيع الإكسسوارات والملابس وأن تدعمني المؤسسة في ذلك ويكون جزء من ريع العمل لي والجزء الآخر لدعم المؤسسة وبرامجها.

فأنا أحب دائماً أن أطور من نفسي وأتمنى لو تسنح الفرصة لمواصلة دراسة الماجستير، كما أسعى لأن أكون سفيرة داخل وخارج المملكة للأرامل والبحرين والعمل الخيري في البحرين، وأعمل على إبراز مملكتنا بمستوى راقٍ، ويكفينا بعد الله سبحانه وتعالى أننا في كنف حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى.