ساد في الماضي اعتقاد بأن غذاء الأم وصحتها لا يؤثران على صحة الجنين وبأن تاريخ صحة الطفل تبدأ بعد ولادته وتعتمد على كمية الطعام الذي يتناوله ونوعيته طبعاً.
وقد أثبت العلم فيما بعد عدم صحة هذا الاعتقاد وبينت الدراسات المتكررة والأبحاث المتخصصة أن غذاء الأم الكامل والصحيح أثناء الحمل يعتبر شرطاً أساسياً لتكوين الجنين الصحيح بكامل أعضائه ولنموه الطبيعي فيما بعد، فلابد لبناء الجسم من لبنات أساسية اصطلح على تسميتها بروتينات، دهنيات كربوهيدرات، أملاحاً معدنية وفيتامينات ولا سبيل للجنين للحصول عليها إلا من جسم الأم الذي يحتاج أثناء الحمل إلى كميات إضافية (نظراً لحالة الطوارئ الناتجة عن الحمل) من هذه المركبات لا يغتني بها ولا يصبح قادراً على تأمين حاجة الجنين إلا إذا توافرت هذه العناصر في الطعام الذي تتناوله الأم الحامل.
التعرض للسمنة
لقد لاحظ الباحثون أن كثيراً من الحالات المؤسفة كالإسقاط والولادة المبكرة وولادة الأطفال المشوهين والمعاقين له علاقة بسوء تغذية الأم أثناء الحمل. وفي الحالات التي تلجأ فيها النساء الحوامل إلى الإفراط في تناول الأطعمة الدسمة ينتج أيضاً ضرراً على الأم التي تتعرض لسمنة وعلى الجنين الذي يزيد وزنه عن حده الطبيعي ويتمثل الضرر في خطر على الطفل وفي معاناة صحية متكررة عند الطفل الذي يعاني من زيادة الوزن أثناء الولادة.
مرحلتان في اختيار الغذاء
يقسم الخبراء فترة الحمل التي تحتاج إلى دقة اختيار غذاء الأم إلى مرحلتين هما: غذاء المرأة الحامل في النصف الأول من فترة الحمل. فعندما يكون الجنين صغيراً لا ينبغي على الأم أن تزيد من كمية طعامها بشكل مفرط وزيادة الطعام يجب أن تكون محدودة جداً شرط أن تراعي وجود كمية كافية من البروتينات (بما في ذلك البروتين الحيواني) ومن الدهنيات شرط ألا تقل كمية الدهن النباتي (من الزيوت النباتية) عن 15% مما تناوله الحامل من دهون، ومن الكربوهيدرات.
أما المرحلة الثانية فهي غذاء المرأة الحامل في النصف الثاني من فترة الحمل. في هذه المرحلة تحتاج المرأة الحامل إلى كمية أكثر من الغذاء خصوصاً البروتين الذي يعتبر مادة أساسية لتشكيل الأعضاء والأنسجة عند الجنين. فإذا كانت المرأة الحامل تحتاج في الفترة الأولى من الحمل إلى 1.5 غرام من البروتين لكل كيلوغرام واحد من وزنها فإن هذه النسبة ترتفع إلى 2 غرام في المرحلة الثانية من الحمل. وقد ترتفع هذه النسبة إلى 2.5 غرام إذا كانت المرأة الحامل تمارس عملاً يتطلب مجهوداً فيزيائياً. وللحصول على هذه الكمية من البروتين تجد المرأة الحامل أن من الأيسر لها الاستعانة باللحم والسمك والبيض إضافة إلى الحليب ومشتقاته حيث يكفيها مقدار 200 إلى 250 غرام من اللحوم في اليوم (اللحوم تشمل طبعاً الكبد والكلى واللسان والقلب وغيره).
الحاجة للدهنيات
في المرحلة الثانية من الحمل تزداد حاجة المرأة الحامل إلى الدهنيات وينصح بتناول الزبدة والزيوت النباتية (زيت الذرة وزيت دوار الشمس وزيت الزيتون). وفي هذه المرحلة يجب على المرأة الحامل أن تخفف من تناول الكربوهيدرات (خصوصاً في الأشهر الأخيرة من الحمل) ويفضل التوجه إلى مشتقات القمح الكامل والحبوب الأخرى الغنية بفيتامين B والألياف التي تسهل عمل الأمعاء، والتقليل من تناول المكرونة لأنها تحتوي على نسبة كبير ة من النشا ونسبة قليلة من الألياف. كما أنه يجب تحديد كمية السكر التي تتناولها المرأة الحامل في هذه المرحلة لأن السكر لا يحتوي على فيتامينات وأملاح معدنية بل هو غني بالحريرات(الطاقة).
ينصح أيضاً بتناول الشوربا المحضرة من الحليب والخضار أما اللحوم والأسماك فينصح بتناولها مسلوقة. كما ينصح بتخفيف كمية الملح المستهلك خصوصاً في الشهرين الأخيرين إلى ما دون 5 غرام في اليوم. كما يجب التقليل من كمية السوائل إلى (4 -5) أقداح في اليوم.
وبما أنه تسجل حالات عديدة لأطفال يعانون من أنواع مختلفة من الحساسية فيجدر بالمرأة الحامل الحد من تناول العناصر المشبوهة أو المتهمة بالتسبب في حالات التحسس مثل الشيوكولا، الكاكاو، القهوة، الجوز، الفطر، وطبعاً الدخان. ولأن حجم رحم المرأة يكبر في الأشهر الأخيرة فإن ملء المعدة بالوجبات الكبيرة يصبح عبئاً عليه ومصدر إزعاج للمرأة الحامل لذلك لا بأس في أن تخفف هذه المرأة الحامل من كمية الطعام الذي تتناوله أثناء الوجبة الواحدة وزيادة عدد الوجبات إلى الـ 6 وجبات بدلاً من 5.
الحالات الاستثنائية
في كثير من الحالات تتعرض المرأة الحامل لعوارض شاذة مرضية أو شبه مرضية تجعل اتباعها للتعليمات العامة في تناول الغذاء أمراً متعذراً. فتجد نفسها مضطرة للتعديل في منهاج غذائها، وهذه الحالات كثيرة جداً وهي من اختصاص الطبيب المعالج لكننا سنذكر هنا بعض الحالات المعروفة والمنتشرة: أ- قد تجد المرأة الحامل أن شهيتها للطعام ضعيفة وأن بعض أنواع الغذاء تسبب لها نوعاً من القرف والاشمئزاز. في هذه الحالة تنصح المرأة الحامل بسحب الأصناف المسببة لردة الفعل هذه من لائحة وجباتها والاستعاضة عنها بأنواع أخرى ذات محتوى كيميائي شبيه وذات قيمة بيولوجية مساوية. لكنه وفي مطلق الأحوال يجب ألا تلجأ المرأة الحامل إلى الصوم ومقاطعة الطعام. ب- قد تتعرض المرأة الحامل لحالات من التقيؤ والاستفراغ خصوصاً في المراحل الأولى من الحمل. وفي هذه الحالات عليها أن تسارع استشارة طبيبها وتلقي العلاج المناسب وألا توقف تناول الطعام كي لا يتوقف الغذاء عن جنينها البادئ في التكوين.
ت- قد تتعرض المرأة الحامل لحالات من الإمساك والتوعك في الأمعاء، وفي هذه الحالات يتوجب عليها زيادة نسبة الخضار والفواكه الغنية بالفيبرات في طعامها مثل ( الملفوف، الشمندر، الخيار، الفراولة، البلح...). ث- قد تعاني المرأة الحامل من نقص الهيموغلوبين في الدم (فقر الدم )، وفي هذه الحالة لا بد للمرأة الحامل من تناول الأطعمة الغنية بالحديد ولا بد من استشارة الطبيب المعالج. ج- قد تتعرض المرأة الحامل لأنواع من السمنة وزيادة سريعة في الوزن تفوق الحد المتعارف عليه (أي من 200 إلى 300 غرام في اليوم)، وفي هذه الحالة يجب مراجعة الطبيب وتخفيف الكربوهيدرات في لائحة الطعام وربما يستدعي الأمر تناول الخبز والبطاطا والسوائل وقد يقوم الطبيب بفحص يسمى (الكشف المبكر للسكري) إذا اشتبه بإصابة تلك المرأة به.