كتب - طارق مصباح:

«بيوتنا القديمة هي أول بيوت بنيت للأهالي في العام 1975م، عندما أمر أمير البلاد، آنذاك، الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمه الله ببناء 32 بيتاً لأهالي الجسرة، وأهالي الجسرة ما زالوا يذكرون هذه المكرمة من الأمير الراحل”.

كذلك فتح المواطن محمد العميري كتاب تاريخ قرية الجسرة أمامنا، لنطلع على جوانب أخرى من هذا التاريخ على ألسنة أناس آخرين من أبناء القرية.

لكن ما دمنا بدأنا “بداية إسكانية”، فلا بد أن نتحدث عن مشكلة الإسكان في هذه القرية، ومنها ننطلق إلى مشكلاتها الأخرى.

البيوت التي بنيت قبل 37 عاماً في الجسرة أصبحت، الآن، آيلة للسقوط، ويرى أبناء القرية ضرورة تحديثها.. فتعالوا نبدأ مع الجسرة من بيوتها.

تصدعات الأسقف

والأسس والجدران

يعود محمد العميري ليتحدث معنا بكلمات يشوبها الأسى:

ـ 37 عاماً مضى على بناء بيوتنا وأصبحت، الآن، شائخة وآيلة للسقوط، وعلى الرغم من نداءات ساكنيها المتكررة بضرورة تحديثها إلا أنها لم تُدرج ضمن مشروع “الآيلة للسقوط” على الرغم من سوء حالها.

يلتقط مواطن آخر من قاطنيها هو صالح عبدالله الحديث ليقول: إن العمر الافتراضي لبيوتنا انتهى.. ولا حياة لمن تنادي.

وأمسكني صالح عبدالله من يدي وسحبني بقوة ليدخلني إلى بيته وإلى مجموعة من البيوت لأشاهد التصدعات في أسقفها وأسسها وجدرانها!

أثناء تجوالي في مجمع 1004 الذي تقع فيه هذه البيوت لمست شدة المعاناة التي يعيشها مواطنون في بيوت مشابهة لـ«بيوت العمالة العازبة”! لا أقول هذا من نسج خيالي، ولكنه الواقع الذي رأيته عندما أجريت سابقاً تحقيقات عن تلك العمالة وعن سوء وضعية سكنها!

بيوت آيلة للسقوط..

لا تتوقف معاناة الأهالي وقلقهم عند هذا الحد، لأن هذه البيوت التي لا يزيد عدد غرفها على ثلاث أو أربع غرف مع حمام واحد يسكنها اليوم بين 3 أو أربع عائلات! وكمثال على هذه المأساة التقيت المواطن يوسف أحمد الذي تزوج وسكن مع أخيه المتزوج أيضاً في بيت واحد مع عائلته ووالدته التي تعاني من مرض مزمن..

قالت لي أم يوسف: “اضطر أبنائي أن يبنوا لي غرفة من الحديد والألمنيوم لكي يسكن كل واحد منهم مع زوجته في غرفة.. واليوم بعد هذه السنوات ضاق البيت بنا ولا نستطيع استقبال الضيوف”

ولم تتوقف عن سرد معاناتها: “في الشتاء تزداد المشكلة، إذ تنهار أجزاء من البيت وكذلك في الصيف”..

لم أرغب في دخول بيوت هؤلاء المواطنين، ولكن لشدة إلحاحهم ورغبتهم وثقتهم بالـ«الوطن” بصفتها حلقة وصل قوية بين المواطن والمسؤول في هذا الوطن المعطاء جعلتني لا أتردد في قبول دعوتهم، فثلاث أو أربع عائلات عندما تسكن في بيت صغير كهذا إنما هي مشكلة كبيرة.. هذه المشكلة لا يخلو منها أي بيت من بيوت هذا المجمع و«لا حول ولا قوة إلا بالله”، كما سمعتها من أكثر لسان في هذه القرية.

بيوت حديثة مؤذية!

عندما خرجت من بيت أم يوسف التقيت، ثانية، المواطن محمد العميري الذي قادني، هو الآخر، إلى بيته الذي يقع بين طريق 409 و400 بمجمع 1004 وهو البيت الآيل للسقوط.. فلا أرضيته مستوية ولا جدرانه قائمة على أصولها وأسلاك الكهرباء حدث ولا حرج! وخرجنا من بيته وقال لي: “انظر إلى هذه المساحة قرب بيتي.. هذه هي المشكلة الثانية”، إذ ستبني عليها وزارة الإسكان وحدات سكنية وسيصعب علينا الدخول والخروج من البيت! وأخذني إلى الزاوية التي حصل عليها من وزارة الإسكان، وقال لي: حتى هذه الزاوية ستغلقها البيوت الحديثة!

بوعيسى أيضاً من سكان المجمع نفسه وسيبنون أمام بيته وحدتين سكنيتين، لنستمع له وهو يشرح ألمه، منا قال: “نخشى أن تسقط علينا جدران بيوتنا الآيلة للسقوط أصلاً عندما يبدأ الشروع ببناء هذه البيوت، فاستخدام الجرافات وأدوات البناء لابد أن يؤثر على بيوتنا الملاصقة للبيوت الحديثة”.

محمد العميري لم ينتظر إكمال بوعيسى حديثه، فقال: “هذه البيوت في حال انتهت وسكان المجمع بقوا في بيوتهم القديمة فإن البيوت الحديثة ستطل على بيوتهم مما سيسبب مشكلة أخرى إذا لم يراع الجار خصوصية جاره”.

نضيف إلى ما ذكره الأهالي أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تُبنى بيوت حديثة جميلة لصق بيوت قديمة آيلة للسقوط!!

الحفاظ على النسيج الاجتماعي

وزارة الإسكان انتهت مؤخراً من بناء 35 وحدة سكنية في الجسرة وهذه البيوت التي تحدثنا عنها هي أربع وحدات سكنية ستُبنى وسط البيوت القديمة، ولكن هل هناك مشكلة أخرى تتعلق بالخدمات الإسكانية عند أهالي الجسرة؟

في لقاء جمعني مع مجموعة من سكان قرية الجسرة لمست منهم مناشدة وزارة الإسكان ضرورة إعادة توزيع الوحدات السكنية التي تم إنشاؤها في المنطقة وعددها 35 وحدة سكنية، على الأهالي الأصليين للقرية وبحسب الأقدمية. الأهالي أكدوا لي أنه تم توزيع 17 وحدة سكنية على مواطنين من خارج القرية، وعبروا عن استيائهم الشديد لعدم إنصاف الوزارة لهم، فيما أكدت مجموعة أخرى من الأهالي أن ثلاثة وزراء تعاقبوا على المشروع ولكن الوضع ظل على ما هو عليه إلى الآن!

وذكر المواطن بوعيسى أن على وزارة الإسكان الحفاظ على نسيج المنطقة الاجتماعي وأن “هناك الكثير من الطلبات الإسكانية القديمة تدل عليها العديد من الحالات لعدد من العائلات يسكنون منازل أهاليهم في غرف محدودة”، مشدداً على ضرورة إعادة توزيع الوحدات على أهالي الجسرة.

حلول على حساب المواطن!

وضعنا هذه الشكاوى على طاولة نائب قرية الجسرة حسن سالم الدوسري الذي أبدى رفضه التام لإقامة البيوت الحديثة قرب البيوت القديمة لأن ذلك يعد حلاً على حساب راحة المواطنين، وقال: “نطالب وزارة الإسكان بالعمل بقوانين البلدية في مراعاة المسافة بين البيوت لتكون لها خصوصياتها”.

وبشأن مشكلة البيوت القديمة أوضح الدوسري أن سكان مجمع 1004 حصلوا على وثائق هذه البيوت ولكن لا تستطيع الحكومة أن تعيد بناء بيوتهم لأن بعضها لا تنطبق عليه الاشتراطات اللازمة، مبيناً أنه تقدم بمقترحات لاقت تجاوباً طيباً من الحكومة، وهي هدم تلك البيوت وإعادة بناء وحدات سكنية مكانها لأصحابها بعد أن مضى عليها أكثر من 35 عاماً وأصبحت غير صالحة للسكن، مؤكداً متابعته للموضوع مع الحكومة.

وأشار النائب حسن الدوسري إلى خطاب جلالة الملك الذي أكد فيه ضرورة الحفاظ على النسيج الاجتماعي في قرى المملكة ومدنها، مطالباً وزارة الإسكان أن يكون المشروع الإسكاني للجسرة خاصاً بالأهالي وبحسب الأقدمية لأنه من المشاريع المناطقية، مضيفاً: إن “الجسرة من القرى الصغيرة التي لا تتوفر فيها الأراضي الكافية لبناء وحدات سكنية لسكانها وقد تحتاج الحكومة إلى وقت طويل لاستملاك بعض الأراضي فيها”.

أما العضو البلدي للقرية جاسم جابر الدوسري، فقال: إن هناك “وعوداً رسمية من المسؤولين” بإعادة النظر في توزيع الوحدات السكنية، وأنه قابل وزير الإسكان باسل الحمر الذي وعد خيراً.

هل المنطقة منسية..؟!

هذا سؤال يراود سكان قرية الجسرة: “لماذا نحن منسيون”؟!! مجموعة أخرى من سكان قرية الجسرة لفتت نظرنا إلى هموم أخرى يعانون منها هي نقص الخدمات، والتي أوجزها لنا المواطن عيسى راشد بالقول: إن “أطفال القرية لا يكادون يجدون متنفساً لهم لأن الحديقة المهملة لديهم أكل عليها الدهر وشرب! فألعابها لم تجر لها عملية صيانة وظلت معطوبة”.

التقطت بعدستي صوراً للحديقة، بينما عيسى راشد كان يتساءل عن سبب إهمال هذا المكان الوحيد الذي يلعب الأطفال فيه ويمارسون براءتهم، ناهيكم عن عدم وجود زراعة منظمة في شوارع القرية وبين بيوتها..

المواطن صالح عبد الله ذكر لي أن القرية تعاني أيضاً من عدم الاهتمام من ناحية النظافة، لأن عدد عمال النظافة قليل جداً.

أما الخدمات الصحية، فإن أهالي الجسرة يراجعون مركز الكويت الصحي في قرية كرزكان، ولكنهم، كما يقول المواطن عيسى راشد، يحتاجون إلى عيادة صغيرة تلبي احتياجاتهم بخاصة أنهم يجدون صعوبة في الوصول إلى المركز الصحي في الفترة المسائية في ظل الظروف الحالية للبلاد.

أما المواطن أحمد العميري فذكر لي أن هناك حاجةً كبيرة لتوسيع الجامع الوحيد في القرية بخاصة مع زيادة الكثافة السكانية فيها ومجيء عدد كبير من المصلين يوم الجمعة من القرى المجاورة، مشيراً إلى أن الناس صارت تصلي في الشوارع المحيطة بالجامع.

نأمل تجاوب الحكومة..

«الوطن” أيضاً تأمل أن يرى سكان قرية الجسرة ما يسرهم، وكلنا أمل في تجاوب الحكومة مع مطالب الأهالي ومقترحاتهم لكي يهنأ المواطن البحريني أينما كان على أرض وطنه بالسكن اللائق والراحة وتوفر الخدمات له ولأبنائه.

ولكي تكون الصورة واضحة للجميع، فإن “الوطن” نشرت في 23 يونيو 2010 تحقيقاً شامل عن الجسرة وكانت مطالب الأهالي مشابهة تماماً لما يطلبونه اليوم، لم يتغير شيء على الرغم من مرور سنتين على الكتابة عن هذه المطالب!

إنها قرية الجسرة.. التي تحوي بين جنباتها بيت الجسرة، وهو الموقع التراثي الذي بناه الشيخ حمد بن عبدالله آل خليفة عام 1907م، وسكنه الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة (حاكم البحرين 1942 – 1961م). وولد فيه الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، حاكم البحرين (1961 - 1999م)، فهل ننساها..؟!