المفهومان يرتبطان ببعضهما بعضاً بشكل وثيق، والعلاقة بينهما علاقة سبب بنتيجة. فلا يمكن تحقيق استقرار من دون أمن، ولا يمكن أن يكون هناك أمن دون أن يؤدي الأمن نفسه إلى الاستقرار.
الأمن هو قدرة الدولة في الحفاظ على أمنها وحماية مكتسباتها الحضارية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. أما الاستقرار فهو الحالة الناتجة عن الأمن، وعكسها حالة عدم الاستقرار التي تتراوح بين الاضطراب والفوضى الشاملة.
ترتبط بالأمن والاستقرار قدرة الدولة على تطبيق قوانينها وأنظمتها وفرض النظام في المجتمع. ولذلك تكون مسؤولية الأمن والاستقرار مسؤولية جماعية مشتركة لا تقتصر على جهة حكومية واحدة أو إحدى السلطات الثلاث المعروفة في الدولة “السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية”، أو المؤسسات الأمنية والعسكرية، وإنما تشترك فيها كافة الأطراف وتتحمل فيها المسؤولية، اضافة إلى المسؤولية الشخصية للمواطنين، وكذلك مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية، ووسائل الإعلام المختلفة. وعدم تحمّل مسؤولية الأمن لدى طرف من هذه الأطراف يعني انعدام الأمن واختلال الاستقرار.
والمشاركة وتعدد المسؤولية لا تعني أيضاً ألا يكون هناك شكل من أشكال التنظيم في تحمل هذه المسؤولية بين عدة أطراف ومؤسسات بهدف ضمان أقصى درجات حفظ الأمن الوطني وصيانته للدولة. ولهذا فإن هناك العديد من المؤسسات الرسمية التي تتولى هذه المهمة، ومثالها في البحرين قوة الدفاع، ووزارة الداخلية، والحرس الوطني، وجهاز الأمن الوطني. حيث تتشارك هذه المؤسسات في مسؤولية حفظ الأمن الوطني للدولة على النطاقين الداخلي والخارجي من خلال الاختصاصات الممنوحة لها طبقاً لنصوص الدستور والقوانين والأنظمة الوطنية.
أما على المستوى الشخصي للأفراد، فإن مشاركتهم في حفظ الأمن وإيصال المجتمع لحالة الاستقرار تتطلب التزاماً صارماً بالقوانين والأنظمة، وهو ما يحتاج ثقافة يتم بناؤها في عملية طويلة المدى بشكل مقصود أو غير مقصود. فيما يتعلق بدور وسائل الإعلام المختلفة في تحقيق الأمن فإن ذلك ينطلق من مسؤوليتها الاجتماعية في تعزيز مفاهيم الأمن وسيادة القانون من خلال خطابها الإعلامي الواسع، ورفضها الصريح لأي تجاوز للقانون باعتباره إخلالاً بالأمن.
وبالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني ودورها في حفظ الأمن والاستقرار، فإن ذلك يتطلب أيضاً التزاماً بالقوانين والأنظمة وعدم تجاوزها مهما كانت الظروف. وهنا تثار مسألة علاقة الأمن بالحريات المدنية ومنها حرية التعبير عن الرأي، بمعنى هل تتعارض إجراءات الدولة لحفظ الأمن وتحقيق الاستقرار مع مثل هذه الحريات؟ وهل من المقبول أن تتخذ الدولة إجراءات تقلل من حق الأفراد في ممارسة حرياتهم المكفولة دستورياً؟
البعض يرى أن هناك تعارضاً بين الاثنين؛ أي الحريات المدنية وإجراءات حفظ الأمن، ويرفض المساس بالحريات المدنية تحت مبرر حفظ الأمن. وبالمقابل فإن هناك من يرى عدم تعارض الاثنين؛ وسبب ذلك المرونة في تفسير مثل هذه المفاهيم السياسية المهمة التي ترتبط بالظروف، إذ ليس مقبولاً عندما تزداد الفوضى والاضطرابات في المجتمع ألا تتخذ الدولة إجراءات لحفظ أمنها وضمان استمرار حالة الاستقرار التي يجب أن تكون سائدة. والفكرة هنا أن ممارسة الحريات لا تعني أنها مطلقة وينبغي عدم ضبطها، فالحرية تنتهي عندما تمس وتُخل بحريات الآخرين. والنتيجة النهائية أن عدم اتخاذ الدولة إجراءات ضبط الأمن سيؤدي إلى انتشار الفوضى، وقد يصل المجتمع لحالة يصعب فيها ممارسة الحريات المدنية لدى كافة الأفراد.
ولذلك ينبغي النظر إلى مفاهيم الأمن والاستقرار بشكل أكثر وضوحاً مع التأكيد على ضرورة أن تتناسب إجراءات حفظ الأمن ودعم الاستقرار مع الحريات العامة للأفراد بشكل مرن يتناسب مع مختلف الظروف والحالات.
مسألة أخرى مهمة ترتبط بالأمن والاستقرار الداخلي في دولة ما، وهي البعد الإقليمي الذي يقصد فيه ارتباط الأمن الداخلي بالأوضاع الأمنية في منطقة جغرافية معينة، ومثال ذلك عندما يتم الحديث عن أهمية الوضع الأمني في البحرين وتأثيره على أمن الخليج واستقراره.
وصار في ظل تشابك العلاقات المعقدة بين مختلف بلدان العالم اليوم، من الصعب فصل الأمن الداخلي لأية دولة عن الظروف الإقليمية وعن الأمن الإقليمي للمنطقة الجغرافية المجاورة لها. وفي حالة مملكة البحرين يلاحظ أن أي مساس بأمنها الوطني، يعد مساساً بالأمن الإقليمي للخليج العربي الذي يشكل أهمية استراتيجية دولية تتطلب درجة عالية من الأمن والاستقرار الداخلي لكافة بلدان المنطقة ومن بينها البحرين.
وأهمية مفهوم الأمن والاستقرار الداخلي لمملكة البحرين وتأثيره على أمن الخليج يمكن ملاحظته عندما يتم الحديث عن المنظومة الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي التي تربطها مجموعة اتفاقيات أمنية ودفاعية مشتركة تقوم على مبدأ أن أمن الخليج جماعي لا يتجزأ، ويقوم على أن المساس بأمن دولة من دول المجلس، هو بمثابة مساس بأمن كافة دوله.
تتداخل مفاهيم الأمن والاستقرار كثيراً عندما يتم الحديث عن الأمن الإقليمي وأبعاده، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الأمن الداخلي عن الأمن الخارجي وأبعاده الإقليمية والدولية، لأن أي فصل يعني إخلالاً واضحاً بالمعادلة الأمنية لأي مجتمع.