^   التاسع من أبريل 2003م اعتبره الرئيس الأمريكي يوماً وطنياً أمريكياً، وهو اليوم الذي تم فيه احتلال العراق، ويضيف «أن قواته تحدت التمرد والصراع الطائفي وخطر القتال، ولم يفقد الجنود الأمريكيون عزيمتهم من أجل مساعدة الشعب العراقي على تحقيق مستقبل أفضل»، هذه القوات التي خلعت بعض زيها العسكري في 18 ديسمبر 2011م وارتدت لباساً مدنياً. وقال أيضاً في الذكرى التاسعة لاحتلال قواته العسكرية للعراق «اكتسبت القوات العسكرية خلال المهمة خبرات إضافية وتعلموا اللغات والثقافات»، و»أن حرب العراق تركت جروحاً (أمريكية)». ولنسأل الرئيس الأمريكي.. ماذا كسب العراق وتعلم خلال السنوات التسع هذه؟ ألم تسبب هذه الحرب العدوانية جُروحاً في العراق؟ ويعرف هذا الرئيس وسلفه وجميع مَن خططوا لهذه الحرب العدوانية على العراق بأنها أكبر جريمة أمريكية معاصرة. ونقرأ من المكاسب والمنجزات الديمقراطية والإنسانية لهذه المهمة الوطنية الأمريكية في العراق، أنها خلفت وراءها مآسي على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فأعداد القتلى (38475) والجرحى (18490) والمشردين (18000) وأعداد من المعاقين العراقيين، وحقائق الأعداد أكثر بكثير من هذه الأرقام، بجانب الخسائر الجغرافية بتفتيت وتقسيم العراق بين الفصائل المشاركة في الاحتلال، والتدهور الأمني المُستمر الذي يروح ضحيته العشرات والمئات من أبناء العراق في كل يوم، إضافة إلى الاستنزاف الأمريكي للنفط العراقي وثرواته، مع غياب السيادة الوطنية التي أصبحت مَلفاً إيرانياً خاصاً. ففي الوقت الذي تطالب فيه الإدارة الأمريكية والغربية بمحاكمة رؤساء الأقطار العربية والدول النامية على ما ارتكبوه من جرائم بحق شعوبهم فإن الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين هُم مَن أول مَن يستحقون المحاكمة والعقاب ضد ما ارتكبوه من جرائم بحق دول وشعوب العالم. هذه هي بغداد التي بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور وازدهرت في عصره أيما ازدهار، وهي التي غزاها المغول ومن ثم أحفادهم الأمريكيون وعصابات الميليشيات المتعترقة وعاثوا فيها دماراً وخراباً، هذه الفئة التي تتحكم في مقدرات العراق تريد أن يَصبح المشهد المأساوي مُستمراً.. لا أمن ولا استقرار، هذه الفئة جعلت من العراق يَسبح في بحر من المظلمات، ومِن هذه المدينة بدأت المرحلة الإيرانية الثانية لتصدير نظامها إلى الأقطار العربية وبخاصة الخليجية منها، مما ساعد في إشعال النار في مجتمعاتها وزاد من وطأة الطائفية المَقيتة التي كانت قبل النظام الإيراني هذا مختفية تماماً عن الساحة العربية والخليجية بالذات. وكل الأحداث المتتالية منذ احتلال العراق إلى الآن تدلل على أن المخطط الأمريكي للعراق يَسير متوافقاً مع مُخطط الأطماع الإيرانية في المنطقة الذي يَصُب في النهاية إلى الحفاظ على أمن العدو الصهيوني وضمان تفتيت الوطن العربي. ويأتي إبقاء العراق في حالة من عدم الأمن والاستقرار مهمة أولية لتحقيق هذه الأهداف. مَن يتحمل مسؤولية التسع السنوات العجاف في العراق؟ إنهم المحتلون والأحزاب والميليشيات التي تعمل تحت إمرتهم، وفي مقدمتهم المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون وقادة الأحزاب التي عبثت في أرض العراق، هؤلاء يجب تقديمهم إلى القضاء الدولي ومحاكمتهم عن جرائمهم بحق العراق وأبنائه وتحميلهم المسؤولية الكاملة عن كل ما لحق بالعراق دولة وأرضاً وشعباً وثروات، من أضرار بشرية ومادية وبيئية. وليس هذا العراق الجديد الذي يُريده الشعب العراقي، وليست هذه الديمقراطية التي يطمح إليها العراق، وليس هذه النوعية من الحُكم الذي يحتاج إليه العراق. وتزامناً مع هذه الذكرى الأليمة على الوجدان العربي تم تنظيم ندوة لمجلس الأمم المتحدة في جنيف اختتمت في 23 مارس 2012م إبان الدورة التاسعة عشر للمجلس، وفي هذه الندوة تم استعراض الجرائم الأمريكية التي ارتكبت ضد العراق وشعبه، بدءًا من جريمة الحصار الاقتصادي إلى جريمة الغزو الأمريكي واحتلال العراق. وفيها أوضح الدكتور خضير المرشدي الممثل الرسمي لحزب البعث في العراق ومسؤول العلاقات الخارجية للحزب (أن من جرائم الولايات المتحدّة أنّها قد سلّمت العراق لإيران التي لم تكن لتتغلغل في العراق ويتعاظم نفوذها لولا رضا وتشجيع الولايات الأمريكية)، مبيّناً أن (ما يُسمى بالعملية السياسية التي يجري تطبيقها في العراق هي مشروع أمريكي ـ صهيوني، يهدف إلى تقسيم العراق وإبقائه ضعيفاً مُفتتاً، وأن إيران تساهم مساهمة رئيسة في هذا المشروع من خلال طوابير عُملائها وعناصرها الذين زرعتهم ـ برضا أمريكي ـ في المؤسسات الأمنية فضلاً عن الأحزاب الطائفية والميليشيات الإجرامية التابعة لها مباشرةً). و(انتقد الصمت الدولي حيال هذه الجرائم وموقف مجلس حقوق الإنسان، مُطالباً إياه بضرورة مناقشة هذه الجرائم والانتهاكات ضمن جدول أعماله وتعيين مُقرر خاص لحالة حقوق الإنسان في العراق). كما استعرض المرشدي (الإنجازات التي حققتها المقاومة الوطنية العراقية وتكبيدها الخسائر الكبيرة للقوات الأمريكية فاقت قدرتها على المطاولة والتحمل وتسبّبت في كسر عمودها الفقري وهو السبب الرئيس الذي أدى بها إلى أن تنسحب، هاربة تجر أذيال الخيبة والخسران، تاركة ورائها طوابير من العملاء والجواسيس والخونة والسرّاق الذين يتساقطون يوماً بعد آخر، وسيأتي اليوم الذي تتم فيه محاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم وانتهاكات ضدّ شعب العراق وأرضه). وأكدّ (أن هذه المقاومة مستمرة رغم التضليل الإعلامي الهائل، كما إنها تسلك مختلف السبل في مقاومة هذا الاحتلال ومشروعه الطائفي التقسيمي، عسكرياً وسياسياً وقانونياً واقتصادياً). تسع سنوات عُمر الكارثة الاحتلالية وقبلها سنوات العدوان العسكري وتلتها سنوات الحصار الاقتصادي منذ العام 1991م، هي كارثة من كوارث العصر الحقيقية، دمار وفساد وانهيار سياسي ودمار اقتصادي وأخلاقي وصحي وتلوث بيئي للأرض والسكان، وانتشار للفوضى وانتهاج لسياسة الإقصاء والاجتثاث لكل ما هو عربي ووطني وإسلامي حقيقي وإنساني في كل أنحاء العراق. وصولاً إلى المشاركة الأمريكية الإيرانية الصهيونية في تحطيم كافة المنجزات الوطنية والقومية التي حققتها ثورة 17 تموز المجيدة وأبناء العراق وقادته، واجتثاث العقول والإمكانات والخبرات والعقول العراقية المدنية والعسكرية التي ساهمت في ولادة ورعاية تلك المنجزات والمكاسب الوطنية والقومية. هذه الخسائر والتشوهات العراقية ما أسمته الإدارة الأمريكية بإنجازات بناء العراق الجديد!!