قصة قصيرة – جعفر الديري:

قالت السيدة خلود: لن تتمكن من الذهاب إلى البحر.

سألتها: ولماذا؟!

أجابت: لأنهم ذهبوا منذ قليل.

اسودت الدنيا في عيني. خرجت غاضباً من البيت. أمسكت بالحصى ورحت أقذف بها الأرض حنقاً عليهم...

- سألقنهم درساً حين ألقاهم! الملاعين. كيف يذهبون دوني؟! الملاعين.

جلست بالقرب من سياج الحديقة ورحت أبكي. مرّ بي السيد سميح. كان يرتدي قبعة سوداء وبدلة حمراء، ويدخن كعادته..

- لماذا تبكي يا فراس؟ أجبت من خلال الدموع:

- لقد ذهبوا من دوني.

- من هم؟

- منذر وأخويه.

- أبناء السيدة خلود؟!

- بلى.

- وإلى أين كنت تودّ الذهاب؟!

- كنت أرغب في السباحة معهم في البحر.

- لا بأس.. سأقلّك معي في عربتي.

صحت من الفرح:

- أحقّاً ما تقول؟!

- بلى.. تعال معي.

كنت يتيماً، لم يكن أحد من أهل الحي يهتم لحالي. ولم أكن أعلم بالسبب. سرعان ما انفتحت نافذة بيت السيد حميد، وأطلّ منها وجه السيدة خلود، منادية السيد سميح. لبى نداءها سريعاً. وعاد يعتذر لي:

- آسف يا فراس! لا أستطيع أن أقلك.

تركني فبدأت بالبكاء مجدداً. وبدلاً من أن ترأف السيدة خلود لحالي؛ تطلعت إلىّ ساخرة وغابت عن ناظري. انفتحت النافذة المقابلة، وأطلّ منها وجه الخادمة سميرة. كانت شابة جميلة ولطيفة. نادتني. كانت تحمل كعكة لذيذة..

- هل أنت جائع يا فراس؟

- بلى.. أنا جائع جداً

- خذ هذه الكعكة ولا تخبر أحداً أني أعطيتك إياها.

أخذت الكعكة منها وأكلتها بسعادة. كانت لذيذة جداً. لكن سرعان ما انفتح الباب وبرز منه السيد سمير بعصاه. رآني فصاح في غضب:

- من أعطاك الكعكة يا ولد؟!

حاولت الهرب، لكنه أمسك بي من أذني وراح يضغط عليها بقوة...

- إذا لم تخبرني من أعطاك الكعكة فسأخبر الشرطة أنك سرقتها مني!.

خفت كثيراً؛ فقلت:

- أعطتني إياها سميرة.

تركني ودلف إلى الداخل. انتهزت الفرصة فاختبأت. وسرعان ما ظهر ممسكاً بسميرة المسكينة. كانت تبكي. وعندما لم يجدني، انهال عليها ضرباً بعكازة..

- كيف تجرؤين على فعل ذلك أيتها الوقحة؟! هاه.

بكيت لحال سميرة كثيراً. خرج أغنياء الحي، لمّا سمعوا الجلبة. ولمّا علموا بالأمر أشبعوها توبيخاً. أمّا السيدة خلود فلطمتها لطمة قوية على خدّها، فسقطت المسكينة إلى الأرض، وراحت تنشج بمرارة جعلتني أبكي لها. أحسست بيد قوية تمسك بي من الخلف. كانت يد السيد مازن، المعروف بقسوته وبوجهه ذي الندوب.

كان يخرج لسانه ويمصّ شفتيه بصورة تفزع الأطفال...

- أمسكت بك أيها الولد المشاغب.. إن السيد سمير ستسرّه رؤيتك كثيراً

حاولت التملص منه، لكنه قادني إلى السيد سمير، وألقى بي عند قدميه. وما أن رآني حتى انهال علي ضرباً بكفه الخشنة...

- أيها المحتال الصغير

قالت السيدة خلود:

- يجب أنّ نضع حدّاً لهؤلاء اللصوص؛ إنهم حثالة.

فجأة اطلعت زوجة السيد سمير السيدة وداد من الباب، كانت تضع على جسمها شالاً، وتسعل بشدّة. اندفعت إليّ، وأخذتني في أحضانها:

- يا غلاظ القلوب.

صاح السيد سمير:

- أتدافعين عن لصّ؟

- إنه طفل.. مجرد طفل!.

كنت أبكي بشدّة متأثراً بالضرب الذي نالني. أفلتّ من يد السيدة وداد، وهربت بأقصى قوتي.