الوطن ـ خاص:

شكّلت مخالفات جمعية العمل الإسلامي «أمل» في مجملها نموذجاً صارخاً لحالة التجاوز والخرق للقوانين وأعراف العمل السياسي السلمي، الأمر الذي استدعى التعامل معها وفقاً لما يمليه القانون، وإن كانت مواقفها وآراؤها السياسية كفيلة بوضع مثيلاتها على لائحة الجماعات الإرهابية في أعرق الديمقراطيات الغربية.

وكشف حكم المحكمة الكبرى الإدارية بحل جمعية «أمل» وتصفية أموالها، تناقض بعض الأطراف والقوى السياسية، التي تدعي أنها تتبنى مبادئ وقيم الدولة المدنية واحترام أحكام القضاء، في حين أنها بعيدة كل البعد عن ذلك من خلال ممارساتها العملية على أرض الواقع.

وما يثير الاستغراب أن هذه القوى اعتبرت أن الحكم القضائي بحل جمعية أمل هو «قرار سياسي وقمع لحرية الرأي والتعبير»، وذلك بالرغم من أن المحكمة استندت في حكمها إلى ما قدمته وزارة العدل من أدلة حول المخالفات الإدارية والمالية الجسيمة للجمعية، ولم تتطرق إلى مواقفها وآرائها السياسية.

وبالنظر إلى الخطوات التي انتهجتها وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في تعاملها مع مخالفات جمعة العمل الإسلامي، يتضح أنها أدارت معركة قانونية بامتياز في إطار دولة القانون والمؤسسات، حيث احتكمت في تحركها إلى على صحة نص قانون الجمعيات السياسية وبناء على ما رصدته من مخالفات جسيمة موثقة بالأدلة والتواريخ، تخالف الدستور والقوانين بل وتخالف النظام الأساسي للجمعية ذاته، حيث نص قانون الجمعيات السياسية في مادته (23) على أنه «يجوز لوزير العدل أن يطلب من المحكمة الكبرى المدنية الحكم بحل الجمعية وتصفية أموالها وتحديد الجهة التي تؤول إليها هذه الأموال، وذلك إذا ارتكبت مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو هذا القانون أو أي قانون آخر من قوانينها ....».

وتمثلت أبرز مخالفات الجمعية بحسب ما جاء في دعوى وزارة العدل والتي شكلت في مجملها خروجاً كلياً عن مبادئ وأهداف العمل السياسي المشروع في عقد مؤتمرها العام الثاني في عام 2008 في «مأتم سار» وهو أحد دور العبادة، وتأكيد أمينها العام في تصريح صحافي في العام ذاته بأن «المرجعية فوق الدستور، وأن السيد هادي المدرسي أستاذنا ومرجعيتنا في كل عملنا»، وكذلك «عدم كشف الجمعية لمواردها المالية ومصادر التمويل والوضع المالي لها، ووجهة صرف هذه الأموال».

وتشير مخالفات الجمعية تلك إلى عدة دلالات غاية في الخطورة، أدت إلى انحراف نهج وممارسة الجمعية للعمل السياسي، وهو ما ظهر بوضوح خلال الأزمة التي مرت بها البحرين منذ فبراير 2011، وذلك على النحو التالي، خلط العمل السياسي بالديني على نحو يهدد أمن واستقرار المجتمع، حيث استغلت الجمعية المنبر والمؤسسات الدينية بما لها من قدسية وروحانية في الترويج لبرنامجها السياسي على نحو مخالف للقانون وتمرير خطاب سياسي معين يتخفّى بعباءة التدين، ومحاولة فرض أجندات سياسية تقوم على استغلال البعد الديني والطائفي بما يشكله ذلك من خطورة على المجتمع بصفة عامة، وقد ظهر ذلك جلياً في الأزمة من خلال الخطاب التحريضي والفتاوى المسيسة التي انطلقت من فوق المنابر الدينية واستخدمت لتبرير العنف ضد رجال الشرطة والمدنيين الأبرياء.

وعدم احترام الجمعية لدستور مملكة البحرين وهو الإطار الحاكم والمنظم لكافة السلطات والحقوق والواجبات لكافة المواطنين، وذلك من خلال تأكيد أمينها العام بأن «المرجعية فوق الدستور، وأن السيد هادي المدرسي أستاذنا ومرجعيتنا في كل عملنا»، والذي يشير إلى طبيعة المشروع الذي تسعى الجمعية لتحقيقه وهو بالطبع بعيد كل البعد عن «الدولة المدنية» التي تقوم مرجعية القانون والدستور وليس «المرجعية الدينية، كما لا يخفى طبيعة الدور التحريضي الذي مارسته هذه المرجعية «هادي المدرسي» أثناء وقبل الأزمة التي مرت بها البحرين والذي تضمن دعوات صريحة للعنف والحض على الكراهية والسعي لقلب نظام الحكم وقتل العديد من المسؤولين، فضلاً عن دوره الرئيسي في المحاولة الانقلابية الفاشلة في ثمانينيات القرن الماضي.

ويضاف إلى ذلك ما تنتهجه الجمعية وتتبناه من تأييد علني وصريح لأعمال العنف والتخريب تحت غطاء حرية الممارسة السياسية التي كفلها الدستور والقانون، وعدم رفضها وإدانتها لأعمال الحرق والتخريب والمساس بحياة المواطنين وترويعهم وتعريض حياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم للخطر والتي يمارسها المخربون بصورة يومية.

والشبهات المالية التي تحيط بالجمعية بعد رفضها الإفصاح عن «مواردها المالية ومصادر التمويل والوضع المالي لها، ووجهة صرف هذه الأموال»، وهو ما يثير عدة تساؤلات حول مصادر تمويل بعض الجمعيات ومدى صحة ما يشاع عن تلقيها تمويلات أجنبية من بعض دول الجوار عبر طرق ملتوية من بينها تهريب الأموال، أو قيامها بتقديم أموال لجهات مشبوهة في الخارج، كما يثير الشبهات بشأن مصادر تمويل أنشطة وفعاليات بعض الجمعيات السياسية خصوصاً تلك التي كانت تتلقى دعماً تشغيلياً من الحكومة وتوقف في أعقاب فقدها لمقاعدها في البرلمان.

ويتضح مما سبق أن مخالفات «أمل» قد شكلت في مجملها نموذجاً صارخاً لحالة التجاوز والخرق للقوانين وأعراف العمل السياسي السلمي، الأمر الذي استدعى التعامل معها وفقاً لما يمليه القانون، ولو كان الأمر كما تدعي بعض القوى السياسية يأتي في إطار تضييق الدولة على أنشطة الجمعيات السياسية وحرية الرأي والتعبير لكان ذلك طال العديد من الجمعيات السياسية الأخرى التي تماثل جمعية «أمل» في مواقفها المتشددة ولكن مازالت تمارس عملها وأنشطتها بحرية تامة.