كتب- طارق مصباح:
يستقبل البحرينيون بفرح شهر رمضان، وينشغلون قبل حلوله، وفي هذه الأيام بالذات، باستعدادات شتى، فمنهم من يشتري ملابس خاصة يرتديها خلاله، ومنهم من يتهادى مع أصحابه فيشتري قبل حلوله هدايا كثيرة يقدمها لأصدقائه أو أقاربه فيهدونه، بالمقابل ما اختاره له من هدايا، ومنهم من يطبخ بعض الأكلات التي يمكن حفظها في الثلاجات ليستعملها في إفطاراته الرمضانية لكي لا يشغله إعداد الأكل عن تأدية فروض الشهر الكريم، وهناك من يتبضع ما يكفيه لشهر رمضان لعدم رغبته بالخروج إلى السوق خلاله ولانشغاله بقراءة القرآن الكريم.
ومن أجمل الصور أن لا ينسى بعض البحرينيين شراء هدايا في هذا الشهر لخدمهم غير المسلمين إشعاراً لهم بأهمية هذا الشهر الكريم وعظمته لديهم.
ومن الناس من يزود الجمعيات الخيرية بما لديه من فائض ملابس أو طعام أو أثاث لتوزيعه على المعسرين والذين لا يجدون ما يأكلونه أو يلبسونه.
كل يستقبل هذا الشهر بأسلوبه الخاص، وفي المحصلة تحل بركة هذا الشهر الكريم على الجميع من دون استثناء.
حفاظاً على روحانية الشهر
فاتن جناحي، وهي مواطنة بحرينية اشترت هدايا بكميات كبيرة، وعندما سألناها لِمَ ذلك أجابت: “عوَّدت قريباتي وصديقاتي أن أهدي لهن هدية في بداية رمضان من كل عام.. كما لم أنس أن أشتري هدية مميزة لخادمة منزلنا غير المسلمة لكي أكسب قلبها لديننا العظيم”.
أما زميلتها إلهام الشرح فاشترت حاجيات رمضان من المأكولات الرئيسة وأغراض العيد وحاجياته من الآن، والسبب في ذلك، كما تقول: “لأني لا أحب الخروج في رمضان للأسواق، وأحب الالتزام ببرنامج قراءة القرآن الذي أضعه لنفسي”.
تنظيم رائع شاركتها فيه المواطنة عائشة صقر التي أجبرت أبناءها على اختيار ملابس العيد، من الآن، لكي لا تضيع ليالي الشهر الفضيل وخيراته بالتجول في الأسواق، بل لتستثمره بالتزاور وصلاة القيام.
وذكرت لنا كل من ردينة علي وخلود محمد أنهن يحرصن على دراسة ميزانية الأسرة لكي لا يكون هناك إسراف في جانب المصاريف الرمضانية، وقالت ردينة: “أعد سمبوسة رمضان قبل حلوله بأسبوع، توفيراً للوقت والجهد”، وقالت خلود “أجتمع حالياً مع بعض الأخوات لإعداد المأكولات المثلجة حتى يسهل عليَّ تجهيز السفرة”.
ودعت المواطنة عائشة خليفة البلوشي المواطنين إلى استقبال شهر رمضان بتصفية القلوب من أمراض الدنيا والإكثار من التوبة والاستغفار والصدقات، وأهمية تهذيب النفس وتعويدها على الكرم والسخاء.
قبل ارتفاع الأسعار!
إذا كان هذا هو استعداد البحرينيات فكيف يستعد له البحرينيون؟
هذا السؤال وجهناه أولاً إلى المواطن صالح بن علي الذي التقيناه عند أحد محال الخياطة فذكر لنا أنه طلب من الخياط تفصيل أثواب خاصة لشهر رمضان وأخرى للعيد من الآن.
وبصفته ناشطاً اجتماعياً فإن بن علي ينظم، حالياً، مع بعض زملائه جداول لمحاضرات دينية وثقافية في بعض المساجد.
والتقينا المواطن عبد الله البناي وهو يشتري ملابس العيد له ولأبنائه قبل حلول رمضان لأن أسعار الملابس والمأكولات، كما قال، ترتفع في شهر رمضان، مناشداً المسؤولين مراقبة الأسعار واستغلال بعض التجار الذين يريدون زيادة الربح على حساب الناس في هذه المناسبة الكريمة.
واشترى المواطن فهد العيد كميات كبيرة من الملابس لأبنائه للعيد والمدارس، وقال: “نريد أن نتخلص من عبء كبير علينا من الآن حتى لا تأتي المدارس وتكون عندنا ضائقة”.
التعود على قراءة القرآن
ياسر سيادي (23 سنة) موظف حكومي يحاول في هذه الأيام أن ينجز ما تبقى له من مشاغل يمكن أن يتمها قبل شهر رمضان، وقال: “إن على المسلم أن ينظم وقته من الآن لكي يتفرغ للعبادة في رمضان، ولكي لا يضيع نصف يومه في العمل والنصف الآخر في الأسواق”.
واتفق معه صديقه حسن جناحي (24 سنة) وقال إنه يستعد حالياً يقرأ القرآن الكريم من الآن بنحو حثيث لكي يتهيأ نفسياً لقراءة شاملة مع التفسير.
وأضاف “لم أفصل ثوب العيد إلى الآن ولكن هذه الفكرة جيدة لأنها ستحقق لي استعداداً مسبقاً وحسن تنظيم لوقتي أثناء رمضان”.
وللشباب الصغار أيضاً استعداداتهم، إذ التقينا أحد الشباب الذي أتم حفظ كتاب الله عز وجل في هذا الصيف، وهو نواف نصر “16 سنة” الذ أخبرنا أنه يستعد لوضع برنامج عملي يتم من خلاله مراجعة حفظه للقرآن على أيدي المشايخ” .
ليس هذا فحسب، بل أن نواف يخطط للتسجيل في معهد لدراسة اللغة الإنجليزية ليصبح أفضل فيها قبل دخوله معترك حياة المرحلة الثانوية.
ويوصي نواف الشباب بحسن استقبال رمضان بالنية الصالحة وعدم تضييع الأوقات بالسهر والنوم ومشاهدة برامج التلفزيون غير المجدية.
وتدخل صديقه أحمد منذر (15 سنة) في الحديث ليقول: لا أشعر أنني مستعد حالياً بالنحو المطلوب ولكني أحاول في هذه الأيام أن أتعود على قراءة القرآن وأن يكون لي ورداً بعد كل صلاة.
أما عبد الله المعمري (17 سنة) فهو أحد الشباب الذين يشاركون سنوياً في المشاريع الخيرية لجمعية الرفاع الخيرية، وقال: نعمل في هذه الأيام على تجهيز ما سنقوم بتوزيعه من مياه وتمور.
نسمع جعجعة ولا نرى طحناً!
المواطنون يسمعون منذ سنوات عن علاوة مناسبات ولكنهم لا يرون لها أثراً! هكذا بدأ المواطن بوأحمد حديثه معنا، مبدياً تذمره من تعطل هذا المشروع معتبراً أنه “حق للمواطن البحريني” الذي ستجتمع عليه ثلاث مناسبات قريبة من بعضها وكل واحدة تتطلب ميزانية تضيف أعباء على ميزانية الأسرة.
ولكن بوأحمد في الوقت نفسه ناشد الأسر البحرينية التي تعد ميزانية رمضان من الآن أن تتجنب الإسراف الذي يخل بروحانية الشهر الفضيل.
ومن ضمن الذين التقيناهم العضو البلدي محمد موسى الذي قال إن سبب التهافت الكبير على شراء مستلزمات رمضان هو غياب ثقافة الاستهلاك المتزن، مطالباً الجهات المسؤولة بتثقيف المواطنين لكي لا يتم “شراء ما لا يحتاجه المواطن من حاجيات تفوق احتياجاته.
واتفق موسى مع مطالب الأهالي في “حق” الحصول على دعم مالي لمناسبة رمضان والمناسبتين اللتين تتبعها (الأعياد والمدارس)، مؤكداً ضرورة العودة إلى العادات الأصيلة في التزاور بين الأهالي وتبادل صحون الفطور بين البيوت، موجهاً الموظفين إلى الإنضباط في حضور دوام العمل وعدم التسيب والإهمال بحجة الصيام، فالإخلال بالواجبات الوظيفية لا تعكس روحية هذا الشهر الكريم، بل تعاكسها.
رمضان في مجالس بحرينية
عُرف عن الشعب البحريني حبه لإقامة المجالس وحضورها وتبادل الزيارات بينها، وفي شهر رمضان يزدهر هذا الجانب، وعرفنا من خلال حديث مع رئيس جمعية مجالس العائلات البحرينية جاسم بوطبنية أن الجمعية وضعت اللمسات الأخيرة لإصدار متميز لمجالس العائلات البحرينية في شهر رمضان ستدون فيه أسماء المجالس التي ستفتح أبوابها للرواد في ليالي شهر رمضان والأيام والمواعيد وأسماء المحاضرات.
وأكد بوطبنية أهمية هذه المجالس وذكر أنهم في الجمعية نظموا جدولاً بالتنسيق مع أصحابها لعقد محاضرات ولقاءات مع بعض الشخصيات لإحياء الجانب الفكري والثقافي والتوعوي ومناقشة آخر المستجدات على الساحة السياسية.
وناشد بوطبنية أصحاب المجالس في كل محافظة التنسيق فيما بينهم ليتم اجتماعهم في يوم محدد وتوجيه دعوة كريمة إلى صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء أو صاحب السمو الملكي ولي العهد لزيارة المجلس.
وبشأن الفعاليات التي ستقام إلى جانب المحاضرات واللقاءات، قال بو طبنية: أعددنا جدولاً لرحلات للعمرة لرواد المجالس وغبقات رمضانية ولقاءات يجتمع فيها سفراء الدول في هذه المجالس، بالإضافة إلى دعوة عدد من أصحاب المجالس في دول الخليج العربي لزيارة المجالس لتأكيد تلاحم هذه الدول وتوحدها في عاداتها وتقاليدها.
وفي حديثه عرج بو طبنية إلى الحديث حول ارتفاع الأسعار في رمضان، وقال إن هذا الأمر كثيراً ما يقلق المواطنين، مطالباً الجهات المعنية بإحكام قبضتها ومحاسبة التجار الذين يستغلون هذه المناسبة بصفة غير مشروعة.
لا تستغلوا موسم الصوم
النائب عادل العسومي رفض استغلال بعض التجار مناسبة شهر رمضان، وقال: “كان ينبغي على أمثال هؤلاء التجار إعانة الأسر الفقيرة والمحتاجة عبر الجمعيات الخيرية لا التقتير عليها ورفع الأسعار واستغلال حاجتها”.
وطالب العسومي وزير التجارة أن يوجه نحو تفعيل أكبر للرقابة على الأسواق الصغيرة والكبيرة قبل رمضان وأثناءه وبعده أيضاً، موجهاً نداءً إلى الشركات الحكومية والخاصة أن تقدم دعماً أكبر للجمعيات الخيرية لتنهض بدورها في رفع المستوى المعيشي للأسر البحرينية المحتاجة بخاصة في ظل تقارب مناسبات تستدعي ذلك.
غياب الدعم الحكومي!
«إذا كان هناك قصور في دعم الحكومة للمواطنين في مناسبة شهر رمضان من خلال المقترح النيابي (دعم المناسبات) فإن المجتمع البحريني سيبقى حياً بفضل التكاتف الاجتماعي الذي عُرِفَ به أبناؤه”. بهذه النظرة الإيجابية نظر النائب الدكتور علي أحمد إلى غياب الدعم الحكومي الذي اقترحه مجلس النواب، وقال إن المقترح النيابي رفضته الحكومة أكثر من مرة بحجة أن الدستور ينص على دعم المحتاجين وأن الحكومة قدمت العديد من البرامج لدعم عامة المواطنين مثل غلاء المعيشة والبرامج والمشاريع المتعلقة بالأسر الفقيرة، ولكن إذا غاب الدعم الحكومي فإن التكافل بين الناس لم يغب.