هذا الكتاب هو الجزء الثاني من ثلاثية كتبها أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا البروفيسور تشالمرز جونسون وترجمه المحاضر بكلية الإعلام بجامعة مصر الدولية الإعلامي الكبير صلاح عويس في إطار إصدارات المركز القومى للترجمة ويقع في حوالي أربعمائة صفحة من القطع الكبير. لقد بحث الكاتب بحسب «اليوم السابع» في جذور النزعة العسكرية الأمريكية «التي حولتها الحرب الإسبانية الأمريكية – أواخر القرن التاسع عشر – إلى نزعة استعمارية ووضعت أمريكا على طريق النزعة العسكرية»، كما قام بجولة في القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج وكيف نمت وانتشرت، وقال: إنه مع احتلال بغداد عام2003 كانت الولايات المتحدة الأمريكية تشق طريقها ببطء نحو النزعتين الإمبراطورية والعسكرية منذ سنوات عديدة، وكان زعماؤنا يموهون الاتجاه الذي يسيرون فيه، يلفون سياساتهم الخارجية بعبارات مثل القوة العظمى الوحيدة، والأمة التي لا غنى عنها، والعولمة، وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر أفسحت هذه المزاعم المتباهية الطريق لإعلانات الإمبراطورية الرومانية القادمة، وكتبت الصحافية الإنجليزية مادلين ناتنج تقول : «كان من المعتاد أن تكون الإمبراطورية الأمريكية مجرد حكاية تداعب خيال أقصى اليسار.. أما الآن فهي حقيقة مزعجة من حقائق الحياة». واعتبر المؤلف أن الحكومة الأمريكية ما زالت تتصرف تقريباً بنفس أسلوبها أيام الحرب الباردة، وأكد على احتمال نشوب حرب في شرق آسيا، وقال : إنه «في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر لم يعد ضرورياً إطلاق التحذيرات، وبدلاً من ذلك كان التشخيص أو حتى التشريح أمراً أكثر ملائمة، وفي رأيي أن من المحتمل تعذر إلغاء تنامي النزعة العسكرية والسرية الرسمية والاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد ملزمة بالفقرة الشهيرة في إعلان الاستقلال التي تنص على التمسك بالاحترام اللائق لآراء البشر، وقد يتطلب الأمر اندلاع ثورة تهدف إلى إعادة وزارة الدفاع تحت السيطرة الديمقراطية، أو إلغاء وكالة المخابرات المركزية، أو حتى التفكير في فرض تنفيذ المادة الأولى من القسم التاسع للبند السابع من الدستور التي تنص على عدم السماح بسحب أية أموال من الخزانة العامة إلا وفقاً للمخصصات المحددة بحكم القانون، ووجوب إصدار بيان حسابي بانتظام للواردات والنفقات الخاصة بجميع الأموال العامة ونشره من وقت لآخر». وعلى ذكر النفقات الخاصة يقول البروفيسور جونسون: «وكالات الاستخبارات الأمريكية تنفق أكثر من مجموع الناتج الوطني الإجمالي لكل من كوريا الشمالية وليبيا وإيران والعراق مجتمعة، وهذه الوكالات تفعل ذلك باسم الشعب الأمريكي ولكن دون مشورته أو إشرافه». وعن الإمبراطورية العسكرية الأمريكية يقول : إنها «تتكون من قواعد بحرية دائمة ومطارات حربية وثكنات للجيش ومراكز تجسس للتنصت ومواقع استراتيجية محاطة بأراض أجنبية، وكل ذلك ينتشر في كل قارة على وجه الأرض .. ولا تعتبر شبكة القواعد الأمريكية -725 قاعدة- علامة على الجاهزية العسكرية، ولكن على نزعة التسلط العسكري وهي الرفيق الذي لا مفر منه للنزعة الإمبراطورية». ويتلخص التعريف البسيط للنزعة الإمبراطورية في «أنها هيمنة الدول القوية على الدول الضعيفة واستغلالها، وتعقب أحزان كثيرة هذه النزعة القديمة التي تسهل ملاحظتها، فالنزعة الإمبراطورية على سبيل المثال هي السبب الجذري لأحد أسوأ الأمراض التي أصابت بقية العالم عن طريق الحضارة الغربية، وأعني بها العنصرية». ويقول البروفيسور جونسون: إن القوات المسلحة الأمريكية تحجم تماماً عن إخلاء أية قاعدة بمجرد أن تستولي عليها، وبدلاً من ذلك تبتكر لها أغراضاً جديدة.. والقواعد الأمريكية لا تطبق إلا القوانين الأمريكية على من فيها إذا ارتكب أيهم جريمة ما ضد السكان الأصليين للبلاد محل القواعد.. كما إن جلب آلاف من الشباب الأمريكي الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والرابعة والعشرين من العمر إلى ثقافات غريبة عليهم ويجهلونها تماماً، يعتبر طريقة لنشر سلسلة لا تنتهي من الحوادث لتصبح كالوباء الذي يصيب الدول التي وافقت على استضافة تلك القواعد. ويلمس المؤلف كبد الحقيقة التي يجهلها كثير من الأمريكيين وقادة الدول التي تسير في فلكها -أو يعرفونها ويتجاهلونها لمصالحهم الخاصة- حين يقول في الفصل الأخير بعنوان أحزان الإمبراطورية «منذ اللحظة التي اضطلعنا فيها بدور اشتمل على الهيمنة العسكرية الدائمة على العالم، ونحن خائفون ومكروهون وفاسدون ومفسدون، ونحافظ على (النظام) من خلال إرهاب الدولة والرشوة، وقد اعتدنا على الخطب المغموسة بجنون العظمة، والمغالطات التي دعت بقية العالم إلى التوحد ضدنا». وأخيرا فإن البروفيسور جونسون الذي حصل على الدكتوراة من جامعة بيركلي، خدم باعتباره ضابطاً بحرياً في اليابان وكوريا الجنوبية وكان مستشاراً لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وله مؤلفات عديدة أحدثها الثلاثية التي عرضنا الجزء الثاني منها فيما سبق.