كتب - علي الشرقاوي:

في وقت أواصل فيه الكتابة عن فريج الفاضل، متحرقاً للتعرف على بيت الفاضل، الاسم الذي سميت به منطقة هي من أهم مناطق المنامة، ورئة البحرين لقربها من الفرضة ومن السوق ومن جميع أنماط الحراك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، صدمني واقع أن بيت الفاضل، البيت العود ، هدم عن بكرة أبيه، وتحول إلى بارك “موقف” للسيارات، كما صدم هذا الفعل كل من عاش في فريج الفاضل، أو عرف شيئاً عن تاريخ الفاضل المنطقة والبيت. إن هدم بيت الفاضل بوعي أو دون وعي معناه إزالة تاريخ وذاكرة. ما جعل الكثيرين يتساءلون: هل البيوت التاريخية والأثرية تابعة لأشخاص أم للوطن ؟ ورغم إن الدمعة سقطت من عيني، إلا أني أزحت “البارك” موقف السيارات من عيني، وعدت بذاكرتي إلى البيت، وما كان عليه. بمجلسه، بوقوفه الشامخ لأكثر من قرن، بوجوده الطبيعي، بناسه وجلاسه والمارين عليه.

«آل الفاضل.. العتوب»

لكي أحاول إحياء بيت الفاضل، لا بد من العودة إلى التاريخ وحكايات أبناء عائلة الفاضل ومن عايشهم. وقد سعدت كما يفرح طفل بلعبة، بكتاب (آل الفاضل.. العتوب ) للباحث الشاب بشّار الحادي، الذي أرّخ لعائلة الفاضل ومسجد الفاضل. وهو كتاب أعتبره من أهم الكتب التي انتظرتها طويلاً. ومن الطبيعي أنه لا يمكن الحديث عن فريج الفاضل دون العودة إلى عائلة الفاضل، ولا يمكن التطرق إلى عائلة الفاضل دون ربطها بمسجد الفاضل، هذا المسجد الذي لو نطق، لشرح لنا وحكي عن آلاف الإحداث التي مر بها وعايشها .

«بلط» الفاضل

نقرأ في كتاب (آل الفاضل.. العتوب): “يذكر أن الذي أسس “بلط” الفاضل في المنامة هو الشيخ علي بن خليفة وذلك لكي يحمي سفنه وسفن آل فاضل كشقيقه الشيخ راشد بن خليفة بن فاضل، والشيخ مبارك بن خليفة بن فاضل، والشيخ محمد بن خليفة بن فاضل، والشيخ فيصل بن خليفة بن فاضل، وأبنائه كالشيخ محمد بن علي بن خليفة بن فاضل، والشيخ ناصر بن علي بن خليفة بن فاضل، والشيخ حسن بن علي بن خليفة بن فاضل وغيرهم من الريح العاتية والأمواج. وكان هذا البلط مشهوراً عند أهل الخليج وخصوصاً أهل الكويت، يلجؤون إليه إذا ما خافوا على سفنهم من الريح الشديدة والأمواج العاتية. وكان البلط عبارة عن صف من الحجارة الضخمة المرصوصة بالقرب من بعضها البعض على شكل هلال، بالقرب من الساحل، ويقع موقع البلط حالياً تحت دار الحكومة “مجلس الوزراء” لكن يا للأسف الشديد فإن آل فاضل لم يقوموا بتسجيله لدى دائرة الطابو “التسجيل العقاري” عندما بدأ تسجيل العقارات والأملاك، ولذلك لم يتم تعويض أفراد الأسرة بعد إزالته”.

البلط تسمية بحرينية

يضيف الحادي: “البلط هو التسمية البحرينية له، أما في الكويت فيسمى “النقعة”، يقول الأستاذ أحمد البشر الرومي في كتابه “معجم المصطلحات البحرية في الكويت” (ص226: “نقعة”: والجمع نقع، وهي إما أن تكون طبيعية أو مصنوعة، فالطبيعية تتكون من الرمال التي يتكون منها شبه دائرة ولها فتحة هي مدخل النقعة، ويكون الماء بداخلها عميقاً، أما الصناعية فتبنى حوائطها من الصخور دون ملاط وتستعمل لحماية السفن الصغيرة والمتوسطة من شدة الرياح والأمواج واللفظ الفصيح مشتق من نقع البحر. وهذه إشارة إلى “بلط “ الفاضل، في “محاضر جلسات بلدية المنامة” وكيف كان يحمي السفن من الأمواج والريح العاتية: “الجلسة التاسعة عشرة لسنة 1345 هـ يوم الثلاثاء 22 ذي الحجة سنة 1345هـ “23/6/1927م” افتتح مجلس إدارة البلدية برئاسة الرئيس سمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وحضور الأعضاء المحترمين، والنائبين عن الغائبين، واعتذر الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة عن الحضور، وجرت المذاكرة فيما يلي: “ثم ذكرت عدة قضايا عرض حال من بعض أهالي السفن يذكرون فيه أن سكة البحرين قد اقتطعت صحن “بلط” الفاضل الذي تلجأ فيه السفن عن الأمواج، ويطلبون إلى “أن” يقدم حصاه عن موضعه إلى جهة الشمال، وإلى أن يعاد تشييده ليقي السفن من الخطر، فتقرر أن يكتب إلى الحكومة، ويطلب منها إعادة بنائه”.

سحق بيض السمك في «البلط»

تعليقاً على ما ذكره الحادي أذكر أننا كنا عندما “تثبر الماية”، وتكون في حالة الجزر، نشاهد المتهورين منا، ممن لا تعجبه السباحة قريباً من سور الشارع، يبدأ بالسباحة إلى “البلط”. وكنا عادة نذهب في مجموعة إلى هناك، متسلقين الأحجار البحرية المسننة التي تشكل هذا “البلط” ، وحيث نكتشف بيض السمك، الذي كان على شكل مجموعات ذهبية متلاصقة على شكل عنقود الرطب. في تلك الفترة لم نكن نعرف أهمية هذا البيض، ولأنه سهل السحق كنا نقوم بسحق كميات كبيرة منه، من أجل التسلية، رغم أنني حتى الآن لا أعرف ماهية المتعة في هذه العملية. هل هي من أجل اكتشاف لزوجة هذا البيض أم هي “لعانة صبيان” لا يعرفون سوء ما يقومون به.

بناء مسجد آل فاضل

نقرأ في كتاب الحادي بشأن بناء مسجد الفاضل. إنه بعد أن تم فتح البحرين استقر الشيخ علي بن خليفة الفاضل في مدينة المنامة، وأول عمل قام به هو بناء مسجد بالحي الذي سكنه، والذي سمي فيما بعد بحي “فريج” الفاضل. كما سمي المسجد فيما بعد بمسجد العلي، نسبة إلى بانيه الشيخ علي بن خليفة بن فاضل، ثم سمي بعدها بفترة بمسجد آل فاضل، وما زال وإلى اليوم يسمى بهذا الاسم. ويقع مسجد الفاضل شرق سوق المنامة، ويسمى قديماً كما في بعض الوثائق بـ«مسجد العلي”، نسبة إلى أسرة وذرية الشيخ علي بن خليفة بن فاضل آل خليفة، فقد كان أهالي البحرين قديماً ينسبون إلى جد الأسرة، فمثلاً إذا كان شخص اسمه أحمد بن خالد بن مبارك يقولون: هذا أحمد من بيت المبارك، وإذا كان شخص اسمه مثلاً علي مبارك حمد يقولون هذا فلان من بيت الحمد فينسبون إلى جد الأسرة، وهكذا.. وهنا نجد الشيء نفسه، الشيخ حمود بن محمد بن علي بن خليفة آل فاضل، والشيخ ناصر بن علي بن خليفة آل فاضل وغيرهم من أبناء وأحفاد الشيخ علي بن خليفة إذا نسبوا إليهم مسجد جدهم قالوا: هذا مسجد العلي، فلا توجد أسرة باسم أسرة العلي تسكن فريج الفاضل آنذاك. المعروف أن باني المسجد هو كبير أسرة آل فاضل وشيخهم الشيخ علي بن خليفة بن فاضل بن خليفة، وعندما رزق بأولاد وأحفاد نسب إليهم فقيل له: مسجد العلي، أو جامع العلي وأطلق على هذا الفرع من أسرة الفاضل بيت العلي، أما ما ذكره الأستاذ بدر شاهين الذوادي في مقالته عن المسجد بأن هناك أسرة تسمى “العلي” فهذا غير صحيح، إنما هذه التسمية هي تسمية عُرفية وليست رسمية، يقول: “ومن خلال تتبع الوثائق القديمة المحفوظة للمسجد فيسمى فيها باسم مسجد العلي وجامع العلي، وهي أسرة كانت تسكن المنطقة قديماً”.

دخول آل فاضل

يرجح بشّار الحادي أن المسجد تأسس مع دخول آل فاضل البحرين أي في العام 1783م . ويضيف: “في إحدى الروايات، فإن تأسيس المسجد كان بواسطة أفراد من أسرة الفاضل كانوا يأتون إلى البحرين من الزبارة لتجارة اللؤلؤ، ويفتقرون لوجود مسجد قريب من مساكنهم لأداء الفروض، فتأسس من سعف النخيل وكان صغيراً جداً تقام فيه الفروض الخمسة فقط، ثم بعد مرور سنوات من الزمان بني من الحصى والطين وغيرها ثم أصبح جامعاً تقام فيه صلاة الجمعة. ومؤسس المسجد هو الشيخ علي بن خليفة بن فاضل بن خليفة، أمام التجديد الثاني فلا نعلم من قام به بالتحديد، لكن يعتقد أنه قام به رجل آخر من أسرة الفاضل، أما التجديد الثالث فقام ببنائه الحاج عبدالعزيز لطف علي الخنجي العام 1908م وتأسيس الزيادة في الشمال من المساعدة المجموعة من العموم بواسطة الحكومة في يوم السبت 15 فبراير 1936م، وتم بناء المنارة في 1938م حيث أمر الشيخ حمد بن عيسى بإعادة تشييد منارة هذا الجامع. وفي أغسطس 1941م جرى عمل البناء والتعمير في القسم الجنوبي منه من خلال جمع التبرعات من أهل الخير بواسطة وإشراف الحاج خليل بن إبراهيم كانو. وتمت إعادة تجديد بنائه العام 1965م على نفقة الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة. وفي العام 1994 أمر الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بترميمه على نفقته بالكامل، وتم افتتاحه يوم عيد الفطر في 1995، ويمكن أن يستوعب نحو 8000 مصلياً”.

عين مسجد الفاضل

شخصياً لا أعرف اسما آخر للعين التي كانت أمام مسجد الفاضل غير عين الفاضل. هذه العين حفرت ربما في بداية الثلاثينيات قبل وصول الماء إلى بيوت المنطقة، من أجل توفير المياه للبيوت القريبة منها والتي تحيط بها، يستفيد منها أهل المنطقة. كانت العين مقسمة إلى قسمين: قسم للرجال وقسم للنساء. بينهما سور يفصل القسمين، من أجل أن لا يرى الرجال النساء والعكس. وكل قسم من العين يحتوي على أربعة حنفيات أو خمسة، ويكون فيها الماء قوياً، دافئا في الشتاء، بارداً في الصيف. وكنا نرى النساء حاملات الملابس أو القدور لغسلها في قسم النساء، فيما قسم الرجال عادة ما يكون للاستحمام، خصوصاً العمال الذين يعملون في السوق والبحارة الذين يأتون من عمل الصيد.

«الطرارة» عند المسجد

في نهاية الخمسينيات، صادف وان تعرفت على أحد العميان، طلب مني أن آخذه في يوم الجمعة إلى المسجد، من أجل الحصول على شيء مما يجود به أصحاب الخير. لذلك كنا نصلي قريباً من باب المسجد، لكي يتسنى لنا الخروج قبل المصلين والجلوس أمام باب المسجد. وكنا نحصل كبقية “الطراروة” على شيء من الخردة “النقود المعدنية” والخبز وبعض الحلوى. وبعد مغادرة جميع المصلين، نأخذ ما حصلنا عليه من النعم ونعود إلى بيوتنا. وقد بقيت مع الأعمى لفترة من الوقت، آخذه أسبوعياً إلى مسجد الفاضل، وكلما مررت على المسجد، رغم التجديدات الكثيرة التي مر بها المسجد، أرى العين وأرى باب المسجد.

بركة السباحة

ربما يذكر من عاش تلك الفترة انه كانت هناك بركة صغيرة يتوضأ بمياهها الجارية المصلون، إلا إننا كنا في تلك الفترة أطفال أشقياء، أطفال حينما يدخل المصلون في الصلاة، نذهب إلى البركة ونستحم فيها. فهناك مساحة لا بأس بها من الوقت للقيام بالسباحة فيها، خصوصاً عندما نكون عائدين من السباحة في البحر، نخفف فيها ملح البحر عن أجسادنا. طبعاً قبل أن يسلم الإمام، منهيا الصلاة، نكون قد خرجنا من البركة.

الشيخ محمد بن مبارك الفاضل

حول حياة الشيخ محمد بن مبارك الفاضل، نقرأ في كتاب الحادي أن محمد بن مبارك عمل بتجارة اللؤلؤ “الطواشة” لفترة قصيرة، حيث تعلمها من والده الشيخ مبارك بن حمد آل فاضل. كما رحل معه عدة مرات إلى بلاد الهند وتعرف هناك على العديد من تجار اللؤلؤ الهنود، الذين يتعامل معهم والده. إضافة إلى عمله بتجارة اللؤلؤ، كان الشيخ محمد بن مبارك من كبار رجالات أسرة آل فاضل في وقته، وله أعمال جليلة ومساهمات خيرية ومشاركة في المجالس البلدية وغيرها. حيث تشير محاضر جلسات البلدية إلى أن الشيخ محمد بن مبارك كان عضواً في مجلس بلدية المنامة منذ العام 1934م، واستمر حتى العام 1938م. وورد في محاضر جلسات بلدية المنامة (ص41): “الجلسة السابعة عشر من يوم الخميس الموافق إلى 17 شعبان المعظم سنة 1354هـ (14/11/1935م) انعقد مجلس إدارة بلدية المنامة برئاسة العضو المحترم الحاج محمد بن مبارك الفاضل، نائب سمو الرئيس وبحضور حضرات الأعضاء المحترمين، وكان من المتخلفين الحاج خليل بن إبراهيم المؤيد، الحاج عباس أبو القسام شيرازي نظراً لانحراف صحتهما، الحاج إبراهيم بن محمد أحمدي، الحاج محمد الدرازي، وذلك نظراً لانشغالهم. فبعد تلاوة محضر الجلسة السابقة والتصديق عليه جرت المذاكرة فيما يلي: “سفر سعادة الرئيس: أخبر المعاون أن سعادة سمو الرئيس الشيخ محمد قد سافر إلى القنص بر الظهران لمدة أيام ويبلغ أعضاء مجلسه الموقر جزيل السلام. وقد أناب بمقامه حضرة الحاج محمد بن مبارك الفاضل بهذه الجلسة. فدعا له المجلس بالصحة والسلامة”. كما تم تعيين الشيخ محمد بن مبارك الفاضل عضواً في لجنة الحسابات والموازنة ببلدية المنامة وذلك للتدقيق فيها. فقد ورد في محاضر جلسات البلدية (ص 165): “الجلسة الثانية عشر بتاريخ يوم الخميس الموافق 16 ذي الحجة سنة 1356 هـ (17/2/1938م) تعيين لجنة للحسابات والموازنة: فعيّن سمو نائب الرئيس لجنة للحسابات من حضرات الأعضاء فكان أفرادها: الحاج أحمد بن حسن إبراهيم، الحاج أحمد بن يوسف فخرو، الحاج عبدالنبي بن أحمد أبوشهري، الحاج يوسف علي أكبر علي رضا، الحاج عبدا لنبي بن محمد حسين العريض. ويضاف إلى هؤلاء في أيام حساب الموازنة حضرات الأفاضل: الحاج محمد بن مبارك الفاضل، الحاج عبدالعزيز العلي البسام، الحاج محمد بن إبراهيم الصفار”.

لجنة إعانة الهالكين

يواصل الحادي: تم تعيين الشيخ محمد بن مبارك في عدد من اللجان منها اللجنة التي عقدت لإعانة عائلات الهالكين في بيت الحاج محمد طيب خنجي، وهذا نص ما جاء في محاضر البلدية (ص10): كتاب من سعادة مستشار حكومة البحرين العدد 23/255 المؤرخ 26 منه سنة 1354هـ في خصوص تعيين لجنة لتوزيع الإعانة المجموعة من الأهالي على عائلات الهالكين في بيت الحاج محمد طيب البالغة نقداً 4/537 روبية فقرر المجلس على أن تكون اللجنة مؤلفة من ثلاثة أشخاص من قبل بلدية المنامة وثلاثة أشخاص من وجهاء المنامة من مختلف الفرقان، وشخصين من المحرق يعينهما نائب الرئيس”. وجاء في المصدر نفسه (ص12): كتاب من سعادة مستشار حكومة البحرين عدد 23/254 مؤرخ منه في خصوص ما جبي من الإعانة لمنكوبي بيت الحاج محمد طيب فقرر المجلس في هذه المسألة بتعيين لجنة مؤلفة من الذوات المذكورين: الحاج محمد الفاضل، الحاج إبراهيم أحمدي، الحاج محسن التاجر، من أعضاء بلدية المنامة، الشيخ عبدالرحيم الخنجي، الحاج عبدالله بن سلمان الجاسم، الحاج أحمد تقي، من الأهالي في المنامة، الحاج عبداللطيف المشاري، الحاج محمد بن يوسف الناصر، من الأهالي في المحرق. تحضر هذه اللجنة مرتين في الأسبوع في بلدية المنامة وتدقق في أسماء المنكوبين المستحقين ثم بعد ذلك تحول على حكومة البحرين بالمبالغ لتدفع للمستحقين ويحضر الجلسات معاون بلدية المنامة”.

رسالة المستشار

هذه رسالة من المستشار ينص فيها على أسماء اللجنة، وهذا نص ما جاء في (محاضر البلدية) (ص12): “كتاب من سعادة مستشار حكومة البحرين عدد 23/254 مؤرخ 4 منه في خصوص ما جبي من الإعانة لمنكوبي بيت الحاج محمد طيب فقرر المجلس في هذه المسألة بتعيين لجنة مؤلفه من الذوات المذكورين: الحاج محمد الفاضل، الحاج إبراهيم أحمد، الحاج محسن التاجر. من أعضاء بلدية المنامة، الشيخ عبدالرحيم الخنجي، الحاج عبدالله بن سلمان الجاسم، الحاج أحمد تقي. من الأهالي في المنامة، الحاج عبداللطيف المشاري، الحاج محمد بن يوسف الناصر. من الأهالي في المحرق، تحضر هذه اللجنة مرتين في الأسبوع في بلدية المنامة وتدقق في أسماء المنكوبين المستحقين ثم بعد ذلك تحول على حكومة البحرين بالمبالغ لتدفع للمستحقين ويحضر الجلسات معاون بلدية المنامة.

وصية الشيخ محمد الفاضل

يذكر الحادي أنه عندما أحس الشيخ محمد بن مبارك الفاضل باقتراب الأجل كتب وصيته، وأوصى فيها بأن يخرج من ماله ثلث لفعل الخير وأعمال البر والإحسان ويكون إخراج الثلث على يد زوجته الشيخة لولوة بنت حمد بن ناصر الفاضل، ثم بعد أن يكبر ولده عبدالرحمن يقوم بإخراج الثلث في مصارفه، وهذا نص ما ورد فيها: “الحمد له حمداً استزيد به من أفضاله، وأشكره على جزيل بره ونواله، والصلاة والسلام على خير البرية، سيدنا محمد الآمر بالوصية. وبعد.. فإني العبد الراجي رحمه ربه وإحسانه، المستغيث بذيل لطفه وغفرانه، محمد بن مبارك الفاضل، بعد أن شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله إلى كافة الخلق أرسله، وأن الموت حق، والحياة بيد الله، قد أوصيت وعهدت إلى زوجتي لولوة بنت حمد بن ناصر الفاضل هي وصية على ثلث مالي بعد موتي تعمل لي ما يعمل الحي للميت من أعمال البر إلى حين يسترشد ابني الولد عبدالرحمن حفظه الله، وحين ذاك يكون هو الوصي على الثلث المذكور، ويعطي منه لأخيه راشد الغتم الثلث المذكور، وله التصرف في الثلث حيث شاء، ولا لأحد حق في معارضته، كما إن زوجتي لولوة المذكورة هي ولية على الثلاثة الدكاكين الوقف الواقعين في سوق الطواويش بسوق المنامة، وكذلك الدكان الساكن فيه عبدالله صالح العرادي، والغرفة مع الدكاكين التي حددها يكون تحت ولايتها، إلى حيث ما يسترشد الولد عبدالرحمن المذكور، ثم يتولى كل ما ذكر أعلاه، أما نخل الحكمي الوقف فيتولاه أحمد وحمد ابنا مبارك بن خليفة الفاضل، أما نخل المقسم الوقف الواقع في جدحفص فيتولاه محمد بن حسن بن عبدالله الفاضل، وأما باقي نخيل الوقف التي في الزنج وغيره وجميع الدكاكين الوقف التي تحت يدي فيتولاه ابني عبدالله، وقد جعلت الناظر عليه الشيخ عبداللطيف بن محمد آل سعد، أما من خصوص الذي لي والذي علي فهو مسطر في الدفتر الحمر والعمل عليه، هذا ما أوصيت وأنا بحال صحتي وسلامة عقلي واختياري، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، وحسبي الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، والسلام عليكم ورحمه الله. حرر في 12 شعبان سنة 1374 هـ (5/4/1955م).

مذاكرة الامتحانات

لم تكن أيام الامتحانات التي كنا نراجع فيها المواد المقررة علينا، لم تكن سعيدة، فنحن نبدأ المذاكرة فوق أسطح المنازل إلى أن تغرب الشمس، وبعدها نقوم بالبحث عن مكان إضاءة أكثر جودة من إضاءة بيوتنا. ولم يكن مكاناً جيداً غير الشوارع أو الحدائق العامة. وكان من أهم الأماكن التي نراجع المقررات فيها الحديقة القريبة من بيت القاضي، التي تقابل من الشرق بيت جيدة ومكتبة العائلة حالياً، ومن من الغرب بيت الخان. لكن بعد أن غيرت وزارة الإشغال شكل الإضاءة إلى الشكل الأصفر، الذي لم يكن مناسباً للقراءة. اضطرنا للذهاب بعيداً، وراء بيوت الزامل “برج الزامل حالياً”، وفي مكان إشارة المرور مجلس الوزراء. فقد كان هناك دوار مضاء، نقوم تحت أنواره بالمذاكرة. ربما كان يذاكر معي في تلك الفترة صديق الطفولة الراحل فاروق محمد إسماعيل، محمد موسى، عبدالحميد عبدالرحمن مراد، يعقوب يوسف أجور، سمير عبدالله تقي. فالمذاكرة في تلك الفترة جماعية، مثل كرة القدم، ومثل حركتنا من مكان إلى أخر. كل شيء جماعي.

إذاعة أسماء الناجحين

بالعودة إلى إذاعة أسماء الناجحين في الابتدائية، كنا نشعر أن كل البحرين في تلك الليلة التاريخية، كانت متجمعة حول الراديو. ومن لم يكن يملك هذا الراديو، كان مسمراً في إحدى الدكاكين أو في بيت من يملكون هذا الراديو. وبالطبع على الجميع السكوت والصمت والإصغاء لما يطرح من أسماء، وربما كان إبراهيم كانو هو من يقرأ الأسماء، وأية حركة يقوم بها أي شخص متواجد عند الدكان ، كسحب كرسي أو “سحارة بالغلط “، يرى الوجوه كلها متجهة صوبه، وفي عينيها الشرر، وإذا سقط سهواً اسم ما، فإن الأهالي كلهم يستنفرون للذهاب إلى مكان الوزارة، قبل الانتقال إلى مكانها الذي استقرت عليه لمدة أربعة عقود، للتأكد من النتيجة. لقد كان انتظارنا النتيجة، أكثر صعوبة من انتظار الأب ولادة زوجته، لأنه يتحول إلى كتلة من الأعصاب لا تعرف أن تستقر. وكلما زادت مدة الانتظار نشعر وكأننا في حرب، الوقت لا يريد التحرّك. وبأذهاننا نحاول أن نتخطى حروف الأبجدية، لنصل إلى حرف اسمنا، لكن الوصول حتى تسمع اسمك منطوقاً كان مرهقاً جداً. كنا ننتظر -رغم معرفتنا بهذا النجاح، نتيجة التعب والجهد الذي بذلناه- سماع أسمائنا مباشرة من فم المذيع، ليسمعه الأهل والأصحاب في كل مناطق البحرين، وكان ذلك بالطبع أكثر متعة وإحساساً بالفرح العارم.